( ومنها ) ، حتى إنه لو سرق سرقات فرفع فيها كلها فقطع ، أو رفع في بعضها فقطع فيما رفع فالقطع للسرقات كلها ، ولا يقطع في شيء منها بعد ذلك ; لأن أسباب الحدود إذا اجتمعت - وأنها من جنس واحد - يكتفى فيها بحد واحد كما في الزنا ، وهذا ; لأن المقصود من إقامة الحد هو الزجر ، والردع ، وذلك يحصل بإقامة الحد الواحد ، فكان في إقامة الثاني . أن يجري فيه التداخل
والثالث شبهة عدم الفائدة فلا يقام ; ولهذا يكتفى في باب الزنا بالإقامة لأول حد كذا هذا ، ولأن محل الإقامة قد فات ، إذ محلها اليد اليمنى ; لأن كل سرقة وجدت ما أوجبت إلا قطع اليد اليمنى ، فإذا قطعت في واحدة منها فقد فات محل الإقامة ، وصار كما لو ذهبت اليد اليمنى بآفة سماوية .
وأما حكم الضمان فلا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أنه إذا حضر أصحاب السرقات ، وخاصموا فيها فقطع بمخاصمتهم أنه لا ضمان على السارق في السرقات كلها ; لأن مخاصمة المسروق منه بالقطع بمنزلة الإبراء عن الضمان عندنا ، فإذا خاصموا جميعا فكأنهم أبرءوا .
وأما إذا خاصم واحد في سرقة فقطع فلا ضمان على السارق فيما خوصم بإجماع بين أصحابنا [ ص: 86 ] رضي الله عنهم .
وأما فيما لم يخاصم فيه فقد اختلفوا ، قال - رحمه الله - : " لا ضمان عليه في شيء من السرقات خاصموا ، أو لم يخاصموا " ، وقال أبو حنيفة ، أبو يوسف - رحمهما الله - : " يضمن في السرقات كلها إلا فيما خوصم " . ومحمد
( وجه ) قولهما : أن المسروق منه مخير بين أن يدعي المال ليستوفي حقه ، وهو الضمان ، وبين أن يدعي السرقة ليستوفي في حق الله - سبحانه وتعالى - وهو القطع ، ولا ضمان له ، فكان سقوط الضمان مبنيا على دعوى السرقة والخصومة فيها ، فمن خاصم منهم فقد وجد منه ما يوجب سقوط الضمان ، ومن لم يخاصم ; لم يوجد منه المسقط فيبقى حقه في الضمان كما كان .
- رحمه الله - : أن النافي للضمان هو القطع ، والقطع وقع للسرقات كلها فينفي الضمان في السرقات كلها ، هذا إذا كان المسروق هالكا ، أما إذا كان قائما رد كل مسروق إلى صاحبه ; لأن القطع ينفي الضمان لا الرد ولأبي حنيفة حتى لو أمر الإمام بقطع السارق فعفا عنه المسروق منه كان عفوه باطلا ; لأن صحة العفو يعتمد كون المعفو عنه حقا للعافي ، والقطع خالص حق الله - سبحانه وتعالى - لا حق للعبد فيه فلا يصح عفوه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . ومنها أنه لا يحتمل العفو