( فصل ) :
وأما بيان ما يحله القضاء ، وما لا يحله ، فالأصل أن قضاء القاضي بشاهدي الزور فيما له ولاية إنشائه في الجملة ، يفيد الحل عند - رحمه الله - وقضاؤه بهما فيما ليس له ولاية إنشائه أصلا ، لا يفيد الحل بالإجماع ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله - ومحمد - رحمه الله - لا يفيد الحل فيهما جميعا ، فنقول : جملة الكلام فيه أن والشافعي زور ، فلا يخلو إما أن قضى بعقد أو بفسخ عقد ، وإما أن قضى بملك مرسل ، فإن قضى بعقد أو بفسخ عقد فقضاؤه يفيد الحل عنده ، وعندهم لا يفيد ، ولقب المسألة أن قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهود زور هل ينفذ ظاهرا وباطنا ؟ فهو على الخلاف الذي ذكرنا . القاضي إذا قضى بشاهدين ، ثم ظهر أنهما شاهدا
وإن قضى بملك مرسل ، لا ينفذ قضاؤه باطنا بالإجماع ، وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا ادعى رجل على امرأته أنه تزوجها ، فأنكرت ، فأقام على ذلك شاهدي زور ، فقضى القاضي بالنكاح بينهما - وهما يعلمان أنه لا نكاح بينهما - حل للرجل وطؤها ، وحل لها التمكين عند ، وعندهم لا يحل وكذا إذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا - وهو منكر - فقضى القاضي بالفرقة بينهما ، ثم تزوجها أحد الشاهدين ; حل له وطؤها ، وإن كان يعلم أنهما شهدا بزور عنده ، وعندهم لا يحل ، وعلى هذا الخلاف دعوى البيع والإعتاق . أبي حنيفة
وفي الهبة عن - رحمه الله - روايتان ، وأجمعوا على أنه لو ادعى نكاح امرأة ، وهي تنكر وتقول : أنا أخته من الرضاع ، أو أنا في عدة من زوج آخر ، فشهد بالنكاح شاهدان ، وقضى القاضي بشهادتهما ، والمرأة تعلم أنها كما أخبرت لا يحل لها التمكين ، وأجمعوا أيضا على أنه لو ادعى رجل أن هذه جاريته ، وهي تنكر ، فأقام على ذلك شاهدين ، وقضى القاضي بالجارية ، أنه لا يحل له وطؤها إذا كان يعلم أنه كاذب في دعواه ، ولا يحل لأحد الشاهدين أيضا أن يشتريها احتجوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبي حنيفة } أخبر الشارع عليه الصلاة والسلام أن القضاء بما ليس للمدعي قضاء له بقطعة من النار ، ولو نفذ قضاؤه باطنا لما كان القضاء به قضاء بقطعة من النار ; ولأن القضاء إنما ينفذ بالحجة - وهي الشهادة الصادقة - وهذه كاذبة بيقين فلا ينفذ حقيقة ; ولهذا لم ينفذ بالملك المرسل ، وكذا إذا كانت المرأة محرمة بالعدة والردة ، أو الرضاع أو القرابة ، أو المصاهرة ، كذا هذا ، إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، وإنما أنا بشر ، فمن قضيت له من مال أخيه شيئا بغير حق ، فإنما أقطع له قطعة من النار رضي الله عنه أن قضاء القاضي بما يحتمل الإنشاء إنشاء له ، فينفذ ظاهرا وباطنا ، كما لو أنشأ صريحا . ولأبي حنيفة
ودلالة الوصف أن القاضي مأمور بالقضاء بالحق ، ولا يقع قضاؤه بالحق فيما يحتمل الإنشاء إلا بالحمل على الإنشاء ; لأن البينة قد تكون صادقة ، وقد تكون كاذبة ، فيجعل إنشاء ، والعقود والفسوخ مما تحتمل الإنشاء من القاضي ، فإن للقاضي ولاية إنشائها في الجملة بخلاف الملك المرسل ; لأن نفس الملك مما لا يحتمل الإنشاء ; ولهذا لو أنشأ القاضي أو غيره صريحا - لا يصح ، وبخلاف ما إذا كانت المرأة محرمة بأسباب ; لأن هناك ليس للقاضي ولاية الإنشاء ، ألا ترى أنه لو أنشأ صريحا لا ينفذ وأما الحديث فقد [ ص: 16 ] قيل : إنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك في أخوين اختصما إليه في مواريث درست بينهما ، فقال إلى آخره ولم يكن لهما بينة إلا دعواهما ، كذا ذكره أبو داود عن رضي الله عنها ، والميراث ومطلق الملك سواء في الدعوى - وبه نقول - مع أنه ليس فيه ذكر السبب ، والكلام في القضاء بسبب على أنا نقول بموجبه ، لكن لم قلتم : إن القضاء بسبب قضاء له من مال آخر بغير حق ؟ بل هو قضا له من مال نفسه ، وبحق ; لأن القضاء بسبب الملك صحيح عندنا ، فقد قلنا بموجب الحديث ، والحمد لله وحده . أم سلمة