( فصل ) :
وأما بيان حكم فنقول : الأصل أن القاضي إذا أخطأ في قضائه ، بأن ظهر أن الشهود كانوا عبيدا أو محدودين في قذف ، أنه لا يؤاخذ بالضمان ; لأنه بالقضاء لم يعمل لنفسه بل لغيره ، فكان بمنزلة الرسول فلا تلحقه العهدة ، ثم ينظر إما أن كان المقضي به من حقوق العباد ، وإما أن كان من حقوق الله - عز وجل - خالصا ، كالقطع في السرقة ، والرجم في زنا المحصن ، فإن كان في حقوق العباد ، فإن كان مالا - وهو قائم - رده على المقضي عليه ; لأن قضاءه وقع باطلا ، ورد عين المقضي به ممكن ، فيلزمه رده ; لقول النبي عليه الصلاة والسلام { خطأ القاضي في القضاء } . على اليد ما أخذت حتى ترده
ولأنه عين مال المدعى عليه ، { } ، وإن كان هالكا فالضمان على المقضي له ; لأن القاضي عمل له فكان خطؤه عليه ; ليكون الخراج بالضمان ; ولأنه إذا عمل له فكان هو الذي فعل بنفسه ، وإن كان حقا ليس بمال ، كالطلاق والعتاق بطل ; لأنه تبين أن قضاءه كان باطلا ، وأنه أمر شرعي يحتمل الرد فيرد ، بخلاف الحدود والمال الهالك ; لأنه لا يحتمل الرد بنفسه فيرد بالضمان ، هذا إذا كان المقضي به من حقوق العباد . ومن وجد عين ماله فهو أحق به
وأما إذا كان من حق الله - عز وجل - خالصا فضمانه في بيت المال ; لأنه عمل فيها لعامة المسلمين ; لعود منفعتها إليهم - وهو الزجر - فكان خطؤه عليهم ; لما قلنا فيؤدى من بيت مالهم ، ولا يضمن القاضي ; لما قلنا ، ولا الجلاد أيضا ; لأنه عمل بأمر القاضي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .