( فصل ) :
وأما بيان من يفترض عليه قبول تقليد القضاء ، فنقول : ينظر إن كان في البلد عدد يصلحون للقضاء ، لا يفترض عليه القبول ، بل هو في سعة من القبول والترك . إذا عرض القضاء على من يصلح له من أهل البلد ،
( أما ) ; فلأن الأنبياء والمرسلين ، صلوات الله عليهم أجمعين قضوا بين الأمم بأنفسهم ، وقلدوا غيرهم وأمروا بذلك ، فقد بعث [ ص: 4 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز القبول رضي الله عنه إلى معاذا اليمن قاضيا ، وبعث عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة قاضيا ، وقلد النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا من أصحابه رضي الله تعالى عنهم الأعمال ، وبعثهم إليها ، وكذا الخلفاء الراشدون قضوا بأنفسهم ، وقلدوا غيرهم ، فقلد سيدنا رضي الله عنه عمر القضاء ، وقرره سيدنا شريحا ، وسيدنا عثمان رضي الله عنهما . علي
( وأما ) ; فلما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه { جواز الترك قال رضي الله عنه : إياك والإمارة لأبي ذر } وروي عنه عليه الصلاة والسلام { } وروي أن أنه قال : لا تتأمرن على اثنين ، رضي الله عنه عرض عليه القضاء ، فأبى حتى ضرب على ذلك ولم يقبل ، وكذا لم يقبله كثير من صالحي الأمة ، وهذا معنى ما ذكر في الكتاب ، دخل فيه قوم صالحون وترك الدخول فيه قوم صالحون ، ثم إذا جاز الترك والقبول في هذا الوجه ، اختلفوا في أن أبا حنيفة قال بعضهم : الترك أفضل ، وقال بعضهم : القبول أفضل ، احتج الفريق الأول بما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { القبول أفضل أم الترك } وهذا يجري مجرى الزجر عن تقلد القضاء ، احتج الفريق الآخر بصنع الأنبياء والمرسلين - صلوات الله عليهم أجمعين - وصنع الخلفاء الراشدين ; لأن لنا فيهم قدوة ; ولأن القضاء بالحق إذا أراد به وجه الله سبحانه وتعالى ; يكون عبادة خالصة بل هو من أفضل العبادات ، قال النبي المكرم عليه أفضل التحية : { من جعل على القضاء فقد ذبح بغير سكين ، } . عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة
والحديث محمول على القاضي الجاهل ، أو العالم الفاسق ، أو الطالب الذي لا يأمن على نفسه الرشوة ، فيخاف أن يميل إليها ، توفيقا بين الدلائل ، هذا إذا كان في البلد عدد يصلحون للقضاء ، فأما ; فإنه يفترض عليه القبول ; إذا عرض عليه ; لأنه إذا لم يصلح له غيره - تعين هو لإقامة هذه العبادة ، فصار فرض عين عليه ، إلا أنه لا بد من التقليد ، فإذا قلد - افترض عليه القبول على وجه لو امتنع من القبول - يأثم ، كما في سائر فروض الأعيان ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . إذا كان لم يصلح له إلا رجل واحد