[ ص: 3 ] فصل ) :
وأما بيان من يصلح للقضاء فنقول : ( منها ) : العقل ، ( ومنها ) البلوغ ، ( ومنها ) : الإسلام ، ( ومنها ) : الحرية ، ( ومنها ) : البصر ( ومنها ) : النطق ، ( ومنها ) : السلامة عن حد القذف ; لما قلنا في الشهادة ، الصلاحية للقضاء لها شرائط المجنون والصبي ، والكافر والعبد ، والأعمى والأخرس ، والمحدود في القذف ; لأن القضاء من باب الولاية ، بل هو أعظم الولايات ، وهؤلاء ليست لهم أهلية أدنى الولايات - وهي الشهادة - فلأن لا يكون لهم أهلية أعلاها أولى فلا يجوز تقليد فليست من شرط جواز التقليد في الجملة ; لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة ، إلا أنها لا تقضي بالحدود والقصاص ; لأنه لا شهادة لها في ذلك ، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة . ، وأما الذكورة
( وأما ) : فهل هو شرط جواز التقليد ؟ عندنا ليس بشرط الجواز ، بل شرط الندب والاستحباب ، وعند أصحاب الحديث كونه عالما بالحلال والحرام ; وسائر الأحكام ; مع بلوغ درجة الاجتهاد في ذلك شرط جواز التقليد ، كما قالوا في الإمام الأعظم . العلم بالحلال والحرام وسائر الأحكام
وعندنا هذا ليس بشرط الجواز في الإمام الأعظم ; لأنه يمكنه أن يقضي بعلم غيره ، بالرجوع إلى فتوى غيره من العلماء ، فكذا في القاضي ، لكن مع هذا لا ينبغي أن يقلد الجاهل بالأحكام ; لأن الجاهل بنفسه ما يفسد أكثر مما يصلح ، بل يقضي بالباطل من حيث لا يشعر به ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { } إلا أنه لو قلد جاز عندنا ; لأنه يقدر على القضاء بالحق ، بعلم غيره بالاستفتاء من الفقهاء ، فكان تقليده جائزا في نفسه ، فاسدا لمعنى في غيره ، والفاسد لمعنى في غيره يصلح للحكم عندنا ، مثل الجائز حتى ينفذ قضاياه التي لم يجاوز فيها حد الشرع ، وهو كالبيع الفاسد ، أنه مثل الجائز عندنا في حق الحكم ، كذا هذا ، وكذا : القضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، وقاضيان في النار ، رجل علم علما فقضى بما علم ; فهو في الجنة ، ورجل علم فقضى بغير ما علم ; فهو في النار ، ورجل جهل فقضى بالجهل ; فهو في النار ، ليست بشرط لجواز التقليد ، لكنها شرط الكمال ، فيجوز تقليد الفاسق وتنفذ قضاياه ; إذا لم يجاوز فيها حد الشرع . العدالة عندنا ،
وعند - رحمه الله - شرط الجواز ، فلا يصلح الفاسق قاضيا عنده ، بناء على أن الفاسق ليس من أهل الشهادة عنده ، فلا يكون من أهل القضاء ، وعندنا هو من أهل الشهادة ، فيكون من أهل القضاء ، لكن لا ينبغي أن يقلد الفاسق ; لأن القضاء أمانة عظيمة ، وهي أمانة الأموال ، والأبضاع والنفوس ، فلا يقوم بوفائها إلا من كمل ورعه ، وتم تقواه ، إلا أنه مع هذا لو قلد ; جاز التقليد في نفسه وصار قاضيا ; لأن الفساد لمعنى في غيره ، فلا يمنع جواز تقليده القضاء في نفسه ; لما مر . الشافعي
( وأما ) : فليس بشرط ; لجواز التقليد بالإجماع ، فيجوز تقليد الطالب بلا خلاف ; لأنه يقدر على القضاء بالحق ، لكن لا ينبغي أن يقلد ; لأن الطالب يكون متهما . ترك الطلب
وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { } وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { إنا لا نولي أمرنا هذا من كان له طالبا } وهذا إشارة إلى أن الطالب ، لا يوفق لإصابة الحق ، والمجبر عليه يوفق . من سأل القضاء وكل إلى نفسه ، ومن أجبر عليه نزل عليه ملك يسدده ،
: فهو أن يكون القاضي عالما بالحلال والحرام وسائر الأحكام ، قد بلغ في علمه ذلك حد الاجتهاد ، عالما بمعاشرة الناس ومعاملتهم ، عدلا ورعا ، عفيفا عن التهمة ، صائن النفس عن الطمع ; لأن القضاء : هو الحكم بين الناس بالحق ، فإذا كان المقلد بهذه الصفات ، فالظاهر أنه لا يقضي إلا بالحق ، ثم ما ذكرنا أنه شرط جواز التقليد ، فهو شرط جواز التحكيم ; لأن التحكيم مشروع ، قال الله تعالى - عز شأنه - : { وأما شرائط الفضيلة والكمال فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فكان الحكم من الحكمين بمنزلة حكم القاضي المقلد ، إلا أنهما يفترقان في أشياء مخصوصة .
( منها ) : أن الحكم في الحدود والقصاص لا يصح .
( ومنها ) : أنه ليس بلازم ما لم يتصل به الحكم ، حتى لو رجع أحد المتحاكمين قبل الحكم ; يصح رجوعه ، وإذا حكم صار لازما .
( ومنها ) : أنه إذا حكم في فصل مجتهد فيه ، ثم رفع حكمه إلى القاضي ، ورأيه يخالف رأي الحاكم المحكم ، له أن يفسخ حكمه ، والفرق بين هذه الجملة يعرف في موضعه ، إن شاء الله تعالى .