( فصل ) :
وأما بيان فنقول : وبالله التوفيق - : لا يخلو من وجهين : إما أن انفسخت قبل الزراعة أو بعدها ، فإن انفسخت قبل الزراعة لا شيء للعامل ، وإن كرب الأرض وحفر الأنهار وسوى المسنيات بأي طريق انفسخ سواء انفسخ بصريح الفسخ أو بدليله أو بانقضاء المدة أو بموت أحد المتعاقدين ; لأن الفسخ يظهر أثره في المستقبل بانتهاء حكمه لا في الماضي فلا يتبين أن العقد لم يكن صحيحا ، والواجب في العقد الصحيح المسمى وهو بعض الخارج ولم يوجد فلا شيء ، وقيل : هذا جواب الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله - تعالى - عليه أن يرضي العامل فيما إذا امتنع عن المضي في العقد قبل الزراعة ، ولا يحل له الامتناع شرعا فإنه يشبه التغرير وإنه حرام ، وإن انفسخت بعد الزراعة ، فإن كان الزرع قد أدرك وبلغ الحصاد فالحصاد والخارج بينهما على الشرط ، وإن كان لم يدرك فكذا الجواب في صريح الفسخ ودليله وانقضاء المدة ; لأن الزرع بينهما على الشرط ، والعمل فيما بقي إلى وقت الحصاد [ ص: 185 ] عليهما وعلى المزارع أجر مثل نصف الأرض لصاحب الأرض . حكم المزارعة المنفسخة
( أما ) الزرع بينهما على الشرط فلما مر أن انفساخ العقد يظهر أثره في المستقبل لا في الماضي فبقي الزرع بينهما على ما كان قبل الانفساخ .
( وأما ) العمل فيما بقي إلى وقت الحصاد عليهما ; لأنه عمل في مال مشترك لم يشترط العمل فيه على أحدهما فيكون عليهما وعلى المزارع أجر مثل نصف الأرض لصاحب الأرض لأن العقد قد انفسخ ، وفي القلع ضرر بالمزارع ، وفي الترك بغير أجر ضرر بصاحب الأرض فكان الترك بأجر المثل نظرا من الجانبين بخلاف ما إذا مات صاحب الأرض ، والزرع بقل أن العمل يكون على المزارع خاصة ; لأن هناك انفسخ العقد حقيقة لوجود سبب الفسخ وهو الموت إلا أنا بقيناه تقديرا دفعا للضرر عن المزارع ; لأنه لو انفسخ لثبت لصاحب الأرض حق القلع وفيه ضرر بالمزارع فجعل هذا عذرا في بقاء العقد تقديرا ، فإذا بقي العقد كان العمل على المزارع خاصة كما كان قبل الموت ، وهذا لا يتضح فإن اتفق أحدهما من غير إذن صاحبه ومن غير أمر القاضي فهو متطوع .
ولو أراد صاحب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك ; لأن فيه ضررا بالمزارع .
ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا فصاحب الأرض بين خيارات ثلاث : إن شاء قلع الزرع فيكون بينهما ، وإن شاء أعطى المزارع قيمة نصيبه من الزرع ، وإن شاء أنفق هو على الزرع من ماله ثم يرجع على المزارع بحصته ; لأن فيه رعاية الجانبين .
( وأما ) في موت أحد المتعاقدين أما إذا تترك الأرض في يدي المزارع إلى وقت الحصاد ، ويقسم على الشرط المذكور ; لأن في الترك إلى وقت الحصاد نظرا من الجانبين ، وفي القلع إضرارا بأحدهما وهو المزارع ، ويكون العمل على المزارع خاصة لبقاء العقد تقديرا في هذه السنة في هذا الزرع ، وإن مات المزارع والزرع بقل فقال ورثته : نحن نعمل على شرط المزارعة وأبى ذلك صاحب الأرض فالأمر إلى ورثة المزارع ; لأن في القلع ضررا بالورثة ولا ضرر بصاحب الأرض في الترك إلى وقت الإدراك ، وإذا ترك لا أجر للورثة فيما يعملون ; لأنهم يعملون على حكم عقد أبيهم تقديرا فكأنه يعمل أبوهم ، وإن أراد الورثة قلع الزرع لم يجبروا على العمل ; لأن العقد ينفسخ حقيقة إلا أنا بقيناه باختيارهم نظرا لهم ، فإن امتنعوا عن العمل بقي الزرع مشتركا ، فإما أن يقسم بينهم بالحصص أو يعطيهم صاحب الأرض قدر حصتهم من الزرع البقل أو ينفق من مال نفسه إلى وقت الحصاد ثم يرجع عليهم بحصتهم ; لأن فيه رعاية الجانبين والله - تعالى - أعلم . مات رب الأرض بعد ما دفع الأرض مزارعة ثلاث سنين ونبت الزرع وصار بقلا