( فصل ) :
فأنواع : ( منها ) : أن تكون صالحة للزراعة حتى لو كانت سبخة أو نزة لا يجوز العقد ; لأن المزارعة عقد استئجار لكن ببعض الخارج ، والأرض السبخة والنزة لا تجوز إجارتها ، فلا تجوز مزارعتها ( فأما ) إذا كانت صالحة للزراعة في المدة لكن لا تمكن زراعتها وقت العقد لعارض من انقطاع الماء وزمان الشتاء ونحوه من العوارض التي هي على شرف الزوال في المدة تجوز مزارعتها ، كما تجوز إجارتها . وأما الذي يرجع إلى المزروع فيه ، وهو الأرض
( ومنها ) أن تكون معلومة ، فإن كانت مجهولة لا تصح المزارعة ; لأنها تؤدي إلى المنازعة .
ولو دفع الأرض مزارعة على أن ما يزرع فيها حنطة فكذا ، وما يزرع فيها شعيرا فكذا يفسد العقد ; لأن المزروع فيه مجهول ; لأن كلمة " من " للتبعيض فيقع على بعض الأرض ، وإنه غير معلوم ، وكذا لو قال : على أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا ; لأن التنصيص على التبعيض تنصيص على التجهيل .
ولو قال : على أن ما زرعت فيها حنطة فكذا ، وما زرعت فيها شعيرا فكذا جاز ; لأنه جعل الأرض كلها ظرفا لزرع الحنطة أو لزرع الشعير ; فانعدم التجهيل .
ولو قال : على أن أزرع فيها بغير كراب فكذا ذكر في الأصل أنه جائز ، وهذا مشكل ; لأن المزروع فيه من الأرض مجهول فأشبه ما إذا قال : ما زرع فيها حنطة فكذا وما زرع فيها شعيرا فكذا ، ومنهم من اشتغل بتصحيح جواب الكتاب ، والفرق بين الفصلين على وجه لم يتضح .
ولو قال : على أنه إن زرع حنطة فكذا ، وإن زرع شعيرا فكذا ، وإن زرع سمسما فكذا ، ولم يذكر منها فهو جائز لانعدام جهالة المزروع فيه ، وجهالة الزرع للحال ليس بضائر ; لأنه فوض الاختيار إليه فأي ذلك اختاره يتعين ذلك العقد باختياره فعلا كما قلنا في الكفارات الثلاث .
ولو زرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا جاز ; لأنه لو زرع الكل حنطة أو الكل شعيرا لجاز ، فإذا زرع البعض حنطة والبعض شعيرا أولى ( ومنها ) : أن تكون الأرض مسلمة إلى العامل مخلاة ، وهو أن يوجد من صاحب الأرض التخلية بين الأرض ، وبين العامل حتى لو شرط العمل على رب الأرض لا تصح المزارعة لانعدام التخلية ، فكذا إذا اشترط فيه عملهما فيمنع التخلية جميعا ; لما قلنا ; ولهذا لو لا تصح المضاربة ; لأنه شرط يمنع وجود ما هو شرط لصحة العقد وهو التخلية كذا هذا ، وعلى هذا شرط رب المال في عقد المضاربة العمل مع المضارب فهو جائز على ما اشترط ; لأن صاحب الأرض صار مستأجرا للعامل ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه ، فصح وشرط العمل على عبده لا يكون شرطا على نفسه ; لأن العبد المأذون له يد نفسه على كسبه لا يد النيابة عن مولاه ، فيصير بمنزلة الأجنبي فلا يمنع تحقيق التخلية ، فلا يمنع الصحة ، ويكون نصيب العبد لمولاه ، وإن كان البذر من العامل لا تصح المزارعة ; لأنه يصير مستأجرا للأرض والبقر والعبد ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه ، وذا [ ص: 179 ] لا يصح ، على ما نذكر ويكون الخارج له ، وعليه أجر مثل الأرض والبقر والعبد ; لأن هذا حكم المزارعة الفاسدة على ما يذكر في موضعه ، وكذا لو كان شرط عمل رب الأرض مع ذلك كان له أيضا أجر مثل عمله ; لأن هذا شرط مفسد للعقد والله أعلم . إذا دفع أرضا وبذرا وبقرا على أن يزرع العامل وعبد رب الأرض وللعامل الثلث ، ولرب الأرض الثلث ولعبده الثلث