( كتاب المزارعة )
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في ، وفي بيان شرعيتها ، وفي بيان ركن المزارعة ، وفي بيان الشرائط المصححة للركن على قول من يجيز المزارعة ، والشرائط المفسدة لها ، وفي بيان حكم المزارعة الصحيحة ، وفي بيان حكم المزارعة الفاسدة ، وفي بيان المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة ، وفي بيان الذي ينفسخ به عقد المزارعة بعد وجودها ، وفي بيان حكم المزارعة المنفسخة . معنى المزارعة لغة وشرعا
( أما ) الأول فالمزارعة في اللغة : مفاعلة من الزرع ، وهو الإنبات ، والإنبات المضاف إلى العبد مباشرة فعل أجرى الله - سبحانه وتعالى - العادة بحصول النبات عقيبه لا بتخليقه وإيجاده ، وفي عرف الشرع : عبارة عن العقد على المزارعة ببعض الخارج بشرائطه الموضوعة له شرعا ، فإن قيل : المزارعة من باب المفاعلة فيقتضي وجود الفعل من اثنين ، كالمقابلة والمضاربة ونحوهما ، وفعل الزرع يوجد من العامل دون غيره بدليل أنه يسمى هو مزارعا دون رب الأرض والبذر ومن لا عمل من جهته ، فكيف يسمى هذا العقد مزارعة ؟ فالجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن المفاعلة جاز أن تستعمل فيما لا يوجد الفعل إلا من واحد ، كالمداواة والمعالجة ، وإن كان الفعل لا يوجد إلا من الطبيب والمعالج ، وقال الله - تعالى عز شأنه - { قاتلهم الله أنى يؤفكون } .
ولا أحد يقصد مقاتلة الله - عز شأنه - فكذلك المزارعة جاز أن تكون كذلك .
والثاني : إن كان أصل الباب ما ذكر فقد وجد الفعل هنا من اثنين ; لأن المزارعة مفاعلة من الزرع ، والزرع هو الإنبات لغة وشرعا ، والإنبات المتصور من العبد هو التسبيب لحصول النبات ، وفعل التسبيب يوجد من كل واحد منهما إلا أن التسبيب من أحدهما بالعمل ومن الآخر بالتمكين من العمل بإعطاء الآلات والأسباب التي لا يحصل العمل بدونها عادة ، فكان كل واحد منهما مزارعا حقيقة ; لوجود فعل الزرع منه بطريق التسبيب إلا أنه اختص العامل بهذا الاسم في العرف ، ومثل هذا جائز ، كاسم الدابة ونحوه على ما عرف في أصول الفقه .