ومنها عندنا بأن اختلاف الدارين . خرج أحد الزوجين إلى دار الإسلام مسلما أو ذميا ، وترك الآخر كافرا في دار الحرب
ولو خرج أحدهما مستأمنا ، وبقي الآخر كافرا في دار الحرب لا تقع الفرقة بالإجماع .
وقال : لا تقع الفرقة باختلاف الدارين ، وهذا بناء على أصل ، وهو أن اختلاف الدارين علة لثبوت الفرقة عندنا ، وعنده ليس بعلة ، وإنما العلة هي السبي ، واحتج بما روي { الشافعي زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت من مكة إلى المدينة ، وخلفت زوجها كافرا أبا العاص بمكة ، فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول } . أن
ولو ثبتت الفرقة باختلاف الدارين لما رد بل جدد النكاح ; ولأن تأثير اختلاف الدارين في انقطاع الولاية ، وانقطاع الولاية لا يوجب انقطاع النكاح ، فإن النكاح يبقى بين أهل العدل والبغي ، والولاية منقطعة .
( ولنا ) أن عند اختلاف الدارين يخرج الملك من أن يكون منتفعا به لعدم التمكن من الانتفاع عادة ، فلم يكن في بقائه فائدة ، فيزول كالمسلم إذا ارتد عن الإسلام ، ولحق بدار الحرب أنه يزول ملكه عن أمواله ، وتعتق أمهات أولاده ومدبروه لما قلنا كذا هذا بخلاف [ ص: 339 ] أهل البغي مع أهل العدل ; لأن أهل البغي من أهل الإسلام ; ولأنهم مسلمون ، فيخالطون أهل العدل ، فكان إمكان الانتفاع ثابتا ، فيبقى النكاح ، وههنا بخلافه .
وأما الحديث ، فقد روي أنه ردها عليه بنكاح جديد ، فتعارضت الروايتان ، فسقط الاحتجاج به مع ما أن العمل بهذه الرواية أولى ; لأنها تثبت أمرا لم يكن ، فكان راوي الرد بالنكاح الأول استصحب الحال ، فظن أنه ردها عليه بذلك النكاح الذي كان ، وراوي النكاح الجديد اعتمد حقيقة الحال ، وصار كاحتمال الجرح ، والتعديل ، ثم إن كان الزوج هو الذي خرج ; فلا عدة على المرأة بلا خلاف لما ذكرنا أنه حربي ، وإن كانت المرأة هي التي خرجت ; فلا عدة عليها في قول خلافا لهما ، وكذلك إذا خرج أحدهما ذميا ; وقعت الفرقة ; لأنه صار من أهل دار الإسلام ، فصار كما لو خرج مسلما بخلاف ما إذا خرج أحدهما بأمان ; لأن الحربي المستأمن من أهل دار الحرب ، وإنما دخل دار الإسلام على سبيل العارية لقضاء بعض حاجاته لا للتوطن ، فلا يبطل حكم دار الحرب في حقه كالمسلم إذا دخل دار الحرب بأمان ; لأنه لا يصير بالدخول من أهل دار الحرب لما قلنا كذا هذا . أبي حنيفة
، فالنكاح على حاله لانعدام اختلاف الدارين عندنا ، وانعدام السبي عنده ، وعلى هذا يخرج ما ولو أسلما معا في دار الحرب أو صارا ذميين معا أو خرجا مستأمنين أنه تقع الفرقة بالإجماع لكن على اختلاف الأصلين عندنا باختلاف الدارين ، وعنده بالسبي ، وعندنا لا تثبت الفرقة قبل الإحراز بدار الإسلام . إذا سبي أحدهما ، وأحرز بدار الإسلام
ولو سبيا معا لا تقع الفرقة عندنا لعدم اختلاف الدارين ، وعنده تقع لوجود السبي ، واحتج بقوله تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } حرم المحصنات ، وهن ذوات الأزواج إذ هو معطوف على قوله عز وجل { حرمت عليكم أمهاتكم } ، واستثنى المملوكات ، والاستثناء من الحظر إباحة ، ولم يفصل بين ما إذا سبيت وحدها أو مع زوجها ; ولأن السبي سبب لثبوت ملك المتعة للسابي ; لأنه استيلاء ، ورد على محل غير معصوم ، وأنه سبب لثبوت الملك في الرقبة ; ولهذا يثبت الملك في المسبية بالإجماع ، وملك الرقبة يوجب ملك المتعة ، ومتى ثبت ملك المتعة للسابي ; يزول ملك الزوج ضرورة بخلاف ما أنه لا يثبت للمشتري ملك المتعة ، وإن ثبت له ملك الرقبة بالشراء ; لأن ملك الزوج في الأمة ملك معصوم ، وإثبات اليد على محل معصوم لا يكون سببا لثبوت الملك . إذا اشترى أمة هي منكوحة الغير
( ولنا ) أن ملك النكاح للزوج كان ثابتا بدليله مطلقا ، وملك النكاح لا يجوز أن يزول إلا بإزالته أو لعدم فائدة البقاء إما لفوات المحل حقيقة بالهلاك أو تقديرا لخروجه من أن يكون منتفعا به في حق المالك ، وإما لفوات حاجة المالك بالموت ; لأن الحكم بالزوال حينئذ يكون تناقضا ، والشرع منزه عن التناقض ، ولم توجد الإزالة من الزوج ، والمحل صالح ، والمالك صالح حي محتاج إلى الملك ، وإمكان الاستمتاع ثابت ظاهرا ، وغالبا إذا سبيا معا ، ولا يكون نادرا .
وكذا إذا سبي أحدهما ، والمسبي في دار الحرب ; لأن احتمال الاسترداد من الكفرة أو استنقاذ الأسراء من الغزاة ليس بنادر ، وإن لم يكن غالبا بخلاف ما إذا سبي أحدهما ، وأخرج إلى دار الإسلام ; لأن هناك لا فائدة في بقاء الملك لعدم التمكن من إقامة المصالح بالملك ظاهرا وغالبا لاختلاف الدارين .
وأما قوله السبي ورد على محل غير معصوم ، فنعم لكن الاستيلاء الوارد على محل غير معصوم إنما يكون سببا لثبوت الملك إذا لم يكن مملوكا لغيره ، وملك الزوج ههنا قائم لما بينا ، فلم يكن السبي سببا لثبوت الملك للسابي ، فلا يوجب زوال ملك الزوج ، والآية محمولة على ما إذا سبيت ، وحدها لما ذكرنا من الدلائل .