[ ص: 163 ] المسألة الثانية
اتفقوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=20762التسمية آية من القرآن في سورة النمل ، وإنما اختلفوا
nindex.php?page=treesubj&link=20762في كونها آية من القرآن في أول كل سورة ، فنقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في ذلك قولان .
لكن من الأصحاب من حمل القولين على أنها من القرآن في أول كل سورة كتبت مع القرآن بخط القرآن أم لا
[1] .
ومنهم من حمل القولين على أنها هل هي آية برأسها في أول كل سورة ، أو هي مع أول آية من كل سورة آية وهو الأصح .
وذهب
القاضي أبو بكر وجماعة من الأصوليين إلى أنها ليست آية من القرآن في غير سورة النمل .
وقضى بتخطئة من قال بأنها آية من القرآن في غير سورة النمل ، لكن من غير تكفير له لعدم ورود النص القاطع بإنكار ذلك .
والحجة لمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من ثلاثة أوجه :
الأول : أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أول كل سورة .
ولذلك نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355110كان رسول الله لا يعرف ختم سورة ، وابتداء أخرى حتى ينزل عليه جبريل ببسم الله الرحمن الرحيم " ، وذلك يدل على أنها من القرآن حيث أنزلت .
الثاني : أنها كانت تكتب بخط القرآن في أول كل سورة بأمر رسول الله ، وأنه لم ينكر أحد من الصحابة على من كتبها بخط القرآن في أول كل سورة مع تخشنهم في الدين وتحرزهم في صيانة القرآن عما ليس منه ، حتى إنهم أنكروا على من أثبت أوائل السور والتعشير والنقط .
وذلك كله يغلب على الظن أنها حيث كتبت مع القرآن بخط القرآن أنها منه .
الثالث : ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : " سرق الشيطان من الناس آية من القرآن لما أن ترك بعضهم قراءة التسمية في أول السورة " ، ولم ينكر عليه منكر ، فدل على كونها من القرآن في أول كل سورة .
[ ص: 164 ] فإن قيل : لو كانت التسمية آية من القرآن في أول كل سورة ، لم يخل إما أن يشترط القطع في إثباتها أو لا يشترط .
فإن كان الأول فما ذكرتموه من الوجوه الدالة غير قطعية بل ظنية ، فلا تصلح للإثبات .
وأيضا فإنه كان يجب على النبي عليه السلام أن يبين كونها من القرآن حيث كتبت معه بيانا شافيا شائعا قاطعا للشك ، كما فعل في سائر الآيات وإن كان الثاني ، فليثبت
nindex.php?page=treesubj&link=20757التتابع في صوم اليمين بما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في مصحفه .
قلنا : الاختلاف فيما نحن فيه لم يقع في
nindex.php?page=treesubj&link=20762إثبات كون التسمية من القرآن في الجملة حتى يشترط القطع في طريق إثباتها ، وإنما وقع في وضعها آية في أوائل السور والقطع غير مشترط فيه .
ولهذا وقع الخلاف في ذلك من غير تكفير من أحد الخصمين للآخر ، كما وقع الخلاف في عدد الآيات ومقاديرها
[2] .
قولهم كان يجب على النبي عليه السلام بيان ذلك بيانا قاطعا للشك .
قلنا : ولو لم تكن من القرآن لبين ذلك أيضا بيانا قاطعا للشك ، كما فعل ذلك في التعوذ ، بل أولى من حيث إن التسمية مكتوبة بخط القرآن في أول كل سورة ومنزلة على النبي عليه السلام مع أول كل سورة كما سبق بيانه ، وذلك مما يوهم أنها من القرآن مع علم النبي عليه السلام بذلك وقدرته على البيان بخلاف التعوذ .
فإن قيل : كل ما هو من القرآن فهو منحصر يمكن بيانه ، بخلاف ما ليس من القرآن ، فإنه غير منحصر ، فلا يمكن بيانه أنه ليس من القرآن ، فلهذا قيل بوجوب بيان ما هو من القرآن دون ما ليس من القرآن .
[ ص: 165 ] قلنا : نحن لم نوجب بيان كل ما ليس من القرآن أنه ليس من القرآن ، بل إنما أوجبنا بيان ما يسبق إلى الأفهام أنه من القرآن بتقدير أن لا يكون منه كما في التسمية .
ولا يخفى أنه منحصر ، بل هو أقل من بيان ما هو من القرآن .
وعلى هذا فلا يلزم
[3] من وضع
[4] nindex.php?page=treesubj&link=20762كون التسمية آية مع أول كل سورة بالاجتهاد والظن .
وقد ثبت كونها آية من القرآن في سورة النمل قطعا أن يقال
[5] مثله في ثبوت قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في التتابع مع أنها لم يثبت كونها من القرآن قطعا ولا ظنا .
[ ص: 163 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20762التَّسْمِيَةَ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=20762فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ ، فَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ .
لَكِنَّ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ كُتِبَتْ مَعَ الْقُرْآنِ بِخَطِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا
[1] .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ آيَةٌ بِرَأْسِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ ، أَوْ هِيَ مَعَ أَوَّلِ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ آيَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَذَهَبَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ .
وَقَضَى بِتَخْطِئَةِ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ ، لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ الْقَاطِعِ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ .
وَالْحُجَّةُ لِمَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهَا أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ .
وَلِذَلِكَ نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355110كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَعْرِفُ خَتْمَ سُورَةٍ ، وَابْتِدَاءَ أُخْرَى حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ حَيْثُ أُنْزِلَتْ .
الثَّانِي : أَنَّهَا كَانَتْ تُكْتَبُ بِخَطِّ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَنْ كَتَبَهَا بِخَطِّ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مَعَ تَخَشُّنِهِمْ فِي الدِّينِ وَتَحَرُّزِهِمْ فِي صِيَانَةِ الْقُرْآنِ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ ، حَتَّى إِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ أَثْبَتَ أَوَائِلَ السُّوَرِ وَالتَّعْشِيرَ وَالنَّقْطَ .
وَذَلِكَ كُلُّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا حَيْثُ كُتِبَتْ مَعَ الْقُرْآنِ بِخَطِّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا مِنْهُ .
الثَّالِثُ : مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " سَرَقَ الشَّيْطَانُ مِنَ النَّاسِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمَّا أَنْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ " ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ ، فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ .
[ ص: 164 ] فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ ، لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَطْعُ فِي إِثْبَاتِهَا أَوْ لَا يُشْتَرَطَ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ بَلْ ظَنِّيَّةٌ ، فَلَا تَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَهَا مِنَ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ مَعَهُ بَيَانًا شَافِيًا شَائِعًا قَاطِعًا لِلشَّكِّ ، كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي ، فَلْيُثْبِتِ
nindex.php?page=treesubj&link=20757التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْيَمِينِ بِمَا نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مُصْحَفِهِ .
قُلْنَا : الِاخْتِلَافُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَقَعْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20762إِثْبَاتِ كَوْنِ التَّسْمِيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَطْعُ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِهَا ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي وَضْعِهَا آيَةً فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالْقَطْعُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ فِيهِ .
وَلِهَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِلْآخَرِ ، كَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي عَدَدِ الْآيَاتِ وَمَقَادِيرِهَا
[2] .
قَوْلُهُمْ كَانَ يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَانُ ذَلِكَ بَيَانًا قَاطِعًا لِلشَّكِّ .
قُلْنَا : وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْقُرْآنِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا بَيَانًا قَاطِعًا لِلشَّكِّ ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي التَّعَوُّذِ ، بَلْ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّسْمِيَةَ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَمُنَزَّلَةٌ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُوهِمُ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ بِخِلَافِ التَّعَوُّذِ .
فَإِنْ قِيلَ : كُلُّ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُنْحَصِرٌ يُمْكِنُ بَيَانُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ ، فَلَا يُمْكِنُ بَيَانُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَلِهَذَا قِيلَ بِوُجُوبِ بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ دُونَ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ .
[ ص: 165 ] قُلْنَا : نَحْنُ لَمْ نُوجِبْ بَيَانَ كُلِّ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ ، بَلْ إِنَّمَا أَوْجَبْنَا بَيَانَ مَا يَسْبِقُ إِلَى الْأَفْهَامِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُنْحَصِرٌ ، بَلْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ .
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ
[3] مِنْ وَضْعِ
[4] nindex.php?page=treesubj&link=20762كَوْنِ التَّسْمِيَةِ آيَةً مَعَ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ بِالِاجْتِهَادِ وَالظَّنِّ .
وَقَدْ ثَبَتَ كَوْنُهَا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ قَطْعًا أَنْ يُقَالَ
[5] مِثْلُهُ فِي ثُبُوتِ قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّتَابُعِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا مِنَ الْقُرْآنِ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا .