السؤال
أنا شاب فلسطيني من مدينة أم الفحم قضاء نابلس وحاليا قضاء حيفا ، والدي إمام مسجد في بلدتنا وقد مر بعملية استئصال معدة بعد إصابته بالسرطان عافنا الله وعافاكم منه ، وقد أدى ذلك إلى انقطاعه عن المسجد في صلوات اليوم والليلة إلا الظهر ، وكان أبي قد أوكل أمر الإمامة إلى شاب يعد من المقرئين المتمكنين جدا لكن هذا الشاب صار يأتي في أوقات متباعدة فقط وقد أوكل الأمر بدوره إلى شاب آخر يأتي في صلوات المغرب والعشاء ولكن بشكل متقطع وغير منتظم ، وفي خضم هذه الأحداث المتعاقبة شاء الله أن أتزوج في بيت هو الأقرب إلى المسجد مما جعلني ألتزم بشكل دائم في جميع الصلوات إلا في الحالات الاضطرارية منها وهي نادرة ، وقد تكلمت إلى والدي في أمر الإمامة في المسجد فصار الحديث إلى أنني أستطيع استلام الإمامة بشكل ثابت في كل الأوقات الخمس إلا الظهر لوجود الإمام ، وبرغم ذلك بقيت لا أتقدم إلا عندما يغيب أحد الشابين اللذين تحدثت عنهما وسؤالي هو .
هل أستطيع أن أستلم الإمامة بشكل ثابت حتى وإن كره بعض المصلين ذلك فلا أكون أحد ثلاثة رجل تقدم والناس له كارهون مع العلم أن البعض طلب مني أن ألتزم الحضور في المسجد ؟
2 هل يمكنني التجاوز شرعا عن الشاب المقرئ الذي تحدثت عنه إن حضر في وقت من الأوقات المتباعدة التي يكون فيها موجودا برغم رغبة المصلين في تقدمه لما يحظى به من صوت وتمكن ولو أنه يداوم على الحضور لما حاولت التقدم أساسا ولكن غيابه المستمر أدى إلى تقدم من يتلعثم ويخطئ في التلاوة في بعض الأوقات .
أخيرا ، عن نفسي أقول إنني متمكن في القراءة ومخارج الحروف إلا أنني غير متقن للأحكام كلها وقد شرعت في تعلم ما ينقصني منها وهذا لا يعني أنني لا أجيد الأكثرية منها والحمد لله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإمامة المسجد الراتبة تُستَحقُّ بالتعيين من طرف واقف المسجد أو ناظره أو السلطان أو نائبه أو جماعة المسلمين، ففي فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش المالكي مجيبا على السؤال التالي: ما قولكم في إمام راتب في مسجد انتقل بمحل آخر وترك المسجد لولده صغيرا فأم فيه ابن عمه مدة ثم توفي عن أخ فتنازع مع ابن الإمام الأول فأراد ابن الأول منع أخي الثاني من الإمامة في المسجد فهل له ذلك؟ أم كيف الحال أفيدوا الجواب. فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله: الترتب لإمامة المسجد لا يستحق بالوراثة من أب أو أخ ولا بالتقديم من الراتب؛ إنما يستحقه من رتبه الواقف أو الناظر أو السلطان أو نائبه أو جماعة المسلمين، وحينئذ فلا كلام لهذين المتنازعين، والواقف يقدم من شاء منهما أو من غيرهما، فإن لم يوجد فالناظر، فإن لم يوجد فالسلطان، فإن لم يوجد فنائبه، فإن لم يوجد فجماعة المسلمين. قال العلامة الأجهوري رحمه الله تعالى: الراتب من نصبه من له ولاية ذلك من واقف أو سلطان أو نائبه على وجه يجوز أو يكره؛ لأن الواقف إذا شرط المكروه مضى وكذا السلطان أو نائبه لأن كلا إذا أمر بمكروه تجب طاعته على أحد القولين، والإذن يتضمن الأمر ا هـ. وتبعه عبد الباقي والشبرخيتي زاد وقال في الحاشية: هو الذي أقامه السلطان أو اتفق عليه أهل المحلة وسواء كان راتبا في جميع الأوقات أو بعضها. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: الإمام الراتب - وهو الذي رتبه السلطان، أو نائبه، أو الواقف، أو جماعة من المسلمين - يقدم في إمامة الصلاة على غيره من الحاضرين وإن اختص غيره بفضيلة كأن يكون أعلم منه أو أقرأ منه، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتى أرضا له وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم، فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال: صاحب المسجد أحق. أما إن كان معه الإمام الأعظم أو نائبه أو القاضي أو أمثالهم من ذوي السلطان والولاية، فيقدمون على الإمام الراتب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه. ولأن { النبي صلى الله عليه وسلم: أم عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما }. ولأن تقدم غير صاحب السلطان بحضرته بدون إذنه لا يليق ببذل الطاعة. وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، إلا أن الشافعية يرون أن محل تقديم الوالي على الإمام الراتب إذا لم يكن الإمام مرتبا من السلطان أو نائبه، أما إذا كان الإمام ممن رتبه السلطان أو نائبه فإنه مقدم على والي البلد وقاضيه. انتهى
وعليه فإنك لا تكون إماما راتبا شرعا باستخلاف والدك لك بعد عجزه، وإنما تستحقها بإحدى الأمور السابقة.
كما أن الرجلين الذين ذكرتهما لا يعتبران إمامين راتبين. وإذا لم يوجد واقف للمسجد ولا ناظر له ولا سلطان ولا نائبه ورتبتك جماعة المسجد أو أكثرهم فتكون بذلك إماما راتبا إذا كنت متصفا بشروط الإمامة، ولم تتصف بما يقدح فيها ولوكره البعض إمامتك في هذه الحالة. وراجع الفتوى رقم: 9642، والفتوى رقم: 26508.
والإمام الراتب لا يجب عليه تقديم غيره ولو كان أجود منه قراءة أو أكثر علما. فإمامة المفضول صحيحة مع وجود الفاضل. وراجع الفتوى رقم: 26331، والفتوى رقم 59535.
واحرص على إتقان أحكام التجويد كلها، وإذا كنت متمكنا من أحكام القراءة ومخارج الحروف كما ذكرت فإمامتك صحيحة. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 26582.
والله أعلم.