السؤال
أمي، وأبي يتعاملان معي بعفوية، فمثلا: عندما أكون جالسا في غرفتي يدخلان دون طرق الباب، أو الاستئذان، فأقول لهما أقرعا الباب، أو استئذنا، لكن لا حياة لمن تنادي، وعندما أكون ممسكا بهاتفي ألاحظ أنهما ينظران معي فيه، فأقول لهما لا تنظرا معي، فيقولان لي لم؟ فأقول لهما لا أريدكما أن تنظرا معي، فيقولان لمَ؟ ألأنك تفعل شيئا خطأ، ولا تريدنا أن نراه؟ فأقول لا، ويبدأ الجدال، وأنا دائما أحاول أن لا أدخل في جدال معهما -قدر الإمكان- لأنني سمعت أنه عقوق، فهل قولي لهما بأن يلتزما حدود خصوصيتي من العقوق؟
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين الرفق بالوالدين، والأدب معهما في الحوار، وتفهيمهما بأسلوب لبق، وقول لين لطيف، واعلم أن الأصل هو فرضية استئذان الداخل، ولو أراد الدخول على ابنه، لعموم قول الله -سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا {النور: 27}.
وقد أخرج البخاري بسنده في الأدب المفرد، في باب: يستأذن الرجل على أخيه، عن عبد الله بن عمر قال: يستأذن الرجل على أبيه، وأمه، وأخيه، وأخته.
وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الله بن عمر بلفظ: يستأذن الرجل على أبيه، وأمه، وعلى ابنه، وعلى أخته.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: يُشْرَع الِاسْتِئْذَان عَلَى كُلّ أَحَد، حَتَّى الْمَحَارِم؛ لِئَلَّا تَكُون مُنْكَشِفَة الْعَوْرَة.. انتهى.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أن الأظهر الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه، وأخته، وبنيه، وبناته البالغين؛ لأنه إن دخل على من ذكر بغير استئذان، فقد تقع عينه على عورات من ذكر، وذلك لا يحل له. انتهى.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز دخول بيت الغير إلا بإذن. اهـ.
وقال الشربيني: وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ بَيْتِ شَخْصٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، مَالِكًا كَانَ، أَوْ مُسْتَأْجِرًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ قَرِيبًا غَيْرَ مَحْرَمٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَ صَاحِبِهِ فِيهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِئْذَانُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُشْعِرَهُ بِدُخُولِهِ بِتَنَحْنُحٍ، أَوْ شِدَّةُ وَطْءٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِيَسْتَتِرَ الْعُرْيَانُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا، فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِإِذْنٍ. اهـ
ولكن الأولى بأفراد العائلة أن يترك بعضهم لأهله وقتا مفتوحا يأذن لهم بالدخول فيه عليه، إذنا عرفيا، وإذا كانت عنده أوقات يحتاج فيها للإذن أغلق الباب، أو وضع ستارا، ليفيدهم بضرورة الاستئذان، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: إذنك علي أن يرفع الحجاب، وأن تستمع سوادي، حتى أنهاك. رواه مسلم.
قال القرطبي -رحمه الله- في المفهم: وسببه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل لعبد الله إذنا خاصا به، وهو أنه إذا جاء بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد الستر قد رفع، دخل من غير إذن بالقول... اهـ.
وقال النووي: وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الإذن في الدخول، فإذا جعل الأمير، والقاضي، ونحوهما، وغيرهما، رفع الستر الذي على بابه علامة في الإذن في الدخول عليه للناس عامة، أو لطائفة خاصة، أو لشخص، أو جعل علامة غير ذلك، جاز اعتمادها، والدخول إذا وجدت بغير استئذان، وكذا إذا جعل الرجل ذلك علامة بينه، وبين خدمه، ومماليكه، وكبار أولاده، وأهله، فمتى أرخى حجابه، فلا دخول عليه إلاباستئذان، فإذا رفعه، جاز بلا استئذان. اهـ.
ولا يجوز التجسس على الولد، والاطلاع على خصوصيته، وأسراره، إلا إذا كانت هناك ريبة، وراجع التفصيل في الفتوى: 212821.
والله أعلم.