السؤال
أرجو توضيح الأمر التالي من الناحية الشرعية:
شخص مسلم من غزة، هاجروا إلى أستراليا، ثم عاد ليتزوج، فتزوج من فتاة من غزة، ثم عاد مع زوجته إلى أستراليا، وبعد عدة أعوام اعتبرت زوجها شرقيًّا؛ لتمسكه ببعض الأمور الدينية التي منها أن الرجل قوام على المرأة، ويرفض أن تتصرف زوجته مثل الأجانب، فاعتبرت أنه متخلف، مع أنه يحمل شهادة الدكتوراه، واعتبرت ما يقوم به إهانة لها، وهي تريد الطلاق، والاحتفاظ بالأولاد، مع أن الصغير عمره أكثر من ثماني سنوات، وعندما رفض لأنه لا يريد ترك الأولاد؛ إذا بها تعيش في غرفة، وهو في غرفة أخرى منذ سنتين، وتتصرف بحرية كاملة كالأجانب.
أريد رأي الشرع أولًا، وهل لا زالت على ذمته بعد أن أصبحت تتصرف دون الرجوع إليه؟ وإذا طلقها فما حكم الشرع بخصوص ابنهم الذي عمره ثماني سنوات؟ وهي تقول: إنها راشدة، وتريد أن تبقى في أستراليا، علمًا أن أخاها يقول: هي حرة، ولكن أخاها لا يريد أن يبلغ أمَّه، ولا يريد لأهل الزوج أن يبلغوا أمها، فهل الشرع يوافق على عدم تبليغ أمِّها؟ آمل أن أكون أوضحت المراد، علمًا أني سأرسل إجابتكم إلى أخي الزوجة، وإلى الزوج، فأرجو الإجابة بوضوح، وهل المسجد في أستراليا من الممكن أن يتصرف حسب الشرع؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه المرأة تعتبر في عصمة زوجها، فالأصل بقاء العصمة الزوجية؛ حتى يثبت ما يقتضي زوالها بالطلاق، ونحوه.
ونشوز الزوجة كونها تتصرف بحرية دون الرجوع لزوجها، لا يخرجها عن عصمته.
وإذا طلقها؛ فالأصل أن حضانة الولد لأمّه؛ لما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي.
فهي أحق به ما لم تتزوج، أو يَقُم بها مانع يسقط حضانتها له، فتنتقل الحضانة إلى من هي أولى به بعدها، كأمّ الأمّ، ولتراجع الفتوى: 9779، 6256.
وننبه إلى أنه إذا حدث شيء من الخصام، فالمرجع المحكمة الشرعية، أو ما يقوم مقامها، كالمراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية.
ويجب على المؤمن والمؤمنة التحاكم إلى الشرع في أمره، فقد قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.
ويجب في الوقت ذاته الحذر من الانخداع بشعارات الحرية المرفوعة والمناقضة للمفهوم الشرعي.
ولمزيد الفائدة بهذا الخصوص، نرجو مطالعة الفتوى: 138233، والفتوى: 18119.
فليس هنالك حرية مطلقة -لا للرجال، ولا للنساء-، بل الأمر في ذلك مقيد بالشرع، فاعتبارها نفسها حرة تتصرف كما تريد، وكذا اعتبار أخيها لها كذلك، خطأ جسيم، وأمر منكر.
وقد جعل الشرع القوامة للزوج على زوجته، ومقتضى هذه القوامة أن تطيعه في المعروف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. اهـ.
وينبغي للزوجين أن يحرصا على حفظ كيان الأسرة، واستقرارها، وأن يقوم كل منهما بأداء حق الآخر عليه؛ فإن الفراق قد تترتب عليه آثار سيئة، وخاصة على الأولاد، ونرجو مراجعة الفتوى: 27662، ففيها بيان الحقوق بين الزوجين.
ولا يلزم تبليغ أمّها، ولكن من سبل الإصلاح تحكيم العقلاء من أهل الزوج وأهل الزوجة، عسى الله -عز وجل- أن يسوق الخير على أيديهم، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
والله أعلم.