الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسيكون كلامنا معك فيما أثرت من مواضيع مهمة في النقاط التالية:
النقطة الأولى: ينبغي أن تعلمي أن كون الإنسان مسلما يعني الاستسلام لله تعالى في أحكامه والانقياد له بالطاعة. قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {النــور:51}.
وينبغي أن يكون غاية المسلم كسب رضا الله تعالى للفوز بجنته. والحياة مهما طالت فهي قصيرة، وسيلقى المسلم ربه ويحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه.
النقطة الثانية: أن الله تعالى قد جعل للرجل المسؤولية على من هم تحت ولايته. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. {التحريم:6}.
وثبت في الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته.
وهذه المسؤولية إنما هي في حدود ما تتحقق به المصلحة لمن تحت ولايته، فيعمل مثلا على ما يصون ابنته ويحفظ عرضها. ولكن لا يجوز له أن يتعسف فيستعمل هذه الولاية فيما يضرها أو بمنعها مما تستحقه وهكذا، فإن عضلها عن الزواج مثلا كان لها أن تسعى فيما يزيل عنها الضرر فترفع أمرها إلى القاضي الشرعي.
النقطة الثالثة: أنه لا يحكم بوجود حرية في الإسلام على الإطلاق، ولا بعدم وجودها على الإطلاق، وذلك لأن الإسلام منهج وسط ومعتدل بين الإفراط والتفريط، فقد جاء الإسلام والأنثى مثلا في الجاهلية مسلوبة الإرادة، ممنوعة من التصرف، مهضومة الحق في التصرف وامتلاك المال، وأمثلة ذلك كثيرة مضمنة في كتب التفسير والفقه والحديث، ولكنه قيد ذلك على وجه يحفظ لها كرامتها، ويمنع من استغلالها، لضعفها وغلبة العاطفة عليها، كما هو الحال في اشتراط الولي في النكاح ونحو ذلك. فهو إذا جعل للولي سلطانا عليها فإنما ذلك من أجل الحفاظ على مصلحتها.
ومن هنا فيمكن القول بأن الحرية في الإسلام مقيدة بموافقة الشرع، حتى لا تختلط ولا تضطرب الأمور، وحتى لا يفسد نظام الكون. وإذا أطلق أمر الحرية بلا قيود لفسد أمر الكون، فالسفيه يتصرف في ماله بما يضره فيرى أن لا يحجر عليه بدعوى الحرية. ويمكن للسارق أن يعتدي على حقوق الآخرين فيضر بالمجتمع بدعوى الحرية...الخ. وهذا مما يأباه الطبع السليم والفطرة المستقيمة.
النقطة الرابعة: من حق المرأة أن تخرج من بيتها للحاجة من تعليم وعمل ملائم لفطرتها وخلقتها، ونزهة وترويح، وزيارة ونحو ذلك بعيدة عن الاختلاط بالرجال ملتزمة بالحجاب.
النقطة الخامسة: أن الحجاب فريضة شرعية، قد أوجبه الله تعالى على المرأة المسلمة كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. {الأحزاب 59}.
فلو ترك الأمر للمرأة أن تخرج متبرجة كما تشاء وبدعوى الحرية لأفسدت نفسها وأضرت بمجتمعها، والواقع خير شاهد على ذلك. فمن الظلم ومن مجانبة الحكمة السماح للمرأة بالخروج كما تشاء بدعوى الحرية.
النقطة السادسة: أنك لا تؤجرين على التزام الحجاب إذا كنت كارهه له، وإنما تفعلين ذلك مجبرة من قبل والديك وأولى لك التزام الحجاب طاعة لله عز وجل أولا وبرا بوالديك ثانيا. فتنالين بذلك الخير كله.
النقطة السابعة: أما تفسير قول تعالى: لا إكراه في الدين. فليس ما نحن فيه من هذا الباب، وإنما الآية في الدخول في الإسلام ابتداء، أما من كان مسلما أو اعتنق الإسلام فيجب عليه التزام أحكامه وشعائره. والحجاب مما اتفق المسلمون وأجمعوا على وجوبه على المرأة.
والخلاصة هي أن الشرع قد جعل لك الحرية، ولكن هذه الحرية مقيدة بما يوافق الشرع، وأن وليك مسؤول عنك بلا شك، وسيحاسب أمام الله تعالى إن فرط في هذه المسؤولية.
والله أعلم.