السؤال
أسألكم عن وصف حالي خصيصا، الآن أنا طالب أسكن في سكن الجامعة ويبعد مني المسجد قرابة 400 متر، ولا أسمع الأذان الذي هو بمكبر في غرفتي إلا إذا فتحت النافذة، ومن المؤكد حسب ظني أنني لن أسمعه إذا كان يؤذن المؤذن بدون مكبر، فلهذا يجب علي أن أخرج إلى المسجد قبل الإقامة بخمس دقائق كي أصل مع تكبيرة الإحرام، والصلاة قد تمكث حوالي ربع ساعة، في كل صلاة تقريبا يذهب نصف ساعة من الوقت، وكما تعلمون بأن الوقت ثمين لطالب الهندسة يريد الامتياز، فهذا الأمر جعلني أتكاسل عن صلاة الجماعة، وجعل الشيطان يوسوس لي بأن لا أذهب، رغم أني أعلم بأن صلاة الجماعة من أسباب البركة في الوقت إلا أني قد تكاسلت وأصبحت أهمل الدراسة بعض الشيء، فكلما هممت بالدراسة انقطع التسلسل الذي أمشي عليه بوقت صلاة الجماعة، فأقوم بالتأجيل مرة تلو الأخرى؛ مما أشعرني بالتراكم، المشكلة طبعا في سلوكي وشخصيتي التي أحب أن أمارسها هي في أن أدرس بشكل متواصل بفواصل قصيرة، أريد جوابا منكم بعد وصف حالتي لكم، هل يجوز لي أن أصلي في البيت وحدي دون أن أصلي جماعة مع طلبة أخرى؛ لصعوبة توفرها في غالب الأوقات؟ وأذهب نادرا لأداء صلاة الجماعة في المسجد لعظم أجرها خاصة صلاة الفجر؛ لأني أحب المواظبة عليها، وكذلك بالطبع صلاة الجمعة؛ لأن حكمها يختلف تماما كما علمت.
وكنت قد قرأت فتوى بأن وجوب صلاة الجماعة يسقط في حالة الذي لا يسمع الأذان بدون مكبر من مشايخنا الأكابر، ولكني أردت التأكد عن حالتي منكم لكي أكون على بينة من أمري.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال البالغين على الراجح من أقوال أهل العلم، وليس المسجد شرطا في الجماعة عند جمهور الموجبين لها.
وعليه؛ فلو صليت في بيتك مع بعض إخوانك فقد برئت ذمتك من الواجب، وإن فاتك فضل الذهاب إلى المسجد، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 128394، وأما إن لم تجد من تصلي معه في جماعة فلا عذر لك في التخلف عن المسجد إن كنت بحيث تسمع النداء لو فرض أن المؤذن يؤذن من مكان مرتفع من غير مكبر صوت في الأحوال العادية، فإذا كنت بهذه المثابة وجب عليك أن تأتي المسجد لتصلي فيه مع الجماعة، وإلا لم تجب عليك الجماعة وكنت معذورا في التخلف عنها، وإن كان تجشمك مشقة الذهاب إلى المسجد لإقامة هذه الشعيرة العظيمة فيه من الفضل ما لا يخفى.
قال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ: الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في المسجد إذا كنت تسمع النداء في محلك بالصوت المعتاد بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السماع، فإن كنت بعيدا لا تسمع صوت النداء بغير مكبر جاز لك أن تصلي في بيتك أو مع بعض جيرانك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعمى لما استأذنه أن يصلي في بيته: "هل تسمع النداء بالصلاة؟" قال: نعم قال: "فأجب". رواه الإمام مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر، خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، ومتى أجبت المؤذن ولو كنت بعيدا وتجشمت المشقة على قدميك أو في السيارة فهو خير لك وأفضل، والله يكتب لك آثارك ذاهبا إلى المسجد وراجعا منه مع الإخلاص والنية؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل كان بعيدا عن المسجد النبوي وكانت لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء ؟ فقال ـ رضي الله عنه ـ: ما أحب أن يكون بيتي بقرب المسجد، إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد جمع لك ذلك كله. خرجه الإمام مسلم في صحيحه. انتهى.
وليس ذهابك إلى المسجد ورجوعك منه مما يحول بينك وبين التفوق الدراسي، بل هذا من تلبيس الشيطان عليك ليقعدك عن العبادة ويصدك عن الخير، بل طاعة الله والاجتهاد في مراضيه من أعظم أسباب سعادة الدنيا والآخرة، فمما يرجى لك به نيل مطلوبك من التفوق أن تبذل وسعك في طاعة ربك، وتجتهد في مرضاته، ومن أعظم وأجل هذه الطاعات الحرص على صلاة الجماعة، وبخاصة حيث كانت واجبة عليك.
والله أعلم.