السؤال
من أعلى أهل الجنة بعد الأنبياء؟ أهم العلماء أم الصابرون على البلاء؟ وإن كان العلماء خير أهل الجنة بعد الأنبياء, فهل يشترط تعليمهم ما يكتسبون من العلم؟ ولا يشمل الفضل من لا يعرف أحدا ليعلمه ولا يملك سبيلا لنشر علمه؟ وهل طلب العلوم الدنيوية الطبيعية إضاعة للوقت بالنسبة لمن لا يمتهنها ولا ينفع بها المسلمين؟ وإن كانت الفضيلة للصابر على البلاء فما شروط الصبر؟ وما أعذار التفريط فيه؟
أفتوني وفقكم الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خير الناس بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وأعلاهم منزلة في الجنة هو أبو بكر والخلفاء الراشدون وبقية الصحابة رضوان الله عليهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء، وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب فقال تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وفي الحديث: ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر. اهـ، وقال أيضا: الذي عليه سلف الأمة، كالصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين، وجماهير المسلمين أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، وليس بعد الأنبياء أفضل منهما. اهـ.
وقال الكلاباذي: أجمعوا جميعا أن الأنبياء أفضل البشر، وليس في البشر من يوازي الأنبياء في الفضل لا صديق ولا ولي ولا غيرهم، وإن جل قدره وعظم خطره، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ـ رضى الله عنه: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين - يعني أبا بكر وعمر - فأخبر صلى الله عليه وسلم أنهما خير الناس بعد النبيين، قال أبو يزيد البسطامي: آخر نهايات الصديقين أول أحوال الأنبياء، وليس لنهاية الأنبياء غاية تدرك. اهـ.
وأما عن العلماء والصابرين على البلاء فإن العلماء هم أرفع الناس منزلة عند الله تعالى، وذلك لأن الصبر على الطاعة أفضل من الصبر على البلاء، والعلم هو أفضل الطاعات وأحوجها إلى الصبر، وقد قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: أفضل منازل الخلق عند الله منزلة الرسالة والنبوة، فالله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، وكيف لا يكون أفضل الخلق عند الله من جعلهم وسائط بينه وبين عباده في تبليغ رسالاته، وتعريف أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ومراضيه ومساخطه وثوابه وعقابه، وخصهم بوحيه واختصهم بتفضيله، وارتضاهم لرسالته إلى عباده، وجعلهم أزكى العالمين نفوسا، وأشرفهم أخلاقا، وأكملهم علوما وأعمالا، وأحسنهم خلقة، وأعظمهم محبة وقبولا في قلوب الناس، وبرأهم من كل وصم وعيب، وكل خلق دنيء، وجعل أشرف مراتب الناس بعدهم مرتبة خلافتهم ونيابتهم في أممهم، فإنهم يخلفونهم على منهاجهم وطريقهم، من نصيحتهم للأمة وإرشادهم الضال وتعليمهم الجاهل ونصرهم المظلوم وأخذهم على يد الظالم، وأمرهم بالمعروف وفعله، ونهيهم عن المنكر وتركه، والدعوة إلى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين، فهذه حال أتباع المرسلين، وورثه النبيين، قال تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسواء كان المعنى أنا ومن اتبعني على بصيرة وأنا أدعو إلى الله، أو المعنى أدعو إلى الله على بصيرة، والقولان متلازمان، فإنه لا يكون من اتباعه حقا إلا من دعا إلى الله على بصيرة، كما كان متبوعه يفعل، فهؤلاء خلفاء الرسل حقا، وورثتهم دون الناس، وهم أولو العلم الذين قاموا بما جاء به علما وعملا وهداية وإرشادا وصبرا وجهادا، وهؤلاء هم الصديقون، وهم أفضل أتباع الأنبياء، ورأسهم وإمامهم الصديق الأكبر أبو بكر رضى الله عنه، قال الله تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما. اهـ.
وقال أيضاً: الصديقية هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علماً وتصديقاً وقياما، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقاً له كان أتم صديقية. انتهى.
وأما طلب العلوم الدنيوية الطبيعية فلا يعتبر من إضاعة الوقت؛ لأن العلم بها أفضل من الجهل، ولكن ينبغي أن يقدم عليها طلب العلوم الدينية.
والله أعلم.