الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما بخصوص الفتوى التي أشرتم لها؛ فلم ننسب فيها تلك المقولة إلى عمر على وجه الإثبات والتصحيح. وإنما ذكرنا أن الحافظ ابن عبد البر نسبها إليه، ولم نتعرض للحكم على صحتها؛ لأن ذلك غير مسؤول عنه؛ ولأن إثباتها أو عدمه لا ينبني عليه حكم شرعي.
وأما إذْ نبهتِ مشكورة على عدم هذه النسبة، فنقول: هذه العبارة قد وردت في بعض الكتب منسوبة لعمر مع قصة مشهورة في ذلك، ولكن من دون إسناد.
ومن ذلك كتاب «فتح الباب في الكنى والألقاب» لابن منده، حيث قال: كَنَّاه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال: لولا أبو الحسن، لهلك عمر. اهـ.
ومن ذلك أيضا كتاب (الاستيعاب) للحافظ ابن عبد البر، حيث قال: «وقال في المجنونة التي أمر برجمها، وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها- فقال له علي: إن الله تعالى يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) …. وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون … الحديث، فكان عمر يقول: "لولا علي لهلك عمر". اهـ.
فهكذا ذكرها من دون إسناد.
وأما ما أسنده من رواية مؤمل بن إسماعيل؛ فأثر آخر، رواه من طريق أحمد بن زهير: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. اهـ.
قال الشيخ مشهور بن حسن في تحقيق «إعلام الموقعين»: رواه ابن سعد في "الطبقات" (2/ 339)، وعبد الله بن أحمد في "زوائده" على "فضائل الصحابة" (رقم: 1100) من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد عنه به. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مؤمل، وسعيد لم يدرك عمر بن الخطاب. اهـ.
وأما المسند في هذا الأثر، فقد روي في حق معاذ بن جبل، لا علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- فرواه عبد الرزاق، وابن أبى شيبة، وسعيد بن منصور، والدار قطني، والبيهقي، وابن عساكر، وغيرهم من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخ لهم. عن عمر، أنه: رفعت له امرأة قد غاب عنها زوجها سنتين، فجاء وهي حبلى، فهمَّ عمر برجمها، فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين إن يك لك السبيل عليها، فليس لك السبيل على ما في بطنها، فتركها عمر حتى ولدت غلاما قد نبتت ثناياه، فعرف زوجها شبهه به، قال عمر: «عجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر».
وهذا هو الذي قال فيه البيهقي بعد روايته في «السنن الكبرى»: وهذا إن ثبت، ففيه دلالة على أن الحمل يبقى أكثر من سنتين. اهـ.
وقال ابن حزم في «المحلى»: هذا باطل، لأنه عن أبي سفيان -وهو ضعيف- عن أشياخ لهم، وهم مجهولون. اهـ.
وهذه العلة محل بحث، كما يقول بعض المحققين، فإن طلحة بن نافع تابعي، وأشياخه من الصحابة وكبار التابعين، وتعددهم تنجبر به جهالتهم، ولا سيما وهذا أثر عن عمر وليس حديثا مرفوعا.
ولذلك أورده زكريا بن غلام قادر الباكستاني في كتابه «ما صح من آثار الصحابة في الفقه» وقال: جهالة الأشياخ لا تضر؛ لأنهم جماعة تنجبر جهالتهم. اهـ.
ومثل هذا ذكره السخاوي في حديث آخر في «المقاصد الحسنة» حيث قال: سنده لا بأس به، ولا يضره جهالة من لم يسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم. اهـ.
وقال في «فتح المغيث» في قصة امتحان الإمام البخاري بالأسانيد المقلوبة، التي رواها ابن عدي عن عدة من مشايخه. قال: ولا يضر جهالة شيوخ ابن عدي فيها؛ فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم. اهـ.
والمقصود أن هذا الأثر في حق معاذ له إسناد معتبر، وأما في حق عليّ فلا نعلم له إسنادا.
والله أعلم.