السؤال
الله جل في علاه له صفات ثابتة بالقرآن والسنة، ونحن واجب علينا أن نثبتها، والصفات التي لم يأت بها القرآن، ولا السنة لا نثبتها لله، بل وننكرها ونكفر بها، فهل عقيدتي في ذلك صحيحة؛ لأن إبليس يلبس عليّ، ويقول: كيف تكفرين بها ربما كانت صفة لله، ولكنه لم يطلعنا عليها، ولكن بما أننا أمرنا بإنكارها فيعني ذلك أن نكفر بها، فهل من جواب يشفي -بإذن الله-؟ وكيف أحصي صفات الله سبحانه لكي أتخلص من تلبيس هذا اللعين، فهو يأتيني بصفات كثيرة، وينسبها لله، مثل: النية، فهل من صفات الله النية؟ فيستوحش لها قلبي، ويقول: هي بمعنى الإرادة، وأنا لا علم لديّ، فأقف حائرة خائفة، لا أعلم هل هي صفة لله أم لا؟ والكثير الكثير، وبعضها لا أجرؤ على النطق بها، فقلبي في وحشة كبيرة منها؟ والعلماء يقولون: لا سبيل لإحصائها، وهذا اللعين فرح بذلك، فحتى إن درست بعضها فسيقول ما أدراك؟ فأنت لم تعلمي إلا هذه الصفات، وربما تكون هذه الصفة من صفات الله؟ وهل أحاسب إذا قلت: لا، هذه ليست من صفات الله؛ لأنني أعتقده وسواساً؟ وهل أنا آثمة إذا سألت بقصد إزالة اللبس الواقع عليّ؟ فأنا عانيت من جميع أنواع الوساوس، وهذا الأخير أشقاني جدًّا، فقد يطرأ عليّ كلام، ويقول: هل هو كفر؟ وما حكمه؟ فأريد أن أعرض، ولكن أخاف إن أعرضت أن أكفر؛ لأني لا أدري أكان هذا الكلام كفرًا أم لا؟ وإذا دققت وحللت الكلام فبعضه أقول: إنه كفر، والآخر لا أعلم، وأحس والله بوحشة شديدة، وكل ما اقتربت من الله زادت معي هذه الوساوس، ونحن نسأل الله أن يبلغنا رمضان، فإن بلغني ربي شهره المبارك فأريد لهذه الوساوس ألا تأتي، فقد جربت كل السبل.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية: ننبه الأخت السائلة أن ما لم يرد ذكره في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى، لا يجب علينا أن ننكره، ونكفر به، كما قالت، بل الواجب إجمالًا أن نسكت عنه كما سكت عنه الشرع، فلا نثبته، ولا ننفيه، قال السفاريني في شرح عقيدته: صفات الله عز وجل وأسماؤه أمور خبرية غيبية، لا مدخل للعقل في تفصيلها، فوجب الاعتماد فيها على النقل، فما أثبته النقل أثبتناه، وما نفاه نفيناه، وما سكت عنه توقفنا فيه، لا نثبت، ولا ننفي. اهـ.
وقال ابن عثيمين في عقيدة أهل السنة والجماعة: ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات ... ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتًا لكمال ضده، ونسكت عما سكت الله عنه ورسوله. اهـ.
وأما من حيث التفصيل، فإن هذا المسكوت عنه إن كان كمالًا من كل وجه، وأمكن أن يتصف به الخالق جل وعلا، فهو داخل في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل: 60] وقوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم: 27] قال الشيخ فالح بن مهدي الدوسري في التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية: ما أثبته الشرع وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، وما سكت عنه فلم يثبته ولم ينفه، فإن كان في العقل ما يثبته ككونه وصف كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، أثبتناه ضمن المثل الأعلى، وإن كان في العقل ما ينفيه ككونه وصف نقص نفيناه ضمن المثل الأعلى أيضًا، وإن لم يكن في العقل ما يثبته ولا ينفيه سكتنا عنه، فلم نثبته، ولم ننفه، والله جل وعلا متصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، وهو أعلم بما يستحقه مما علمنا، وما لم نعلم من أوصاف الكمال، ونعوت الجلال. اهـ.
وقال الدكتور الهراس في شرح العقيدة الواسطية: يستعمل في حقه تعالى قياس الأولى، ومضمونه أن كل كمال ثبت للمخلوق، وأمكن أن يتصف به الخالق؛ فالخالق أولى به من المخلوق، وكل نقص تنزه عنه المخلوق؛ فالخالق أحق بالتنزه عنه، وكذلك قاعدة الكمال التي تقول: إنه إذا قدر اثنان: أحدهما موصوف بصفة كمال، والآخر يمتنع عليه أن يتصف بتلك الصفة؛ كان الأول أكمل من الثاني، فيجب إثبات مثل تلك الصفة لله ما دام وجودها كمالًا، وعدمها نقصًا. اهـ.
وقال الشيخ الغنيمان في شرح العقيدة الواسطية: الكمال الذي يتصف به المخلوق، ولا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه، وأمكن أن يتصف به الخالق فاتصاف الخالق جل وعلا به أولى؛ لأنه تعالى هو الواهب للكمال، ولا يمكن أن يكون واهب الكمال معدوماً. اهـ.
وأما بخصوص حال السائلة فهذه المسألة في الحقيقة لا تمثل أصل إشكالها، وإنما أصلها في الوسوسة بصفة عامة، كما يظهر من أسئلتها السابقة! ولذلك فإننا ننصحها أن تكف عن هذه الوساوس، وتعرض عنها بالكلية، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلًا.
واعلمي أنك لا تأثمين بالسؤال، لكن ليس من علاج الوسوسة الاسترسال معها، والسؤال بخصوصها، وراجعي في بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 106886، 220516، 3086، 60628.
والله أعلم.