الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري : ماهيته - علاجه

السؤال

ماهو الوسواس القهري؟ وما علاجه؟ أقصد وسوسة الماء والنجاسة والوسوسة عند الصلاة وإعادة الصلاة والوضوء وتكرار الآيات في الصلاة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوسواس القهري مرض يعتري الشخص ، يأتي له بصورة أفعال وأفكار تتسلط على المريض وتضطره لتكرارها ، وإذا لم يكرر الفعل أو يتسلسل مع الفكرة يشعر المريض بتوتر ، ولا يزول هذا التوتر إلا إذا كرر الفعل، وتسلسل مع الفكرة . وبعد أن يطاوع الوسواس يعاوده الدافع للفعل ثانية . ولا يزول المرض بهذا بل يتمكن منه .
فهو إذاً المبالغة الخارجة عن الاعتدال ، فقد يفعل الأمر - مكرراً له - حتى يفوت المقصد منه ، مثل أن يعيد الوضوء مراراً حتى تفوته الصلاة، أو يكرر آية، أو نحو ذلك حتى يسبقه الإمام بركن أو أكثر، وقد يتمكن منه الوسواس فيترك العمل بالكلية، وهذا هو المقصد الأساس من تلك الوسوسة.
والشيطان له الدور الأكبر في الوسوسة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما" قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه- يعرِّضُ بالشيء - لأن يكون حممة أحب من أن يتكلم به فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " رواه أحمد وأبو داود.
وقد يكون لعوامل أُخَر دور في إصابة المرء بالوسوسة كعامل نفسي أو تربوي أو شيء حدث أو موقف كان له أثر قوي في نفسه من أمر ما، وفي مثل هذه الحالة يعرض الشخص المريض على طبيب نفسي مسلم.
وليتغلب العبد على الوسواس الذي يصيبه في عبادته و أفكاره عليه أن يصدق في الالتجاء إلى الله تعالى ، ويلهج بالدعاء والذكر ليكشف عنه الضر ويدفع عنه البلاء ، وليطمن قلبه .
قال الله تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
ومما يندفع به الوسواس الاستغفار، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ ‌لِلشَّيْطَانِ ‌لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ} الآيَةَ". رواه الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه.
وعن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً. قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني رواه مسلم .
وغرض الشيطان من تلك الوسوسة - كما بينها حديث عثمان - أن يلبس على العبد صلاته ويفسدها عليه، وأن يحول بينه وبين ربه، فيندفع هذا الكيد بالاستغفار والاستعاذة .
قال ابن القيم في زاد المعاد: ولما كان الشيطان على نوعين : نوع يرى عياناً وهو شيطان الإنس، ونوع لا يرى وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه، انتهى.

وقال تعالى :‎وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ( الأعراف : 200) قال ابن كثير في تفسيره : فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده، اهـ.

ومن الأمور النافعة- كذلك في علاج الوسوسة استحضار القلب والانتباه عند الفعل وتدبر ما هو فيه من فعل أو قول ، فإنه إذا وثق من فعله وانتبه إلى قوله وعلم أن ما قام به هو المطلوب منه كان ذلك داعياً إلى عدم مجاراة الوسواس ، وإن عرض له فلا يسترسل معه لأنه على يقين من أمره ومن ذلك في الوضوء مثلاً: أن يتوضأ من إناء فيه قدر ما يكفي للوضوء بلا زيادة، ويجاهد نفسه أن يكتفي به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بأقل منه . وفي باب التطهر من النجاسة يحاول رش المحل الذي يعرض له فيه الوسواس بالماء، ويقنع نفسه أن ما يجده من بلل هو من أثر الماء لا من البول. وفي الصلاة يجتهد في متابعة الإمام ، حتى ولو خيل إليه أنه لم يأت بالذكر المطلوب ، وإذ قرأ الإمام ينصت له، ويقرأ معه الفاتحة إن كان ممن يرى وجوب قراءتها على المأموم في الصلاة الجهرية‎…‎ . وهكذا يحاول اتخاذ حلول عملية، يدرب نفسه عليها شيئاً فشيئاً. والله سبحانه وتعالى هو الكاشف لكل ضر والرافع لكل بلوى.

والله أعلم.





مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني