السؤال
تقول الآية الكريمة: [ ويخلق مالا تعلمون ]
سؤالي هو: جزاكم الله الخير ، هو أنه هل توجد مخلوقات غير الجن والملائكة قبل أن يخلق الله الإنس، أي المقصد هل هناك أقوام كانت تعبد الله مثلهم كمثل الإنس والجن والملائكة حاسبهم الله فعاقبهم وجازاهم، وأتى بخلق آخر وهو بنو آدم ؟ وهل توجد آية أو حديث يدلان على الجزم بأنه لا توجد مخلوقات تعبد الله غير الإنس والجن والملائكة والشجر والحجر وكل ما ذكر بالقرآن ؟
سؤالي الآخر جزاكم الله الخير هو: هل الجنة والنار خلقتا للثقلين فقط ؟ هذا ووفقكم الله في خطاكم ونور طريقكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قدرة الله على الخلق أزلية أبدية، كما سبق بيانه في الفتوي رقم : 28653. وتقرير هذا يفيد وجود مخلوقات قبل الملائكة والجن والإنس . وراجع للفائدة الفتوى رقم: 135105.
وأما السؤال عن مخلوقات تعبد الله غير الإنس والجن والملائكة والشجر والحجر وغير ذلك مما ذكر في القرآن، فهناك مخلوقات تسبح الله تعالى لا نعلمها، ولكن لا يمكن الجزم بأن منها ما عبادته لله على وجه التكليف والاختيار والامتحان كالجن والإنس. فهذا مما لا نعلم فيه نصا من الوحي. وما كان كذلك لم يجز الخوض فيه بغير علم، وقد قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء : 36].
قال السعدي: أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك .اهـ.
وذكر ابن كثير أقوال المفسرين في هذه الآية ثم قال: مضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال .. اهـ. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4170، 30700، 73672.
وأما السؤال: هل الجنة والنار خلقت للثقلين فقط؟ فجوابه: أننا لم نجد في القرآن ذكرا لغيرهما في الحديث عن الجنة والنار. أما النار فقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 119] وقال سبحانه: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة: 13]. وأما الجنة فقال عز وجل: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [الرحمن: 74].
قال الحافظ ابن رجب في (التخويف من النار): النار خلقها الله تعالى لعصاة الجن والإنس، وبهما تمتلئ، قال الله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها}. وقال تعالى: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}. وقال تعالى: {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}. وقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}. إلى قوله تعالى: {قال النار مثواكم خالدين فيها} .. اهـ.
وأما السنة فورد فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة خاصة: وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لهما: "ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة".
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشؤهم الله لأجل ملئها .. وفيه دلالة على أن الثواب ليس موقوفا على العمل بل ينعم الله بالجنة على من لم يعمل خيرا قط كما في الأطفال اهـ.
وقال النووي: هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال؛ فإن هؤلاء يخلقون حينئذ ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل اهـ.
وقال القاري في (المرقاة): "وأما الجنة فإن الله تعالى ينشئ لها" أي من عنده "خلقا" أي جمعا لم يعملوا عملا، وهذا فضل من الله تعالى اهـ.
وقد نص على دخول هذا الخلق الجنة بغير عمل ابن القيم في (أحكام أهل الذمة) و (زاد المعاد) و (شفاء العليل).
وهذا خاص بالجنة دون النار كما قال ابن القيم في (حادي الأرواح):ثبت أن الله سبحانه وتعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم القيامة يسكنهم إياها، ولا يفعل ذلك بالنار اهـ.
وقال في (شفاء العليل):ثبت أن الله سبحانه يدخل الجنة بلا عمل أصلا بخلاف النار .. فهو سبحانه ينشئ في الجنة خلقا ينعمهم فيها ولا ينشئ في النار خلقا يعذبهم بها اهـ. بتصرف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بيَّن أن الجنة لا يضيقها سبحانه بل ينشئ لها خلقا فيدخلهم الجنة؛ لأن الله يدخل الجنة من لم يعمل خيرا؛ لأن ذلك من باب الإحسان. وأما العذاب بالنار فلا يكون إلا لمن عصى فلا يعذب أحدا بغير ذنب. اهـ.
وهنا ننبه على أن هذا الحديث قد انقلب على بعض الرواة فجعل هذا الإنشاء في النار، وهو غلط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة): هكذا روي في الصحاح من غير وجه، ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: «وأما النار فيبقى فيها فضل». والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي، كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظ، ذكر ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب، وما علمت وقع فيه غلط إلا وقد بين فيه الصواب اهـ.
وقال ابن القيم في (حادي الأرواح) عن هذا اللفظ: إنه غلط من بعض الرواة، انقلب عليه لفظه، والروايات الصحيحة ونص القران يرده؛ فان الله سبحانه أخبر أنه يملأ جهنم من إبليس وأتباعه، فإنه لا يعذب إلا من قامت عليه حجته وكذب رسله اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: قال جماعة من الأئمة: إن هذا الموضع مقلوب ... وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني، واحتج بقوله: (ولا يظلم ربك أحدا). ثم قال: وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب. انتهى.
ويمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح ولكن لا يعذبون كما في الخزنة .. اهـ.
والله أعلم.