السؤال
هناك حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- معناه أن بعض الناس يخرجون من النار إلى الجنة، وتتم معرفتهم عن طريق علامة السجود على جباههم، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحًا، فهل هذا يدل على أن الصلاة يجب أن تقترن مع أعمال أخرى؟
هناك حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- معناه أن بعض الناس يخرجون من النار إلى الجنة، وتتم معرفتهم عن طريق علامة السجود على جباههم، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحًا، فهل هذا يدل على أن الصلاة يجب أن تقترن مع أعمال أخرى؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد صح الحديث أنه سيَخْرُج أناس من المسلمين من النار، وأنهم يُعرفون بآثار السجود، ففي صحيحي البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال:... حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود...
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة.
وجاء في طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي: قوله يحترقون فيها إلا دارات وجوههم- هو جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه أن النار لا تأكل دارة الوجه، لكونها محل السجود- وفي حديث آخر في الصحيح: حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود- وظاهره أنها لا تأكل شيئا من أعضاء السجود السبعة المأمور بالسجود عليها، وهي الجبهة، واليدان، والركبتان، والقدمان، وكذا قاله بعض العلماء، وأنكره القاضي عياض، وقال: المراد بأثر السجود الجبهة خاصة، وقال النووي: المختار الأول. اهـ.
وهذه الأحاديث تدل على أن فعل الصلاة قد لا يمنع من دخول المصلي النار، لكن الصلاة تمنع المصلي من الخلود في النار، فالمصلي قد يكون مُتَوَعَّدًا بالنار لتقصيره في الصلاة، بتأخيره بعض الصلوات عن أوقاتها، أو التفريط ببعض واجباتها الظاهرة، والباطنة، كما في قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون: 4- 5}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: قال العلماء: الساهون عنها -الذين يؤخرونها عن وقتها، والذين يفرطون في واجباتها، فإذا كان هؤلاء المصلون الويل لهم، فكيف بمن لا يصلي؟! اهـ.
وقد يكون المصلي مرتكبًا لبعض الذنوب، ومطالَبًا ببعض مظالم العباد، فيدخل النار بسبب ذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
وما من شك أن إقامة الصلاة على الوجه المأمور به شرعا تستلزم اجتناب الكبائر، كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت: 45} .
فمن وقع في الموبقات من المصلين دل ذلك على إخلاله بإقامة الصلاة على الوجه المأمور به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها- وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، حتى قال: إلا عشرها ـ فإن الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر، وإذا لم تنهه دل على تضييعه لحقوقها، وإن كان مطيعا، وقد قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة... الآية، وإضاعتها التفريط في واجباتها، وإن كان يصليها. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني