السؤال
الموضوع يتعلق بزلزال الصين، وسأحكي لكم عدة مواقف كلها أبكتني، وجعلتني أوجه سؤالي لأصحاب الأديان الأرضية، هؤلاء العظماء الذين أصابهم أمر الله: في الجنة أم في النار؟
الموقف الأول: بعد عدة ساعات من حدوث الزلزال، استطاع رجال الإنقاذ إنقاذَ طفلة صغيرة عمرها أحد عشر شهرًا، وجدوها على قارعة طريق ملفوفة بأقمشة كثيرة، وملابس لا تكاد تظهر من بين كل هذه الأقمشة، وكانت الطفلة حية، وفي صحة جيدة، ولكنها كانت وحيدة في هذا الشارع، ولم يكن معها أحد، وكان ذلك مثار استغرابهم، وفي اليوم التالي من عمليات الإنقاذ، وتحت أنقاض منزل منهار، قريب من هذا الشارع، تم العثور على الأب والأم أحياء، فلما سئلا: لماذا كانت البنت وحيدة في الشارع؟ قالا: جدّتها لأمها عندما بدأ الزلزال وشعرت بقسوته ، قامت بوضعها في لفائف قماش، وإلقائها من النافذة من الدور الثاني لتهب لها الحياة، كل ذلك وسط صراخ الأب والأم للجدة بالاحتماء خوفًا من انهيار الحوائط عليها، والتي انهارت عليها وقتلتها عقب إلقائها للطفلة مباشرة، والسؤال لأصحاب الأديان الأرضية: هل هذه الجدة في الجنة أم في النار؟
الموقف الثاني: مدرس عائد من شهر العسل، وفي أول يوم دراسة، ولحظة وقوع الزلزال كان معه سبعة أطفال في الفصل الدراسي، فقام المدرس بسرعة بوضع سريرين ليحتمي تحتهما الأطفال السبعة، ولما وجد أن السريرين غير كافيين وليس لديه وقت لإحضار المزيد، استخدم جسده درعًا واقيًا للأطفال، وأحاطهما والسريرين بذراعيه، ومات المدرس وتم إنقاذ الأطفال أحياء بعد قطع يد المدرس الشهم، ليخرجوا الأطفال من تحت يديه، فهل هذا المدرس في الجنة أم في النار؟
الموقف الثالث: طفلة عمرها خمس سنوات، تم تحديد مكانها تحت الأنقاض، وحفر ثقب لإخراجها، ونزلت إحدى أعضاء فريق الإنقاذ لحمل الطفلة للخارج، فماذا قالت لها الطفلة عندما شاهدتها؟ قالت لها: أخرجي سريعًا -يا عمتي-، فالمكان هنا خطر، وأخاف عليك من الموت مثل والدتي، وكان جسد والدتها بجانبها، وسؤالي لأصحاب العقول المريضة عن والد ووالدة هذه الطفلة ذات السنوات الخمس، اللذين علماها معنى الإيثار، والشهامة، والصدق، والذي خرج عفويًّا من فمها لفتاة الإنقاذ تطالبها بالابتعاد، هل هما في الجنة أم في النار؟
الموقف الرابع: عثرت فرق الإنقاذ على مجموعة من ستة وثلاثين شخصًا تحت الأنقاض في منطقة غير آمنة، وما زالت توابع الزلزال، ونزل خمسة أشخاص من أفراد فريق الإنقاذ للمجموعة المحتجزة، وأخرجوا جميعًا أحياء، وبعد ذلك طلب قائد المجموعة من أفراد المجموعة الخروج: الأحدث ثم الأقدم؛ ليكون هو آخر الخارجين، وبعد خروج أول ثلاثة من أفراد الفريق، حدث انهيار أرضي، فقام قائد المجموعة بدفع زميله للخروج؛ مما أدى لسقوطه، وموته في الحال، فهل هو في الجنة أم في النار؟
الموقف الخامس: قام فريق الإنقاذ بإخراج جثة، وتعرف إليها أحدهم، فالميت والده، فأذن له قائد الفريق بساعة واحدة لدفن والده، والعودة للفريق، فرفض، وقال لقائد الفريق: هذه الساعة ليست من حقي، أو حق والدي الميت، ولكنها من حق أحياء لم نعثر عليهم بعد، فهل هذا الشهم ووالده في الجنة أم في النار؟
الموقف السادس: استخرجت جثة فتاة من تحت الأنقاض، ووجدوا بحقيبتها مبلغ 27 ألف يوان صيني، وورقة مكتوب عليها بخط يد الفتاة الميتة أنها تشعر أنها لن تخرج حية؛ لذلك قررت التبرع بالمبلغ الذي في حقيبتها للضحايا الأحياء الذين كانوا أسعد حظًّا منها، وأنها ستكون في غاية الرضى أنها استطاعت أن تساعد بنقودها القليلة محتاجًا أو مريضًا أو جائعًا، فهل هذه الفتاة في الجنة أم في النار؟
المواقف كثيرة، والحكايات بالمئات، كلها تنمّ عن عظمة شعب، يتكون من 56 قومية، ولكنهم في الحقيقة على قلب رجل واحد، ويظهر ذلك في الأزمات، ومن أطرفها الفتاة التي خرجت حية، وقالت لهم: عطشانة، فأخرج أحد رجال الإنقاذ زجاجة مياه معدنية، وسقاها كمية تساوي حجم غطاء الزجاجة فقط، فتصرفت بعفوية شديدة، وأخرجت من جيبها يوانًا، وقالت له: هل يمكن أن أشتري الزجاجة؟
منذ اليوم الثالث بعد الزلزال، وبنوك الدم في كل أنحاء الصين، نسبة وجود الدم بها 100%، فلا يوجد أي أكياس فارغة، فجميع الأكياس تم تعبئتها بالدم من جميع الفصائل، وما زال طابور المتبرعين بالملايين في انتظار الفرصة للتبرع.
ما أردت أن أقوله: إن الجنة والنار بيد الرحمن خالق الجنة والنار، وقصدي أن أناقش أن الإحساس بالتميز لدى البعض، يقابله إحساس غريب بدونية بعض الشعوب، فأردت أن أقول: إن الشعب الصيني في أزمته ظهر أن معدنه من فولاذ لا يلين، وذهب لا يصدأ، وأدعو الجميع للتعلم منه، والتفاعل معه، فالمسلم الحق من يتجاوب ويتفاعل مع الإنسانية، يتعلم الجيد، ويرفض الفاسد، ولكن لا يضع نفسه محل الله، تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، فيحكم على الناس بالكفر أو بالإيمان.