السؤال
أنا مترجم وأعمل في بعض الأحيان عبر الإنترنت مع شركات أجنبية وأتعرض في أوقات كثيرة لعمليات نصب بحيث أقوم بالترجمة وتسليم العمل عبر الإنترنت وتظل الشركة الأجنبية تماطل ولا تعطيني حقي، وسؤالي هو: إذا كان هذا الشخص النصاب الذي استولى على مالي بدون حق كافر في الأساس وغير مسلم ومصيره النار فكيف سيحاسبه الله على فعتله معي؟ بمعنى في جميع الحالات هو كافر ومصيره إلى النار، فكيف يعاقبه الله على سرقتي؟ وهل الله مقدر لي أن تتم سرقتي؟ أنا في بعض الأحيان ألوم الله من داخلي على أنه يتركني فريسة لتلك الشركات ولا ينقذني مع أنني أصلي وأستغفر الله على ذلك، الرجاء الرد لو تكرمت على نفس البريد وجزاكم الله كل الخير وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فأما جواب السؤال الأول فمبناه على العلم بأن العدل المطلق سيقوم في الآخرة بلا شك، كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ { الأنبياء: 47}.
وأهل النار ليسوا على درجة واحدة من العذاب، بل هم متفاوتون فيها بحسب أعمالهم، قال تعالى: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ* وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ { الأنعام: 131ـ 132}.
قال السعدي: ولكل ـ منهم ـ درجات مما عملوا ـ بحسب أعمالهم، لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره، ولا التابع كالمتبوع، ولا المرءوس كالرئيس، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 123889.
فمن جمع بين الكفر وأكل أموال الناس بالباطل، ليس كمن كفر ولكنه لم يأكل المال بالباطل، فلكلٍّ درجات مما عملوا، فالأول أسوأ حالا وأشد عذابا.
وأما بالنسبة للمظلوم: فإنه يُوفَّى حقه يوم القيامة، ولكن ليس بالدينار والدرهم، وإنما بالحسنات والسيئات، فإن كان الظالم كافرا وليس له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه ليزداد بها عذابه، كما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري. وراجع الفتوى رقم: 139362.
وأما السؤال الثاني فجوابه: أن جميع ما يحصل في الكون من خير، أو شر قد سبق به علم الله تعالى، وجرى به القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 128849.
وأما السؤال الثالث بخصوص ما ذكره السائل مما يجده في نفسه في بعض الأحيان تجاه الله سبحانه وتعالى: فبيان حكمه يكون بمعرفة أن التسخط بالقلب ليس على درجة واحدة، فمنه ما يوصل للكفر، ومنه ما هو دون ذلك، فإن كان سببه إنما هو الشك في حكمة الله وعلمه وقدرته وعدله، أو الاعتراض على ربوبيته وقضائه وقدره، ونحو ذلك، فهذا من النوع الأول، وأما ما كان سببه الجزع والتألم وتمني غير المقدور مع التسليم لله واليقين بحكمته وعدله، فهذا من النوع الثاني، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 133564.
وكون السائل يصلي ويستغفر الله على ذلك مما يبعده عن النوع الأول ـ إن شاء الله ـ ولكنه مع ذلك على خطر، وعليه أن يبادر إلى التوبة من ذلك ومما ينتابه من الجزع والضجر وسوء الظن بالله تعالى، والواجب على المسلم أن يعلم أن الله تعالى كما وصف نفسه فقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}.
وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس: 44}.
والأولى بالمرء أن يعود باللوم على نفسه وعلى من حوله من الناس، فقد قال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ { النساء: 79}.
والمصائب التي تصيب الإنسان قد تكون عقوبة على ذنوبه ومعاصيه، وقد تكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وقد تكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وقد تكون لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وقد تكون أيضا بسبب ظلم بني آدم وبغي بعضهم على بعض، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 129853.
كما سبق لنا بيان خطوات عملية لتجنب سوء القضاء في الفتوى رقم: 123214.
والله أعلم.