السؤال
أنا في حالة نفسية الله يعلم بها، اقرؤوا الرسالة بأكملها وأعطونا الجواب الكافي جزاكم الله ألف خير.
قصتي أني شاب وكنت أفعل المعاصي مثل الشباب مثل سماع الأغاني ومشاهدة الحرام التلفاز واللعب بالبلايستيشن وغيرها، الحمد الله ربي رزقني بالهداية وبدأت أحافظ على الصلوات في المسجد، وأحرص كل الحرص عليها، وكان هذا في نهاية فترة تدريبي في إحدى المستشفيات ثم أصبحت عاطلا ولله الحمد، وتفرغت للعبادة، ووالله تغيرت حياتي وأصبحت أتوكل على الله في كل شيء، وأصلي في الصف الأول، وأصلي النوافل وأصوم وأقوم الليل وأقرأ القران كله بفضل الله ونعمته، لكن والله أحس أني في داخل سجن بين أهلي !
وأيضا أصبحت أجلس في الغرفة لوحدي بسبب البلاء العظيم الذي هو الدش، لا أريد مشاهدته ولا أريد أن أجلس معهم بسبب الغيبة والنميمة وغيرها، أصبحت حياتي من البيت إلى المسجد وقضاء حوائج البيت وخدمة أهلي ولله الحمد ما أحلاها من حياة، وفي البيت أقرأ القرآن وكتب الدين، وتخلصت من صوري لأن التصوير حرام إلا صور بطاقة الأحوال وغيرها وأهلي يرون أن التصوير حلال، وعندما قصرت ثيابي يقولون قصرتها كثيرا، واللحية أعفيتها وأشياء كثيرة التزمت بها ولله الحمد ، وزواجي سوف يكون قريبا بإذن الله، وأخاف أن تقول لي زوجتي أنت متشدد وحتى أفكر أن لا نشتري من المطاعم الأمريكية المشهورة بسبب ما يحصل للمسلمين في أنحاء العالم، وأيضا لا أريد أن أسافر للخارج لقضاء شهر العسل مع العلم أن أبي حجز لي التذكرة، وأيضا لا أريد أن أشتعل في المستشفيات بسبب ما فيها من الاختلاط، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أشد فتنة على الرجال النساء. وقد كدت أن أقع فيها لكن الحمد الله ربي نجاني منها، فوضحت لأمي وقلت لها لو أخدمكم طول عمري وتعطوني رزقي أفضل لي وخير لي من الانشغال بهذه الدنيا، فعندما أرى الناس يحلقون لحاهم ويقومون لأعمالهم في الصباح ويتركون صلاة الفجر والله قلبي يحزن عليهم، هذا كله بسبب انشغالهم بالدنيا، وأنا جاءتني فترة قبل أربع سنوات تقريبا التزمت بسبب فراغي، ثم أكملت الدراسة الجامعية وانشغلت بها، فأصبحت لا أصلي في المسجد ورجعت إلى المعاصي، فأنا الآن أتمنى أن أكون عاطلا طول عمري متفرغا للعبادة إلى أن يقبضني ربي وهو راض عني خير لي من الانشغال بالدنيا الفاتنة الفانية، وأيضا نصحت أبي عن طريق بعض المطويات، وأدعو لهم وأصبحت أرى الجريدة اليومية حرام لأنها تحتوي على صور وأيضا صور النساء المتبرجات، وأفكر أن لا أحضرها لأبي لأنها معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله. فأرجو من الله أن يثبتني ويرزقني الصبر، وحتى هذا الآن لا أحب أحدا يدخل علي في غرفتي ويراني أصلي أو أقرأ القرآن، مع العلم أنهم لا يمنعونني أبدا بالعكس لكن أحس أني غريب! أفيدونا هل أنا فعلا متشدد، والحمد الله الحلال بين والحرام بين فماذا أفعل ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن زمننا هذا زمان غربة، وأن المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بدينهم في آخر الزمان بأنهم غرباء، وبشرهم بالأجر العظيم، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 58011، 63743، 19738، 55038 .
ولا بد لمن أراد الثبات على دينه في مثل هذا الزمان من علم نافع يبصره ويهديه، وعمل صالح يطهره ويزكيه، وصحبة صالحة ناصحة تعينه وتحميه، وأن ينشغل بطاعة الوقت ولا يتطلع إلى ما لا يكون، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق من أنواع العبادات فيعجز وينقطع. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. رواه أحمد، وحسنه الألباني والأرناوؤط. وقد سبق شرحه في الفتوى رقم: 39427. كما سبق لنا بيان عوامل الفتور عن الالتزام بالدين وسبيل الإصلاح والعودة، في الفتوى رقم: 17666.
وأما بخصوص ما ذكره السائل الكريم، فليس التزامه بطاعة الله ولا اجتنابه للمحرمات مما يصح أن يوصف بالتشدد، مثل محافظته على صلاة الجماعة والصف الأول، ومثل امتناعه عن مشاهدة الفضائيات (الدش) التي تعرض المنكرات والخزايا، بل هذا مما يحمد ويرغب في الثبات عليه. وأما شعوره بالغربة فلا غرابة فيه مع ما سبق بيانه.
وبالنسبة لأمر الزواج، فإننا نوصيك ونشدد عليك في الوصية أن تتحرى في اختيار زوجتك، وأن يكون أساس ذلك هو التدين والصلاح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة. رواه مسلم. وعن ثوبان قال: لما نزلت (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزل في الذهب والفضة ما أنزل لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
وأما بالنسبة لقضاء ما يسمى بشهر العسل بالخارج، فإن كنت تعني بلاد الكفار، فإن في ذلك خطرا عظيماعليك وعلى أهلك في أمر دينكم ودنياكم، وفي بلاد الإسلام مندوحة عن ذلك، وحتى هذه إن أردتها فعليك أن تختار أفضلها وأكثرها محافظة على الدين وحدود الشرع، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 18657.
وأما بالنسبة لمسألة العمل وتركه، فإن العمل لا يجب عليك إلا إذا ترتب على تركه تفريط في واجب أو تضييع لمن تعول.
فمن كان لديه ما يغنيه عن أن يحتاج إلى الناس أو يمد يده إليهم، فلا مانع أن يتفرغ لطاعة الله، في طلب العلم أو العبادة، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 63005، 77968. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 63746، 74092. ثم نوصيك أن تترفق بوالديك وأهلك في النصيحة والموعظة، وأن تكون عونا لهم على الخير والهدى. وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.