[ ص: 344 ] المسألة الثانية
فإنه قد مر في كتاب الاجتهاد أن محال الخلاف دائرة بين طرفي نفي وإثبات ظهر قصد الشارع في كل واحد منهما ، فإن الواسطة آخذة من الطرفين بسبب ، هو متعلق الدليل الشرعي ، فصارت الواسطة يتجاذبها الدليلان معا : دليل النفي ، ودليل الإثبات ، فتعارض عليها الدليلان ، فاحتيج إلى ، وإلا فالتوقف ، وتصير من المتشابهات ، ولما كان قد تبين في ذلك الأصل هذا المعنى ، لم يحتج إلى مزيد . الترجيح
إلا أن الأدلة كما يصح تعارضها على ذلك الترتيب كذلك يصح تعارض ما في معناها كما في تعارض القولين على المقلد ؛ لأن نسبتهما إليه نسبة [ ص: 345 ] الدليلين إلى المجتهد ، ومنه تعارض العلامات الدالة على الأحكام المختلفة ، كما إذا انتهب نوع من المتاع يندر وجود مثله من غير الانتهاب ، فيرى مثله في يد رجل ورع ، فيدل صلاح ذي اليد على أنه حلال ، ويدل ندور مثله من غير النهب على أنه حرام فيتعارضان ، ومنه تعارض الأشباه الجارة إلى الأحكام المختلفة كالعبد ، فإنه آدمي فيجري مجرى الأحرار في الملك ، ومال فيجري مجرى سائر الأموال في سلب الملك ، ومنه تعارض الأسباب ، كاختلاط الميتة بالذكية ، والزوجة بالأجنبية ؛ إذ كل واحدة منهما تطرق إليها احتمال وجود السبب المحلل والمحرم ، ومنه ، كتعارض البينتين ؛ إذ قلنا : إن الشهادة شرط في إنفاذ الحكم فإحداهما تقتضي إثبات أمر ، والأخرى تقتضي نفيه ، وكذلك ما جرى مجرى هذه الأمور داخل في حكمها . تعارض الشروط
ووجه الترجيح في هذا الضرب غير منحصر ، إذ الوقائع الجزئية النوعية [ ص: 346 ] أو الشخصية لا تنحصر ، ومجاري العادات تقضي بعدم الاتفاق بين الجزئيات بحيث يحكم على كل جزئي بحكم جزئي واحد ، بل لا بد من ضمائم تحتف ، وقرائن تقترن ، مما يمكن تأثيره في الحكم المقرر ، فيمتنع إجراؤه في جميع الجزئيات ، وهذا أمر مشاهد معلوم ، وإذا كان كذلك ، فوجوه الترجيح جارية مجرى الأدلة الواردة على محل التعارض ، فلا يمكن في هذه الحال إلا الإحالة على نظر المجتهد فيه ، وقد تقدم لهذا المعنى تقرير في أول كتاب الاجتهاد ، وحقيقة النظر الالتفات إلى كل طرف من الطرفين أيهما أسعد وأغلب أو أقرب بالنسبة إلى تلك الواسطة ، فيبنى على إلحاقها به من غير [ ص: 347 ] مراعاة للطرف الآخر أو مع مراعاته ، كمسألة العبد في مذهب مالك ومن خالفه وأشباهها .