كتاب الصلاة الثاني
ولأن الصلاة التي ليست بمفروضة على الأعيان منها ما هي سنة ، ومنها ما هي نفل ، ومنها ما هي فرض على الكفاية ، وكانت هذه الأحكام منها ما هو متفق عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه ، رأينا أن نفرد القول في واحدة واحدة من هذه الصلوات ، وهي بالجملة عشر : ركعتا الفجر ، والوتر ، والنفل ، وركعتا دخول المسجد ، والقيام في رمضان ، والكسوف ، والاستسقاء ، والعيدان ، وسجود القرآن ، فإنه صلاة ما . يشتمل هذا الكتاب على عشرة أبواب ، والصلاة على الميت نذكرها على حدة في باب أحكام الميت على ما جرت به عادة الفقهاء ، وهو الذي يترجمونه بكتاب الجنائز . الباب الأول
القول في الوتر .
واختلفوا في الوتر في خمسة مواضع : منها في حكمه ، ومنها في صفته ، ومنها في وقته ، ومنها في القنوت فيه ، ومنها في صلاته على الراحلة . أما حكمه : فقد تقدم القول فيه عند بيان عدد الصلوات المفروضة .
وأما صفته : فإن
مالكا - رحمه الله - استحب أن
nindex.php?page=treesubj&link=1239يوتر بثلاث يفصل بينها بسلام . وقال
أبو حنيفة : الوتر
[ ص: 169 ] ثلاث ركعات من غير أن يفصل بينها بسلام ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الوتر ركعة واحدة . ولكل قول من هذه الأقاويل سلف من الصحابة والتابعين .
والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب ، وذلك أنه ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - من حديث
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006005أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة " .
وثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006006 " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة " .
وخرج
مسلم عن
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006007أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يصلي ثلاث عشرة ركعة ، ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها " .
وخرج
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006008الوتر حق على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل " .
وخرج
أبو داود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006009أنه كان يوتر بسبع وتسع وخمس " .
وخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=110عبد الله بن قيس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006010قلت لعائشة : بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر ؟ قالت : " كان يوتر بأربع وثلاث ، وست وثلاث ، وثمان وثلاث ، وعشر وثلاث ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006011 " المغرب وتر صلاة النهار " .
فذهب العلماء في هذه الأحاديث مذهب الترجيح .
فمن ذهب إلى أن الوتر ركعة واحدة فمصيرا إلى قوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006012فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة " ، وإلى حديث
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006013أنه كان يوتر بواحدة " .
ومن ذهب إلى أن الوتر ثلاث من غير أن يفصل بينها ، وقصر حكم الوتر على الثلاث فقط ، فليس يصح له أن يحتج بشيء مما في هذا الباب ، لأنها كلها تقتضي التخيير ما عدا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006011المغرب وتر صلاة النهار " . فإن
لأبي حنيفة أن يقول : إنه إذا شبه شيء بشيء وجعل حكمهما واحدا كان المشبه به أحرى أن يكون بتلك الصفة ، ولما شبهت المغرب بوتر صلاة النهار وكانت ثلاثا وجب أن يكون وتر صلاة الليل ثلاثا . وأما
مالك فإنه تمسك في هذا الباب
بأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يوتر قط إلا في أثر شفع ، فرأى أن ذلك من سنة الوتر ، وأن أقل ذلك ركعتان ، فالوتر عنده على الحقيقة إما أن يكون ركعة واحدة ، ولكن من شرطها أن يتقدمها شفع ، وإما أن يرى أن الوتر المأمور به هو يشتمل على شفع ووتر ، فإنه إذا زيد على الشفع وتر صار الكل وترا ، ويشهد لهذا المذهب حديث
nindex.php?page=showalam&ids=110عبد الله بن قيس المتقدم ، فإنه سمي الوتر فيه العدد المركب من شفع ووتر ، ويشهد لاعتقاده أن الوتر هو الركعة الواحدة أنه كان يقول : كيف يوتر بواحدة ليس قبلها شيء ، وأي شيء يوتر له ؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006015توتر له ما قد صلى " . فإن ظاهر هذا القول أنه كان يرى أن الوتر الشرعي هو العدد الوتر بنفسه - أعني : غير المركب من الشفع والوتر - وذلك أن هذا هو وتر لغيره ، وهذا التأويل عليه أولى .
[ ص: 170 ] والحق في هذا : أن ظاهر هذه الأحاديث يقتضي التخيير في صفة الوتر من الواحدة إلى التسع على ما روي ذلك من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والنظر إنما هو في : هل من شرط الوتر أن يتقدمه شفع منفصل أم ليس ذلك من شرطه ؟ فيشبه أن يقال : ذلك من شرطه ، لأنه هكذا كان وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويشبه أن يقال : ليس ذلك من شرطه لأن
مسلما قد خرج : " أنه - عليه الصلاة والسلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006016كان إذا انتهى إلى الوتر أيقظ عائشة فأوترت " . وظاهره أنها كانت توتر دون أن تقدم على وترها شفعا .
وأيضا فإنه قد خرج من طريق
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006017أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بتسع ركعات يجلس في الثامنة والتاسعة ، ولا يسلم إلا في التاسعة ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فتلك إحدى عشرة ركعة ، فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات ولم يجلس إلا في السادسة والسابعة ، ولم يسلم إلا في السابعة ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فتلك تسع ركعات " . وهذا الحديث : فيه الوتر متقدم على الشفع ، ففيه حجة على أنه ليس من شرط الوتر أن يتقدمه شفع ، وأن الوتر ينطلق على الثلاث ، ومن الحجة في ذلك ما روى
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006018كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بسبح اسم ربك الأعلى ، وقل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد " . وعن
عائشة مثله ، وقالت
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006019في الثالثة : بقل هو الله أحد ، والمعوذتين " .
وأما وقته : فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، لورود ذلك من طرق شتى عنه - عليه الصلاة والسلام - ، ومن أثبت ما في ذلك : ما خرجه
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة العوفي أن
أبا سعيد أخبرهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006020أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوتر فقال : " الوتر قبل الصبح " .
واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر ، فقوم منعوا ذلك وقوم أجازوه ما لم يصل الصبح ، وبالقول الأول : قال
أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ، وبالثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومالك وأحمد .
وسبب اختلافهم : معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار ، وذلك أن ظاهر الآثار الواردة في ذلك أن لا يجوز أن يصلي بعد الصبح كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة المتقدم ، وحديث
أبي حذيفة العدوي نص في هذا، خرجه
أبو داود وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006021وجعلها لكم ما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر " . ولا خلاف بين أهل الأصول أن ما بعد ( إلى ) بخلاف ما قبلها إذا كانت غاية ، وإن هذا، وإن كان من باب دليل الخطاب، فهو من أنواعه المتفق عليها ، مثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أتموا الصيام إلى الليل ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إلى المرافق ) لا خلاف بين العلماء أن ما بعد الغاية بخلاف الغاية .
وأما العمل المخالف في ذلك للأثر : فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت وحذيفة nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء وعائشة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر وقبل صلاة الصبح ، ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا; وقد رأى قوم أن مثل هذا هو داخل في باب الإجماع ، ولا معنى لهذا ، فإنه ليس ينسب إلى ساكت قول قائل - أعني : أنه ليس ينسب إلى الإجماع من لم يعرف له قول في المسألة - . وأما هذه المسألة فكيف يصح أن يقال : إنه لم يرو في ذلك خلاف عن الصحابة ، وأي خلاف أعظم من خلاف الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث - أعني : خلافهم لهؤلاء الذين أجازوا صلاة الوتر بعد الفجر .
والذي عندي في هذا أن هذا من فعلهم ليس مخالفا للآثار الواردة في ذلك، ( أعني : في إجازتهم
nindex.php?page=treesubj&link=1238الوتر [ ص: 171 ] بعد الفجر ) ، بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء ، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء ، فتأمل هذا .
وإنما يتطرق الخلاف لهذه المسألة من باب اختلافهم في هل القضاء في العبادة المؤقتة يحتاج إلى أمر جديد أم لا ؟ - أعني : غير أمر الأداء - ، وهذا التأويل بهم أليق ، فإن أكثر ما نقل عنهم هذا المذهب من أنهم أبصروا يقضون الوتر قبل الصلاة وبعد الفجر ، وإن كان الذي نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في ذلك قولا - أعني : أنه كان يقول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=1236وقت الوتر من بعد العشاء الآخرة إلى صلاة الصبح - ، فليس يجب لمكان هذا أن يظن بجميع من ذكرناه من الصحابة أنه يذهب هذا المذهب من قبل أنه أبصر يصلي الوتر بعد الفجر ، فينبغي أن تتأمل صفة النقل في ذلك عنهم .
وقد حكى
ابن المنذر في وقت الوتر عن الناس خمسة أقوال :
منها القولان المشهوران اللذان ذكرتهما .
والقول الثالث : أنه يصلي الوتر وإن صلى الصبح ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس .
والرابع : أنه يصليها وإن طلعت الشمس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي .
والخامس : أنه يوتر من الليلة القابلة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
وهذا الاختلاف إنما سببه : اختلافهم في تأكيده وقربه من درجة الفرض ، فمن رآه أقرب أوجب القضاء في زمان أبعد من الزمان المختص به ، ومن رآه أبعد أوجب القضاء في زمان أقرب ، ومن رآه سنة كسائر السنن ضعف عنده القضاء ، إذ القضاء إنما يجب في الواجبات ، وعلى هذا يجيء اختلافهم في قضاء صلاة العيد لمن فاتته ، وينبغي أن لا يفرق في هذا بين الندب والواجب - أعني : أن من رأى أن القضاء في الواجب يكون بأمر متجدد أن يعتقد مثل ذلك في الندب ، ومن رأى أنه يجب بالأمر الأول أن يعتقد مثل ذلك في الندب .
وأما اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=1241_1242القنوت فيه : فذهب
أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يقنت فيه ، ومنعه
مالك ، وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أحد قوليه في النصف الآخر من رمضان ، وأجازه قوم في النصف الأول من رمضان ، وقوم في رمضان كله .
والسبب في اختلافهم في ذلك : اختلاف الآثار ، وذلك أنه روي عنه - صلى الله عليه وسلم -
القنوت مطلقا ، وروي عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006022القنوت شهرا ، وروي عنه
أنه آخر أمره لم يكن يقنت في شيء من الصلاة ، وأنه نهى عن ذلك ، وقد تقدمت هذه المسألة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=1247صلاة الوتر على الراحلة حيث توجهت به : فإن الجمهور على جواز ذلك لثبوت ذلك من فعله - عليه الصلاة والسلام - أعني :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006024أنه كان يوتر على الراحلة - وهو مما يعتمدونه في الحجة على أنها ليست بفرض إذا كان قد صح عنه - عليه الصلاة والسلام - : "
أنه كان يتنفل على الراحلة " . ولم يصح عنه أنه صلى قط مفروضة على الراحلة . وأما الحنفية فلمكان اتفاقهم معهم على هذه المقدمة ؛ وهو أن كل صلاة مفروضة لا تصلى على الراحلة ، واعتقادهم أن الوتر فرض ، وجب عندهم من ذلك أن لا تصلى على الراحلة ، وردوا الخبر بالقياس وذلك ضعيف .
كِتَابُ الصَّلَاةِ الثَّانِي
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ عَلَى الْأَعْيَانِ مِنْهَا مَا هِيَ سُنَّةٌ ، وَمِنْهَا مَا هِيَ نَفْلٌ ، وَمِنْهَا مَا هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، رَأَيْنَا أَنْ نُفْرِدَ الْقَوْلَ فِي وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ ، وَهِيَ بِالْجُمْلَةِ عَشْرٌ : رَكْعَتَا الْفَجْرِ ، وَالْوِتْرُ ، وَالنَّفْلُ ، وَرَكْعَتَا دُخُولِ الْمَسْجِدِ ، وَالْقِيَامُ فِي رَمَضَانَ ، وَالْكُسُوفُ ، وَالِاسْتِسْقَاءُ ، وَالْعِيدَانِ ، وَسُجُودُ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّهُ صَلَاةٌ مَا . يَشْتَمِلُ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ نَذْكُرُهَا عَلَى حِدَةٍ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي يُتَرْجِمُونَهُ بِكِتَابِ الْجَنَائِزِ . الْبَابُ الْأَوَّلُ
الْقَوْلُ فِي الْوِتْرِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوِتْرِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ : مِنْهَا فِي حُكْمِهِ ، وَمِنْهَا فِي صِفَتِهِ ، وَمِنْهَا فِي وَقْتِهِ ، وَمِنْهَا فِي الْقُنُوتِ فِيهِ ، وَمِنْهَا فِي صَلَاتِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ . أَمَّا حُكْمُهُ : فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدَ بَيَانِ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ .
وَأَمَّا صِفَتُهُ : فَإِنَّ
مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَحَبَّ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1239يُوتِرَ بِثَلَاثٍ يَفْصِلُ بَيْنَهَا بِسَلَامٍ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الْوِتْرُ
[ ص: 169 ] ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا بِسَلَامٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : الْوِتْرُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ . وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ : اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006005أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ " .
وَثَبَتَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006006 " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " .
وَخَرَّجَ
مُسْلِمٌ عَنْ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006007أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، وَيُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا " .
وَخَرَّجَ
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=50أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006008الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " .
وَخَرَّجَ
أَبُو دَاوُدَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006009أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَتِسْعٍ وَخَمْسٍ " .
وَخَرَّجَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006010قُلْتُ لِعَائِشَةَ : بِكَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ ؟ قَالَتْ : " كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ ، وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ ، وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ ، وَعَشَرٍ وَثَلَاثٍ ، وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ ، وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ " .
وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006011 " الْمَغْرِبُ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ " .
فَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ .
فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَصِيرًا إِلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006012فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " ، وَإِلَى حَدِيثِ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006013أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ " .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا ، وَقَصَرَ حُكْمَ الْوِتْرِ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَطْ ، فَلَيْسَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي هَذَا الْبَابِ ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ مَا عَدَا حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006011الْمَغْرِبُ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ " . فَإِنَّ
لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ : إِنَّهُ إِذَا شُبِّهَ شَيْءٌ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَلِمَا شُبِّهَتِ الْمَغْرِبُ بِوِتْرِ صَلَاةِ النَّهَارِ وَكَانَتْ ثَلَاثًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وِتْرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ ثَلَاثًا . وَأَمَّا
مَالِكٌ فَإِنَّهُ تَمَسَّكَ فِي هَذَا الْبَابِ
بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوتِرْ قَطُّ إِلَّا فِي أَثَرِ شَفْعٍ ، فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْوِتْرِ ، وَأَنَّ أَقَلَّ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ ، فَالْوِتْرُ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَكْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَكِنْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ ، وَإِمَّا أَنْ يَرَى أَنَّ الْوِتْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى شَفْعٍ وَوَتْرٍ ، فَإِنَّهُ إِذَا زِيدَ عَلَى الشَّفْعِ وَتْرٌ صَارَ الْكُلُّ وَتْرًا ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=110عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْمُتَقَدِّمُ ، فَإِنَّهُ سُمِّيَ الْوِتْرُ فِيهِ الْعَدَدَ الْمُرَكَّبَ مَنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ ، وَيَشْهَدُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْوِتْرَ هُوَ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : كَيْفَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ ، وَأَيُّ شَيْءٍ يُوتَرُ لَهُ ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006015تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى " . فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْوِتْرَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْعَدَدُ الْوِتْرُ بِنَفْسِهِ - أَعْنِي : غَيْرَ الْمَرْكَبِ مِنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ - وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ وِتْرٌ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَيْهِ أَوْلَى .
[ ص: 170 ] وَالْحَقُّ فِي هَذَا : أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي صِفَةِ الْوِتْرِ مِنَ الْوَاحِدَةِ إِلَى التِّسْعِ عَلَى مَا رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالنَّظَرُ إِنَّمَا هُوَ فِي : هَلْ مِنْ شَرْطِ الْوِتْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ شَفْعٌ مُنْفَصِلٌ أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ ؟ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ ، لِأَنَّهُ هَكَذَا كَانَ وِتْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ لِأَنَّ
مُسْلِمًا قَدْ خَرَّجَ : " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006016كَانَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْوِتْرِ أَيْقَظَ عَائِشَةَ فَأَوْتَرَتْ " . وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ تُوتِرُ دُونَ أَنْ تُقَدِّمَ عَلَى وِتْرِهَا شَفْعًا .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ خَرَّجَ مِنْ طَرِيقِ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006017أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ يَجْلِسُ فِي الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ ، وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي التَّاسِعَةِ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي السَّابِعَةِ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ، فَتِلْكَ تِسْعُ رَكَعَاتٍ " . وَهَذَا الْحَدِيثُ : فِيهِ الْوِتْرُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّفْعِ ، فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوِتْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ شَفْعٌ ، وَأَنَّ الْوِتْرَ يَنْطَلِقُ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَمِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006018كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " . وَعَنْ
عَائِشَةَ مِثْلَهُ ، وَقَالَتْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006019فِي الثَّالِثَةِ : بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ " .
وَأَمَّا وَقْتُهُ : فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ، لِوُرُودِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَمِنْ أَثْبَتِ مَا فِي ذَلِكَ : مَا خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12179أَبِي نَضْرَةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّ
أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُمْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006020أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ : " الْوِتْرُ قَبْلَ الصُّبْحِ " .
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ صَلَاتِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ ، فَقَوْمٌ مَنَعُوا ذَلِكَ وَقَوْمٌ أَجَازُوهُ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ ، وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ : قَالَ
أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا
أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَبِالثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ عَمَلِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالْآثَارِ ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الصُّبْحِ كَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12179أَبِي نَضْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ، وَحَدِيثُ
أَبِي حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ نَصٌّ فِي هَذَا، خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006021وَجَعَلَهَا لَكُمْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ " . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ مَا بَعْدَ ( إِلَى ) بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا إِذَا كَانَتْ غَايَةً ، وَإِنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا ، مِثْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِلَى الْمَرَافِقِ ) لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ بِخِلَافِ الْغَايَةِ .
وَأَمَّا الْعَمَلُ الْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ لِلْأَثَرِ : فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=63وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَحُذَيْفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا; وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ - أَعْنِي : أَنَّهُ لَيْسَ يُنْسَبُ إِلَى الْإِجْمَاعِ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ - . وَأَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَنِ الصَّحَابَةِ ، وَأَيُّ خِلَافِ أَعْظَمُ مِنْ خِلَافِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ - أَعْنِي : خِلَافَهُمْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَجَازُوا صَلَاةَ الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ .
وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِهِمْ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، ( أَعْنِي : فِي إِجَازَتِهِمُ
nindex.php?page=treesubj&link=1238الْوِتْرَ [ ص: 171 ] بَعْدَ الْفَجْرِ ) ، بَلْ إِجَازَتُهُمْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لَا مِنْ بَابِ الْأَدَاءِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ خِلَافَ الْآثَارِ لَوْ جَعَلُوا صَلَاتَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ بَابِ الْأَدَاءِ ، فَتَأَمَّلْ هَذَا .
وَإِنَّمَا يَتَطَرَّقُ الْخِلَافُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَلِ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَةِ الْمُؤَقَّتَةِ يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ أَمْ لَا ؟ - أَعْنِي : غَيْرَ أَمْرِ الْأَدَاءِ - ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ بِهِمْ أَلْيَقُ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ أَنَّهُمْ أُبْصِرُوا يَقْضُونَ الْوِتْرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ قَوْلًا - أَعْنِي : أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1236وَقْتَ الْوِتْرِ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ - ، فَلَيْسَ يَجِبُ لِمَكَانِ هَذَا أَنْ يُظَنَّ بِجَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أُبْصِرَ يُصَلِّي الْوِتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَأَمَّلَ صِفَةَ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ .
وَقَدْ حَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي وَقْتِ الْوِتْرِ عَنِ النَّاسِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ :
مِنْهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْتُهُمَا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ وَإِنْ صَلَّى الصُّبْحَ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَإِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ يُوتِرُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا سَبَبُهُ : اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْكِيدِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ دَرَجَةِ الْفَرْضِ ، فَمَنْ رَآهُ أَقْرَبَ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِي زَمَانٍ أَبْعَدَ مِنَ الزَّمَانِ الْمُخْتَصِّ بِهِ ، وَمَنْ رَآهُ أَبْعَدَ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِي زَمَانٍ أَقْرَبَ ، وَمَنْ رَآهُ سُنَّةً كَسَائِرِ السُّنَنِ ضَعُفَ عِنْدَهُ الْقَضَاءُ ، إِذِ الْقَضَاءُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَاجِبَاتِ ، وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ اخْتِلَافُهُمْ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِمَنْ فَاتَتْهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرِّقَ فِي هَذَا بَيْنَ النَّدَبِ وَالْوَاجِبِ - أَعْنِي : أَنَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْوَاجِبِ يَكُونُ بِأَمْرٍ مُتَجَدِّدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النَّدْبِ ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَعْتَقِدَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي النَّدْبِ .
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1241_1242الْقُنُوتِ فِيهِ : فَذَهَبَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ يَقْنُتُ فِيهِ ، وَمَنَعَهُ
مَالِكٌ ، وَأَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَقَوْمٌ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ : اخْتِلَافُ الْآثَارِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْقُنُوتُ مُطْلَقًا ، وَرُوِيَ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006022الْقُنُوتُ شَهْرًا ، وَرُوِيَ عَنْهُ
أَنَّهُ آخِرُ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ ، وَأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=1247صَلَاةُ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ : فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْنِي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006024أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ - وَهُوَ مِمَّا يَعْتَمِدُونَهُ فِي الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ إِذَا كَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ " . وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى قَطُّ مَفْرُوضَةً عَلَى الرَّاحِلَةِ . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلِمَكَانِ اتِّفَاقِهِمْ مَعَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ ؛ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ لَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ ، وَجَبَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَرَدُّواَ الْخَبَرَ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ ضَعِيفٌ .