الباب الثاني في كيفية الجهاد وما يتعلق به ، فيه أطراف
الأول : في قتال الكفار ، وفيه مسائل : إحداها : يكره ، ولا يحرم ، وإذا بعث سرية ، أمر عليهم أميرا ، ويأمرهم بطاعته ، ويوصيه بهم ، ويسن أن يأخذ البيعة عليهم أن لا يفروا ، وأن يبعث الطلائع ، ويتجسس أخبار الكفار ، ويستحب خروجهم يوم الخميس أول النهار ، وأن يعقد الرايات ، ويجعل كل فريق تحت راية ، ويجعل لكل طائفة شعارا حتى لا يقتل بعضهم بعضا بياتا ، وأن يدخل دار الحرب بتعيينه الحرب ؛ لأنه أحوط وأهيب ، وأن يستنصر بالضعفاء ، وأن يدعو عند التقاء الصفين ، وأن يكبر من غير إسراف في رفع الصوت ، وأن يحرض الناس على القتال وعلى الصبر والثبات . الغزو بغير إذن الإمام أو الأمير المنصوب من جهته
[ ص: 239 ] الثانية : لا يقاتل من لم تبلغه الدعوة حتى يدعوه إلى الإسلام ، وأما من بلغتهم الدعوة ، فيستحب أن يعرض عليهم الإسلام ، ويدعوهم إليه ، ويجوز بياتهم بغير دعاء ، ثم الذين لا يقرون بالجزية ، يقاتلون ، وتسبى نساؤهم ، وتغنم أموالهم حتى يسلموا ، والذين تقبل منهم الجزية يقاتلون حتى يسلموا ، أو يبذلوا الجزية .
الثالثة : تجوز ، ويشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين ، ويأمن خيانتهم ، وشرط الإمام الاستعانة بأهل الذمة وبالمشركين في الغزو والبغوي وآخرون شرطا ثالثا ، وهو أن يكثر المسلمون بحيث لو خان المستعان بهم ، وانضموا إلى الذين يغزوهم ، لأمكننا مقاومتهم جميعا . وفي كتب العراقيين وجماعة أنه يشترط أن يكون في المسلمين قلة ، وتمس الحاجة إلى الاستعانة ، وهذان الشرطان كالمتنافيين ؛ لأنهم إذا قلوا حتى احتاجوا لمقاومة فرقة إلى الاستعانة بالأخرى ، فكيف يقاومونهما ؟
قلت : لا منافاة ، فالمراد أن يكون المستعان بهم فرقة لا يكثر العدو بهم كثرة ظاهرة ، وشرط صاحب " الحاوي " أن يخالفوا معتقد العدو ، كاليهود مع النصارى ، قال : وإذا خرجوا بشروطه ، اجتهد الأمير فيهم ، فإن رأى المصلحة في تميزهم ليعلم نكايتهم ، أفردهم في جانب الجيش بحيث يراه أصلح ، وإن رآها في اختلاطهم بالجيش لئلا تقوى شوكتهم ، فرقهم بين المسلمين . والله أعلم .
ثم إن حضر الذمي بإذن الإمام ، استحق الرضخ ، إلا أن يكون استأجره ، فلا يستحق غير الأجرة ، وإن نهاه عن الحضور ، فحضر ، [ ص: 240 ] فلا شيء له ، وللإمام تعزيزه إذا رآه ، وإن لم ينهه ، ولم يأذن له ، لم يرضخ له على الأصح .