مسألة : قال الشافعي : " فإن قيل فإذا كان طلاقا فاجعل له الرجعة قيل له لما أخذ من المطلقة عوضا وكان من ملك عوض شيء خرج من ملكه لم يكن له رجعة فيما ملك عليه فكذلك المختلعة " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وإن كانت المختلعة في العدة . سواء خالعها بلفظ الخلع أو لفظ الطلاق ، وسواء قيل إن فرقة الخلع لا يملك فيها الرجعة وهو قول جمهور الفقهاء ، وحكي عن الخلع فسخ أو طلاق سعيد بن المسيب والزهري أن الخلع يقطع الرجعة غير أن الزوج بالخيار بين أن يتمسك بالمال فتسقط الرجعة وبين أن يرد المال فتثبت له الرجعة ، وقال أبو ثور : إن خالعها بلفظ الطلاق فله الرجعة ، وإن خالعها بلفظ الخلع فليس له الرجعة لأن الخلع عنده فسخ استدلالا بأن العتق يوجب الولاء ، كما أن الطلاق [ ص: 12 ] يوجب الرجعة ، ثم ثبت أن دخول العوض في العتق لا يمنع من ثبوت الولاء كذلك ثبوت العوض في الطلاق لا يمنع من ثبوت الرجعة .
ودليلنا قول الله تعالى : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به والافتداء هو الخلاص والاستنقاذ ، مأخوذ من افتداء الأسير وهو خلاصه واستنقاذه ، فلو ثبتت الرجعة فيه لما حصل به الخلاص والاستنقاذ ، فدل على أن الافتداء يمنع من ثبوت الرجعة ، ولأن الزوجة ملكت بضعها بالخلع كما ملك الزوج بضعها بالنكاح ، فلما كان الزوج قد ملك بالنكاح بضعها ملكا تاما لا سلطان فيه للزوجة وجب أن تملك الزوجة بضعها بالخلع ملكا تاما لا سلطان فيه للزوج ولأن الزوج قد ملك عوض الخلع في مقابلة ملك الزوجة للبضع فلما استقر ملك الزوج للعوض حتى لم يبق للزوجة فيه حق وجب أن يستقر ملك الزوجة للبضع وألا يبقى للزوج فيه حق .
فأما الجواب عن الاستدلال بالعتق فمن وجهين :
أحدهما : أن العتق لا ينفك من ثبوت الولاء فلذلك استوى حاله مع وجود العوض وعدمه ، وليس كذلك الطلاق لأنه قد ينفك من ثبوت الرجعة .
فلذلك اختلف حاله في وجود العوض وعدمه .
والثاني : أنه ليس في ثبوت الولاء ما يمنع من مقصود العتق في زوال الرق وجواز التصرف ، فثبت الولاء مع العوض ، كما يثبت مع عدمه ، وثبوت الرجعة تمنع من مقصود الخلع في إسقاط حق الزوجة وإزالة ضرره فلذلك لم تثبت الرجعة فيه .
وجواب ثالث وهو أن والرجعة تقتضي عود الزوجة إلى نكاح الزوج فافترقا . ثبوت الولاء لا يقتضي عود العبد إلى ملك السيد ،