مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت به نفسا ويأخذ ما الفراق به " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، قليلا كان أو كثيرا سواء كان بمثل المهر أو أقل أو أكثر وسواء كان من جنسه أو غير جنسه ، وبه قال من الصحابة الخلع يجوز بما اتفق الزوجان عليه من العوض عمر وابن عباس ، ومن التابعين مجاهد وعكرمة ومن الفقهاء مالك وأبو حنيفة وقال قوم : من غير زيادة عليه ، وبه قال من الصحابة لا يجوز الخلع إلا بالمهر علي بن أبي طالب عليه السلام ومن التابعين الحسن وابن المسيب والشعبي وعطاء والزهري . [ ص: 13 ] ومن الفقهاء أحمد وإسحاق ، واستدلالا بقول الله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ البقرة : 229 ] فكان ذلك عائدا إلى ما أعطى من المهر دون غيره ، وبما رواه عكرمة عن ابن عباس أن خولة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني لا أعيب على ثابت خلقا ولا دينا ولكني لا أستطيقه وأكره الكفر في الإسلام ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فقال لثابت : خذها ولا تزدد . فمنعه من الزيادة فدل على حظرها . ودليلنا قول الله تعالى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] فاقتضى رفع الجناح عن جميع ما افتدت به من قليل وكثير ، ولأن خالعت زوجها بجميع ملكها فأمضاه الربيع بنت معوذ بن عفراء عثمان وجعل له ما دون عقاص الرأس ، ولأن ما استعيد من الإبدال بعقود المعاوضات لم تتقدر كالأثمان ، ولأنه لما لم يتقدر ما يمتلكه من مالها هبة فأولى ألا يتقدر ما يمتلكه من مالها خلعا .
فأما الآية فأولها تتضمن النهي عن أخذ ما أعطى ، وآخرها يتضمن إباحة أخذ الفداء ، فلم يخص خصوص أولها في النهي بعموم آخرها في الإباحة لأن النهي ضد الإباحة فلم يجز أن يخص أحدهما بالآخر .
وأما الجواب عن خلع النبي صلى الله عليه وسلم بين خولة وزوجها بالمهر الذي أعطاها فهو دليل على جوازه بالمهر ولا يمنع من الزيادة عليه كما لا يمنع من النقصان منه ، لأن الزوج لم يطلب زيادة كما لم تطلب الزوجة نقصانا .