مسألة : قال الشافعي : " ولا وقت فيما يعطى الفقير إلا ما يخرجه من حد الفقر إلى الغنى قل ذلك أو كثر مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب : لأنه يوم يعطاه لا زكاة فيه عليه ، وقد يكون غنيا ولا مال له تجب فيه الزكاة ، وفقيرا بكثرة العيال وله مال تجب فيه الزكاة ، وإنما الغنى والفقر ما يعرف الناس بقدر حال الرجال " .
قال الماوردي : اعلم أن الكلام في هذه المسألة يشتمل على فصلين :
أحدهما : . فيمن يجوز أن يأخذ بالفقر من الزكاة
والثاني : في وكلا الأمرين معتبر بأدنى الغنى واختلف الناس في أدنى الغنى على ثلاثة مذاهب : القدر الذي يجوز أن يعطاه من الزكاة ،
أحدها : ما ذهب إليه أحمد بن حنبل أن أدنى الغنى خمسون درهما ، فلا تحل الزكاة لمن تملكها ، ولا يجوز أن يعطى أكثر منها وقد حكي ذلك في الصحابة عن عمر وعلي وسعد - رضوان الله عليهم - ، وبه قال من الفقهاء الزهري والثوري .
والمذهب الثاني : ما ذهب إليه أبو حنيفة : أن أدنى الغنى نصاب تجب فيه الزكاة ، فلا يحل الزكاة لمن يملك نصابا ولا يعطى منها نصابا ، فإذا ملك مالا تجب فيه الزكاة من عقار ورقيق ، فإن احتاج إليه كدار يسكنها ، أو دابة يركبها ، أو أمة يستخدمها حلت له الزكاة ، وإن كانت قيمته أكثر من نصاب وما استغنى عنه من ذلك اعتبرت قيمته ، فإن بلغت نصابا حرمت عليه الزكاة ، وإن نقصت عن نصاب حلت له الزكاة .
والمذهب الثالث : مذهب الشافعي أن الغنى غير معتبر بالمال ، وإنما هو القدرة على الكفاية الدائمة لنفسه ولمن تلزمه نفقته إما بضاعة أو تجارة أو زراعة ، وبيان ذلك أن الناس أربعة أصناف : صناع وتجار وأصحاب عقار وأصحاب مواش .
فأما الصناع فكالفلاحين والملاحين والنجارين والبنائين ، فإن كان الواحد منهم يكتسب بضاعته قدر كفايته على الدوام لنفسه ولمن تلزمه مؤنته حرمت عليه الزكاة وإن لم [ ص: 520 ] يملك دينارا ولا درهما ، وإن كان لا يكتسب بضاعته قدر كفايته على الدوام حلت له الزكاة وأن يأخذ منها تمام كفايته .
وأما التجار فهم الذين يستمدون أرباح بضائعهم ، فإن كانت بضاعة الواحد منهم تربحه غالبا قدر كفايته كان غنيا تحرم عليه الزكاة وإن لم يملك نصابا ، وإن كانت لا تربحه قدر كفايته كان فقيرا وإن ملك نصابا وحل له أن يأخذ من الزكاة ما إذا ضمه إلى بضاعته ربح بها قدر كفايته ، وذلك يختلف بحسب اختلافهم في متاجرهم ، فإذا كان البقلي يكتفي بخمسة دراهم والباقلاني بعشرة والفاكهاني بعشرين والخباز بخمسين والبقال بمائة والعطار بألف والبزاز بألفي درهم والصيرفي بخمسة آلاف والجوهري بعشرة آلاف ، وملك كل واحد ممن ذكرنا بضاعته التي يكتفي بربحها حرمت عليه الزكاة ، وإن ملك أقل منها حلت له الزكاة أن يأخذ منها تمام بضاعته التي يكتفي بربحها ، حتى أن البقلي إذا ملك خمسة دراهم هي كفايته كان غنيا ، والجوهري إذا ملك تسعة آلاف درهم هي دون كفايته كان فقيرا أو مسكينا ، وكذلك القول في أصحاب العقار والمواشي إن كان يستغل منها قدر كفايته حرمت عليه الزكاة ، وإن كان لا يستغل منها قدر كفايته حلت له الزكاة أن يأخذ منها ما يشتري به من العقار والمواشي ما إذا ضمه إلى ماله اكتفى بغلته على الدوام .