فصل : في موجبات مختلف فيها ، وهي نحو عشرة :
الأول : ، ويسمى الشرج بفتح الشين ، وفتح الراء تشبيها له بشرج السفرة التي يؤكل عليها ، وهو مجتمعها ، وكذلك تسمى المجرة شرج السماء على أنها بابها ، ومجتمعها ، ومسه لا يوجب الوضوء خلافا ش ، وحمديس من أصحابنا . الثاني : مس الدبر خلافا الأنثيان : لا يوجب مسهما وضوءا لاندراجهما في معنى الفرج عنده . الثالث : لعروة بن الزبير : واحدها رفغ بضم الراء ، وسكون الفاء ، والغين المعجمة ، وهو طي أصلي العجز مما يلي الجوف ، ويقال : بفتح الراء ، وقيل : هو العصب الذي بين الشرج ، والذكر ، قال القاضي في التنبيهات : ومسها ليس بشيء ، فلا يوجب وضوءا خلافا الأرفاغ لعمر رضي الله عنه لقوله عليه السلام : ( ) خصه دون سائر الجسد ، فدل ذلك على عدم اعتبار غيره من الجسد ، فإن عارضوا المفهوم بالقياس عليه ، فرقنا بأنه سبب المذي بخلاف غيره . [ ص: 235 ] الرابع : من مس ذكره فليتوضأ لا يوجب وضوءا خلافا ش لأنهما ليسا مظنة اللذة . الخامس : مس ذكر الصبي ، وفرج الصبية لا يوجب وضوءا خلافا فرج البهيمة لليث لأنه ليس مظنة اللذة . السادس : لا يوجب وضوءا خلافا ش ، و ح ; لأن الله تعالى يقول : ( الدم يخرج من الدبر ، أو الحصا ، أو الدود أو جاء أحد منكم من الغائط ) وخطاب الشارع محمول على الغالب المعتاد ، وهذه ليست معتادة . قال صاحب الطراز : قال ابن نافع : ذلك إذا لم يخالطه أذى قال التونسي : ولو خالطه الأذى لكان فيه نظر ؛ لأنه غير معتاد . توضأ ، وإلا فلا ، وقال ابن عبد الحكم : من خرج من دبره دم صاف ، أو دود ، فعليه الوضوء . السابع : وحصى الإحليل إن خرج عقيبه بول لا يوجب وضوءا خلافا أكل ما مسته النار ، أو شربه لأحمد في لحوم الإبل ، ولعائشة ، ، وجماعة معهما رضي الله عنهم أجمعين ؛ لما في الموطأ أنه عليه السلام أكل كتف شاة ، ثم صلى ، ولم يتوضأ ، وأما الأحاديث الواردة في الوضوء ، فمحمولة على الوضوء اللغوي جمعا بين الأحاديث . الثامن : وابن عمر لا توجب الوضوء خلافا ح لأنها لا توجبه خارج الصلاة ، فلا توجبه داخلها قياسا على العطاس ، والسعال ، أو نقول لو أوجبته داخل الصلاة لأوجبته خارج الصلاة قياسا على الريح ، وأما ما يروى عنه عليه السلام أنه القهقهة - فقال عبد الحق : لا يصح من أحاديث هذا الباب شيء . كان يصلي بأصحابه ، فدخل رجل في بصره ضر ، فتردى في حفيرة كانت في المسجد ، فضحك طوائف منهم ، فلما قضى عليه السلام أمر كل من كان منهم ضحك أن يعيد الوضوء ، والصلاة
[ ص: 236 ] ولو سلمنا صحته ، فهي قضية عين يحتمل أن بعضهم خرج منه ريح ، فأراد عليه السلام ستره بذلك . التاسع : ، القيء ، والقلس ، والحجامة ، والفصادة لا توجب وضوءا خلافا ح ; لأن ما يروى عنه عليه السلام : ( والخارج من الجسد من غير السبيلين ) ومن قوله ( الوضوء من كل دم سائل ) ومن قوله عليه السلام ( إذا رعف أحدكم في صلاته ، فلينصرف ، وليغسل عنه الدم ، ثم ليعد وضوءه ، وليستقبل صلاته ، ونحو ذلك من الأحاديث لا يثبت منها شيء . إذا قاء أحدكم في صلاته ) أو قلس ، فلينصرف ، وليتوضأ ، وليبن على ما مضى من صلاته
والقياس على الإحداث بجامع النجاسة ممنوع ، فإنه تعبد لإيجاب الغسل من هذه الأسباب لغير المتنجس ، والقياس في التعبد متعذر لعدم العلة الجامعة . العاشر : ، ذبح البهائم ، ومس الصلب ، والأوتان ، وقلع الضرس ، وإنشاد الشعر ، والكلمة القبيحة ، والنظر للشهوة ، أو أذى مسلم ، أو والتقطير في المخرجين ، أو إدخال شيء فيهما ، أو حمل ميت - لا توجب وضوءا خلافا لقوم ؛ عملا بالأصل حكاه وطء نجاسة رطبة في مراتب الإجماع . تنقيح : أمر الله تعالى بالوضوء مما يحصل في الغائط بقوله : ( ابن حزم أو جاء أحد منكم من الغائط ) قال أبو حنيفة - رحمه الله - : السبب في ذلك هو الخارج النجس الموجب لاستخباث جملة الجسد كما أن الإنسان لو كان به برص ، أو جذام ببعض أعضائه كرهت جملته عرفا ، فكذلك يستخبث شرعا فيلحق به كل خارج نجس كالحجامة ، ونحوها .
وقال رحمة الله عليه : المعتبر المخرج لأنه هو المفهوم المطرد عند قوله : ( الشافعي أو جاء أحد منكم من الغائط ) أي ما خرج من هذين المخرجين أوجب الوضوء كان طاهرا ، أو نجسا معتادا ، أو نادرا .
[ ص: 237 ] وقال مالك رحمة الله عليه : اللذان يفهمان من الآية ، وهما تعبدان لا يجوز التصرف فيهما بل يقتصر على مورد النص ، وهذا هو الصواب ، والله أعلم . المعتبر الخارج ، والمخرج المعتادان
وليس هذا من باب أخذ محل الحكم قيدا في العلة الذي هو منكر بل هذا من باب الاقتصار على محل الحكم لتعذر التصرف فيه ، والنقل منه إلى غيره . تفريع : في الجواهر : كل سبب من الأسباب المعتبرة ، يمنع من الصلاة ، والطواف ، وسجود التلاوة ، وسجود السهو ، أو جلده ، أو حواشيه ، أو بقضيب ; لأن ذلك بمنزلة اللمس عرفا للاتصال ، وكذلك حمله في خريطة ، أو بعلاقة ، أو صندوق مقصود له . ومس المصحف
ولا بأس بحمله في وعاء مقصود لغيره ، أو المتضمنة له ؛ لأنها المقصود دونه ، وكذلك مس كتب التفسير ، أو الفقه ، وقد منعه بعضهم تعظيما لذكر الله تعالى . وأما الدرهم عليه ذكر الله تعالى ؛ قاله معلم الصبيان ، فلا يكلف الطهارة لمس الألواح ابن القاسم لأجل الضرورة ، ولم يره ابن حبيب ، واستحب أيضا للصبيان مس الأجزاء ، أو اللوح على وضوء ، وكره لهم مس جملة المصحف على غير وضوء . ولمالك في العتبية : إذا احترز عليه ، أو جعل في شيء يكنه ، ولا يعلق بغير ما يكنه . يعلق من القرآن على الحائض ، والجنب ، والصبي في العنق
وكذلك يكتب للحمى . قال صاحب الطراز : لأنه خرج عن هيئة المصحف ، وصار ككتب التفسير يحملها المحدث .
والأصل في هذه الجملة الكتاب والسنة ؛ أما الكتاب فقوله تعالى : [ ص: 238 ] ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) وجه التمسك به أنه تعالى نهى عن ملامسة القرآن ، ومسه لغير الطاهرين إجلالا ، والمحدث ليس بطاهر ، فوجب أن يمنع من مسه ، وتقريره أنها صيغة حصر تقتضي حصر الجواز في المتطهرين ، وعموم سلبه في غيرهم ، والأصل عدم التخصيص فيحصل المطلوب .
فإن قيل : لا نسلم أن هذه الصيغة نهي ، وإلا لكانت مجزومة الأجزاء ، ومؤكدة بنون التأكيد .
سلمنا لكن لا نسلم أن المراد بالمطهرين أهل الأرض بل أهل السماء كما قال تعالى في عبس : ( بأيدي سفرة كرام بررة ) سورة عبس 15 - 16 .
سلمنا أن المراد أهل الأرض لكن المطهرون عام في المطهر مطلق في التطهير ، فلم لا تكفي الطهارة الكبرى ، ولا تندرج الصغرى لخفتها .
والجواب عن الأول من وجهين :
الأول : أن الصيغة لو كانت خبرا للزم الخلف فيه لأنا نجد كثيرا من غير الطاهرين يمسه ، والخلف في خبر الله تعالى محال فيتعين أن تكون نهيا ، وقد حكى النحاة في الفعل المشدد الآخر أن من العرب من يحكيه حالة النهي على الرفع .
الثاني : سلمنا أنه خبر لفظا ، ونهي معنى كما قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) والمراد الأمر كذلك ها هنا يكون المراد النهي .
وعن الثاني من وجهين :
أحدهما : لو كان المراد أهل السماء لكان يقضي أن في السماء من ليس بمتطهر ، وليس كذلك بخلاف ما إذا حملناه على أهل الأرض .
[ ص: 239 ] وثانيهما : أن الألف واللام للعموم فيشمل أهل الأرض ، والسماء ، والأصل عدم التخصيص فيحصل المطلوب .
وعن الثالث : أنه يجب أن يحمل المتطهر على أعلى مراتبه تعظيما لكتاب الله تعالى .
وأما السنة : فما في الموطأ عمرو بن حزم باليمن : ( ألا يمس القرآن إلا طاهر ) ، وهذا الحديث يؤكد التمسك بالآية لأنه على صيغتها . أنه عليه السلام كتب كتابا إلى
تحقيق : قد توهم بعض الفقهاء أن هذه النصوص لا تتناول الصبيان كسائر التكاليف ، فكما لا يكون تركهم لتلك التكاليف رخصة ، فكذلك ها هنا ، وليس كما ظن ؛ فإن النهي عن ملامسة القرآن لغير المتطهر كالنهي عن ملامسته لغير الطاهر من جهة أن كل واحد منهما لا يشعر بأن المنهي عن ملامسته موصوف بالتكليف ، أو غير موصوف فيكون الجواز في الصبيان رخصة .