( التاسع :
nindex.php?page=treesubj&link=33212ما أكل السبع ) أي : ما قتله بعض سباع الوحوش كالأسد والذئب ; ليأكله ، وأكله منه ليس شرطا للتحريم ، فإن فرسه إياه يلحقه بالميتة ، كما علم مما مر . وكانوا في الجاهلية يأكلون بعض فرائس السباع ، وهو مما تأنفه أكثر الطباع ، ولا يزال الناس يعدون أكله ذلة ومهانة ، وإن كانوا لا يخشون منه ضررا .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم وقد اختلف فيه المفسرون ، هل هو استثناء من جميع المحرمات التي يتوقف حلها على تذكية الإنسان لها ، أي إماتتها إماتة شرعية لأجل أكلها ، أم هو استثناء من الأخير ، وهو ما أكل السبع ؟ أم هو استثناء من التحريم دون المحرمات ; يقصد به أنه حرم عليكم ما ذكر إلا ما ذكيتم ; أي ولكن لم يحرم عليكم ما ذكيتموه بفعلكم مما يذكى ؟ والأول هو الظاهر المتبادر ، ورجحه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير بعد ذكره وذكر الثالث ، وجعله بعضهم استثناء من المنخنقة والثلاث بعدها ; لأن ما أهل به لغير الله ، وما ذبح على النصب لا شأن للتذكية فيهما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير :
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الأول وهو أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم استثناء من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لأن كل ذلك مستحق الصفة التي هو بها قبل حال موتها ، فيقال لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم : هو ما أهل به لغير الله ، وكذلك المنخنقة إذا انخنقت وإن لم تمت فهي منخنقة ، وكذلك سائر ما حرمه الله - تعالى - ما عدا ما أهل به لغير الله إلا بالتذكية المحللة دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا . اهـ .
ثم أورد
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير سؤالا وأجاب عنه ، فقال : فإن قال لنا قائل : فإذا كان ذلك معناه عندك فما وجه تكريره ما كرر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية ، وقد افتتح الآية بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة ؟ وقد علمت أنه شامل كل ميت كان موته حتف أنفه من علة به غير جناية أحد عليه ؟ أو كان موته من ضرب ضارب إياه ، أو انخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع ، وهلا كان قوله - إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك من أنه معني بالتحريم في كل ذلك الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك ، دون أن يكون معنيا به تحريمه إذا تردى
[ ص: 117 ] أو انخنق أو فرسه السبع ، فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة - مغنيا من تكرير ما كرر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به والمنخنقة وسائر ما ذكر مع ذلك ، وتعديده ما عدد ؟ قيل : وجه تكراره ذلك ، وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف ، وقد تقدم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة أن الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا لا يعدون الميتة من الحيوان إلا ما مات من علة عارضة به غير الانخناق والتردي والانتطاح وفرس السبع ، فأعلمهم الله أن حكم ذلك حكم ما مات من العلل العارضة ، وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها ، ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أحل ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به . اهـ .
وقد أيد رأيه هذا برواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في المنخنقة وما بعدها ، قال : هذا حرام لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ، ولا يعدونه ميتا ، إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع ، فحرمه الله عليهم إلا ما ذكروا اسم الله عليه ، وأدركوا ذكاته وفيه الروح . اهـ . وقد أخطأ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في سياقه هذا بما ذكر من العلة ، وبالتعبير فيه بلفظ الذبح بدل لفظ التذكية الذي هو تعبير القرآن ، والتذكية أعم من الذبح كما سيأتي ، وقد ثبت أن المتردية في بئر إذا طعنت في أي جزء من بدنها ، فكان ذلك هو المتمم لموتها عد تذكية ، وحل أكلها ، وما هو بالذي يجهل هذا ، ولكن الاستعمال الغالب ينسي الإنسان غيره أحيانا فيعبر به وقد يريد به المثال ، ثم إن ذلك من الميتة ، وهي أخص من عبارته هو . وأقول : إنه ليس المراد بذلك أنهم لا يعدونها من الميتة لغة ، بل المراد أن العرب كانت تعاف أكل الميتة ، إلا أن بعضهم كان لا يعاف منها إلا ما جهل سبب موته ، وأما ما عرف - كالمنخنقة والموقوذة إلى آخر ما ذكر في الآية - فلم يكونوا يعافونه .
وجملة القول في أصل المسألة : أن الله - تعالى - أحل أكل بهيمة الأنعام ، وسائر الطيبات من الحيوان : ما دب منه على الأرض وما طار في الهواء وما سبح في البحر ، ولم يحرم على سبيل التعيين إلا الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله . ولما كان بعض العرب
nindex.php?page=treesubj&link=16975يذبح الحيوان على اسم غير الله ، وهو شرك وفسق ، وبعضهم يأكل بعض أنواع الميتة ، بل كان بعضهم يأكل كل ميتة ، سهل ذلك عليه عدمه وفقره ، وهم الذين كانوا يقولون
[ ص: 118 ] لم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ، ولما كان ذلك مظنة الضرر وفيه شيء من مهانة النفس ، جعل الله - تعالى - حل أكل المسلم لذلك منوطا بأن يكون إتمام موته والإجهاز عليه بفعله هو ; ليذكر اسم الله على ما بدئ بالإهلال به لغير الله عند إزهاق روحه ، فلا يكون من عمل الشرك ، ولئلا يقع في مهانة أكل الميتة وخسة صاحبها بأكله المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وفريسة السبع ، وناهيك بما في الموقوذة من إقرار واقذها على قسوته وظلمه للحيوان ، وهو محرم شرعا .
ويكفي في صحة إدراك ذكاة ما ذكر أن يكون فيه رمق من الحياة عند جمهور مفسري السلف ، وقال بعض الفقهاء : لا بد أن تكون فيه حياة مستقرة ، وعلامتها انفجار الدم والحركة العنيفة . روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
الحسن أنه قال في بيان ما تدرك ذكاته من هذه الأشياء : إذا طرفت بعينها أو ضربت بذنبها ، وفي رواية أخرى عنه عنده : إذا كانت الموقوذة تطرف ببصرها أو تركض - تضرب - برجلها أو تمصع بذنبها - تحركه - فاذبح وكل . وعن
قتادة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم قال : فكل هذا الذي سماه الله ، عز وجل ، ههنا ما خلا لحم الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة تركض فذكيته فقد أحل الله ذلك . وفي رواية أخرى عنه : إلا ما ذكيتم من هذا كله ، فإذا وجدتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها من هذا كله فهي لك حلال ، وعن
علي كرم الله وجهه قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة ، وهي تحرك يدا أو رجلا ، فكلها . وفي رواية أخرى عنه عنده أيضا : إذا ركضت برجلها أو طرفت بعينها أو حركت ذنبها فقد أجزى . وعن
الضحاك : كان أهل الجاهلية يأكلون هذا فحرم الله في الإسلام إلا ما ذكي منه ، فما أدرك فتحرك منه رجل أو ذنب أو طرف ، فذكي فهو حلال . وروي القول الآخر عن
مالك قال : حدثني
يوسف عن
أشهب ، قال : سئل
مالك عن السبع يعدو على الكبش ، فيدق ظهره ، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ؟ قال : إن كان بلغ السحر فلا أرى أن يؤكل ، وإن كان إنما أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأسا ، قيل له : وثب عليه فدق ظهره ، قال : لا يعجبني أن يؤكل ، هذا لا يعيش منه ، قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ، ولا يشق الأمعاء ، قال : إذا شق بطنها ، فلا أرى أن تؤكل ، ( قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ) وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم استثناء منقطعا ، ثم بين أن هذا مرجوح ، وأن الصواب غيره ، وقد نقلنا عبارته في أول هذا البحث .
أما الذكاء والذكاة والتذكية والإذكاء فمعناها في أصل اللغة : إتمام فعل خاص أو تمامه ، لا مجرد إيقاع ذلك الفعل أو وقوعه ، يقال : ذكت النار تذكو ذكوا وذكا وذكاء : إذا تم اشتعالها ،
[ ص: 119 ] والشمس إذا اشتدت حرارتها كأتم ما يعتاد وأكمله ، وذكى الرجل - كرمى ورضى - نمت فطنته ، وأذكى النار وذكاها تذكية . وذكى البهيمة : إذا أزهق روحها ، وإن بدأ بذلك غيره ، أو عرضت لها علة توجبه لو تركت ، إذ العبرة بالتمام ، قال في لسان العرب : الذكاء شدة وهج النار ، يقال : ذكيت النار : إذا أتممت إشعالها ورفعها . وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إلا ما ذكيتم ذبحه على التمام ، والذكا تمام إيقاد النار مقصور يكتب بالألف . اهـ .
أقول : ذكر الذبح مثال ، ومثله غيره مما تتم به الإماتة ; كنحر البعير وطعن المتردية في البئر والحفرة ، وخنق الجارح الصيد . والذكاء : السن - العمر - أيضا . يقال : بلغت الدابة الذكاء أي السن ، وأصله أنهم يعرفون أعمارها برؤية أسنانها ، ومنه : " جري المذكيات غلاب " وهي الخيل تمت قوتها ، وأشرفت على النقص ; فهي تغالب الجري مغالبة ، وذكى الرجل - بالتشديد - أسن وبدن . وفي السن معنى التمام ، قال في اللسان : وتأويل تمام السن النهاية في الشباب ، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له الذكاء ، والذكاء في الفهم : أن يكون فهما سريع القبول .
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري في ذكاء الفهم والذبح : إنه التمام ، وإنهما ممدودان . اهـ . ثم نقل أقوالا عن اللغويين في كون الذبح والنحر ذكاة ، وذكر أقوال بعضهم في تفسير الآية ، وقال :
nindex.php?page=treesubj&link=16914وأصل الذكاة في اللغة إتمام الشيء ; فمن ذلك : الذكاء في السن والفهم . اهـ .
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=treesubj&link=17133_17113خزق حديدة المعراض وقتل الكلب ( ونحوه ) للصيد ذكاة ; ففي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم في الصحيحين وغيرهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919282إذا رميت بالمعراض فخزق ، فكله ، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله ، وفي رواية : إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ؛ فإن أخذ الكلب ذكاة ، قال صاحب منتقى الأخبار عند إيراد هذا الحديث المتفق عليه : وهو دليل على الإباحة سواء قتله الكلب جرحا أو خنقا ، والمعراض - كما في اللسان - بالكسر : سهم يرمى به بلا ريش ولا نصل يمضي عرضا ; فيصيب بعرض العود لا بحده . اهـ . وإنما يصيب بحده ، أي طرف العود الدقيق الذي يخزق ، أي يخدش ، إذا كان الصيد قريبا كما في شرح القاموس . وقيل : هو خشبة ثقيلة في آخرها عص محدد رأسها ، وقد لا يحدد ، وقوى هذا القول
النووي في شرح
مسلم تبعا
nindex.php?page=showalam&ids=14961للقاضي عياض . وقال
القرطبي : إنه المشهور . وقال
ابن التين : المعراض : عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد ، فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل ، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ . اهـ . والأول أظهر وهو المقدم في معاجم اللغة ، ولعل للمعراض أنواعا . والشاهد أن خدش المعراض وقتل الكلب يعد تذكية لغة وشرعا ; لأنه مما يدخل
[ ص: 120 ] في قصد الإنسان إلى قتل الحيوان لأجل أكله لا تعذيبه ، وفي حديث أبي ثعلبة عند
مسلم مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919283إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكله ما لم ينتن .
ولما كانت التذكية المعتادة في الغالب لصغار الحيوانات المقدور عليها ، هي الذبح - كثر التعبير به ، فجعله الفقهاء هو الأصل وظنوا أنه مقصود بالذات لمعنى فيه ، فعلل بعضهم مشروعية الذبح بأنه يخرج الدم من البدن الذي يضر بقاؤه فيه ، لما فيه من الرطوبات والفضلات ، ولهذا اشترطوا فيه
nindex.php?page=treesubj&link=16934_16933قطع الحلقوم والودجين والمريء على خلاف بينهم في تلك الشروط . وإن هذا لتحكم في الطب والشرع بغير بينة ، ولو كان الأمر كما قالوا لما أحل
nindex.php?page=treesubj&link=17133الصيد الذي يأتي به الجارح ميتا ،
nindex.php?page=treesubj&link=33258وصيد السهم والمعراض إذا خزق ; لأن هذا الخزق لا يخرج الدم الكثير كما يخرجه الذبح ، والصواب أن الذبح كان ولا يزال أسهل أنواع التذكية على أكثر الناس ; فلذلك اختاروه وأقرهم الشرع عليه ; لأنه ليس فيه من تعذيب الحيوان ما في غيره من أنواع القتل ، كما أقرهم على صيد الجوارح والسهم والمعراض ونحو ذلك ، وإني لأعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا ضرر فيها - كالتذكية بالكهربائية إن صح هذا الوصف فيها - لفضلها على الذبح ، لأن قاعدة شريعته أنه لا يحرم على الناس إلا ما فيه ضرر لأنفسهم أو غيرهم من الأحياء ، ومنه تعذيب الحيوان بالوقذ ونحوه ، وأمور العادات في الأكل واللباس ليست مما يتعبد الله الناس تعبدا بإقرارهم عليه ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=27061_28446_22022تكون أحكام العبادة بنصوص من الشارع تدل عليها ، ولا يعرف مراد الشارع وحكمته في مسألة من المسائل إلا بفهم كل ما ورد فيها بجملته ، ولو كان إقرار الناس على الشيء من العادات أو استئناف الشارع لها حجة على التعبد بها ، لوجب على المسلمين اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كيفية أكله وشربه ونومه ، بل هنالك ما هو أجدر بالوجوب كالتزام صفة مسجده ، وحينئذ يحرم فرشه ووضع السرج والمصابيح فيه .
وقد تأملنا مجموع ما ورد في التذكية ، ففقهنا أن غرض الشارع منها اتقاء تعذيب الحيوان بقدر الاستطاعة ، فأجاز ما أنهر الدم وما مراه أو أمراه أو أمره ، وهو دون " أنهره " في معنى إخراجه أو إسالته ، وأمر بأن تحد الشفار ، وألا يقطع شيء من بدن الحيوان قبل أن تزهق روحه ، وأجاز النحر والذبح حتى بالظرار ; أي بالحجارة المحددة ، وبالمرو ، أي الحجر الأبيض ، وقيل الذي تقدح منه النار ، وبشق العصا ، وهذا دون السكين غير المحدد بالشحذ ، ولكل وقت وحال ما يناسبهما ، فإذا تيسر الذبح بسكين حاد لا يعدل إلى ما دونه ، وإذا تيسر في الذبح إنهار الدم ، يكون أسهل على الحيوان وأقل إيلاما له ، فلا يعدل عنه إلى مثل
[ ص: 121 ] طعن المتردية في ظهرها أو فخذها ، أو خزق المعراض وخدشه لأي عضو من البدن ، والرمي بالسهم للحيوان الكبير ذي الدم الغزير . روى
أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919284كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل ، فرماه رجل منهم بسهم فحبسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا ، ند البعير : نفر ، وحبسه : أثبته في مكانه إذا مات فيه برمية السهم . واستدل جمهور السلف بالحديث على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=33258_17082أكل ما رمي بالسهم فجرح في أي موضع من الجسد ، ولكن اشترطوا أن يكون وحشيا أو متوحشا أو نادا ، إلا أن
مالكا وشيخه
ربيعة ،
والليث nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، لم يجيزوا أكل المتوحش إلا بتذكيته في حلقه أو لبته أي : نحره .
( التَّاسِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33212مَا أَكَلَ السَّبُعُ ) أَيْ : مَا قَتَلَهُ بَعْضُ سِبَاعِ الْوُحُوشِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ ; لِيَأْكُلَهُ ، وَأَكْلُهُ مِنْهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّحْرِيمِ ، فَإِنَّ فَرْسَهُ إِيَّاهُ يُلْحِقُهُ بِالْمَيْتَةِ ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ . وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ بَعْضَ فَرَائِسِ السِّبَاعِ ، وَهُوَ مِمَّا تَأْنَفُهُ أَكْثَرُ الطِّبَاعِ ، وَلَا يَزَالُ النَّاسُ يَعُدُّونَ أَكْلَهُ ذِلَّةً وَمَهَانَةً ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَخْشَوْنَ مِنْهُ ضَرَرًا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ ، هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ حِلُّهَا عَلَى تَذْكِيَةِ الْإِنْسَانِ لَهَا ، أَيْ إِمَاتَتِهَا إِمَاتَةً شَرْعِيَّةً لِأَجْلِ أَكْلِهَا ، أَمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْأَخِيرِ ، وَهُوَ مَا أَكَلَ السَّبُعُ ؟ أَمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ التَّحْرِيمِ دُونَ الْمُحَرَّمَاتِ ; يُقْصَدُ بِهِ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا ذُكِرَ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ; أَيْ وَلَكِنْ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْكُمْ مَا ذَكَّيْتُمُوهُ بِفِعْلِكُمْ مِمَّا يُذَكَّى ؟ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ ، وَرَجَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَذِكْرِ الثَّالِثِ ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمُ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْمُنْخَنِقَةِ وَالثَّلَاثِ بَعْدَهَا ; لِأَنَّ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ لَا شَأْنَ لِلتَّذْكِيَةِ فِيهِمَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ :
وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ الصِّفَةَ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ حَالِ مَوْتِهَا ، فَيُقَالُ لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ : هُوَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُنْخَنِقَةُ إِذَا انْخَنَقَتْ وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ مُنْخَنِقَةٌ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَا عَدَا مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَةِ دُونَ الْمَوْتِ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا . اهـ .
ثُمَّ أَوْرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ سُؤَالًا وَأَجَابَ عَنْهُ ، فَقَالَ : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَكَ فَمَا وَجْهُ تَكْرِيرِهِ مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَسَائِرُ مَا عَدَّدَ تَحْرِيمَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَدِ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ شَامِلٌ كُلَّ مَيِّتٍ كَانَ مَوْتُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ غَيْرَ جِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ ؟ أَوْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ ضَرْبِ ضَارِبٍ إِيَّاهُ ، أَوِ انْخِنَاقٍ مِنْهُ أَوِ انْتِطَاحٍ أَوْ فَرْسِ سَبُعٍ ، وَهَلَّا كَانَ قَوْلُهُ - إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْمَيْتَةُ بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاحِ وَالْوَقْذِ وَأَكْلِ السَّبُعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمُهُ إِذَا تَرَدَّى
[ ص: 117 ] أَوِ انْخَنَقَ أَوْ فَرَسَهُ السَّبُعُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَيَاةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ - مُغْنِيًّا مِنْ تَكْرِيرِ مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَسَائِرِ مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ ، وَتَعْدِيدِهِ مَا عَدَّدَ ؟ قِيلَ : وَجْهُ تَكْرَارِهِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوفٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا لَا يَعُدُّونَ الْمَيْتَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ بِهِ غَيْرَ الِانْخِنَاقِ وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاحِ وَفَرْسِ السَّبُعِ ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا مَاتَ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ مَوْتَهَا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْلَ هَلَاكِهَا ، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحْهَا مَنْ أَحَلَّ ذَبِيحَتَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ . اهـ .
وَقَدْ أَيَّدَ رَأْيَهُ هَذَا بِرِوَايَةٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا ، قَالَ : هَذَا حَرَامٌ لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ ، وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا ، إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيِّتَ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْوَجَعِ ، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَدْرَكُوا ذَكَاتَهُ وَفِيهِ الرُّوحُ . اهـ . وَقَدْ أَخْطَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي سِيَاقِهِ هَذَا بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْعِلَّةِ ، وَبِالتَّعْبِيرِ فِيهِ بِلَفْظِ الذَّبْحِ بَدَلَ لَفْظِ التَّذْكِيَةِ الَّذِي هُوَ تَعْبِيرُ الْقُرْآنِ ، وَالتَّذْكِيَةُ أَعَمُّ مِنَ الذَّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَرَدِّيَةَ فِي بِئْرٍ إِذَا طُعِنَتْ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهَا ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَمِّمَ لِمَوْتِهَا عُدَّ تَذْكِيَةً ، وَحَلَّ أَكْلُهَا ، وَمَا هُوَ بِالَّذِي يَجْهَلُ هَذَا ، وَلَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْغَالِبَ يُنْسِي الْإِنْسَانَ غَيْرَهُ أَحْيَانًا فَيُعَبِّرُ بِهِ وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ الْمِثَالَ ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَيْتَةِ ، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ عِبَارَتِهِ هُوَ . وَأَقُولُ : إِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَهَا مِنَ الْمَيْتَةِ لُغَةً ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعَافُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ لَا يَعَافُ مِنْهَا إِلَّا مَا جَهِلَ سَبَبَ مَوْتِهِ ، وَأَمَّا مَا عَرَفَ - كَالْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ - فَلَمْ يَكُونُوا يَعَافُونَهُ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحَلَّ أَكْلَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَسَائِرِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْحَيَوَانِ : مَا دَبَّ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا طَارَ فِي الْهَوَاءِ وَمَا سَبَحَ فِي الْبَحْرِ ، وَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ إِلَّا الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ الْمَسْفُوحَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ، وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ . وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ
nindex.php?page=treesubj&link=16975يَذْبَحُ الْحَيَوَانَ عَلَى اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَهُوَ شِرْكٌ وَفِسْقٌ ، وَبَعْضُهُمْ يَأْكُلُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْمَيْتَةِ ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْكُلُ كُلَّ مَيْتَةٍ ، سَهَّلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَدَمُهُ وَفَقْرُهُ ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ
[ ص: 118 ] لِمَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ الضَّرَرِ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَهَانَةِ النَّفْسِ ، جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - حِلَّ أَكْلِ الْمُسْلِمِ لِذَلِكَ مَنُوطًا بِأَنْ يَكُونَ إِتْمَامَ مَوْتِهِ وَالْإِجْهَازِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ هُوَ ; لِيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا بُدِئَ بِالْإِهْلَالِ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ عِنْدَ إِزْهَاقِ رُوحِهِ ، فَلَا يَكُونُ مِنْ عَمَلِ الشِّرْكِ ، وَلِئَلَّا يَقَعَ فِي مَهَانَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَخِسَّةِ صَاحِبِهَا بِأَكْلِهِ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَفَرِيسَةِ السَّبُعِ ، وَنَاهِيكَ بِمَا فِي الْمَوْقُوذَةِ مِنْ إِقْرَارِ وَاقِذِهَا عَلَى قَسْوَتِهِ وَظُلْمِهِ لِلْحَيَوَانِ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا .
وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ إِدْرَاكِ ذَكَاةِ مَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَمَقٌ مِنَ الْحَيَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ : لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَعَلَامَتُهَا انْفِجَارُ الدَّمِ وَالْحَرَكَةُ الْعَنِيفَةُ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ ذَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَهُ : إِذَا كَانَتِ الْمَوْقُوذَةُ تَطْرِفُ بِبَصَرِهَا أَوْ تَرْكُضُ - تَضْرِبُ - بِرِجْلِهَا أَوْ تَمْصَعُ بِذَنَبِهَا - تُحَرِّكُهُ - فَاذْبَحْ وَكُلْ . وَعَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ قَالَ : فَكُلُّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، هَهُنَا مَا خَلَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِفُ أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّكُ أَوْ قَائِمَةً تَرْكُضُ فَذَكَّيْتَهُ فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ : إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ، فَإِذَا وَجَدْتَهَا تَطْرِفُ عَيْنَهَا أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَيْهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَهِيَ لَكَ حَلَالٌ ، وَعَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ ، وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا ، فَكُلْهَا . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَهُ أَيْضًا : إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبَهَا فَقَدْ أَجْزَى . وَعَنِ
الضَّحَّاكِ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ هَذَا فَحَرَّمَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ ، فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْلٌ أَوْ ذَنَبٌ أَوْ طَرَفَ ، فَذُكِّيَ فَهُوَ حَلَالٌ . وَرُوِيَ الْقَوْلُ الْآخَرُ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
يُوسُفُ عَنْ
أَشْهَبَ ، قَالَ : سُئِلَ
مَالِكٌ عَنِ السَّبُعِ يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ ، فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ ، أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَيُؤْكَلَ ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْرَ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافَهُ ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، قِيلَ لَهُ : وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ ، قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ ، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ ، قِيلَ لَهُ : فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ فَيَشُقُّ بَطْنَهَا ، وَلَا يَشُقُّ الْأَمْعَاءَ ، قَالَ : إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا ، فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ ، ( قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا مَرْجُوحٌ ، وَأَنَّ الصَّوَابَ غَيْرُهُ ، وَقَدْ نَقَلْنَا عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَحْثِ .
أَمَّا الذَّكَاءُ وَالذَّكَاةُ وَالتَّذْكِيَةُ وَالْإِذْكَاءُ فَمَعْنَاهَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ : إِتْمَامُ فِعْلٍ خَاصٍّ أَوْ تَمَامُهُ ، لَا مُجَرَّدَ إِيقَاعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ وُقُوعِهِ ، يُقَالُ : ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكْوًا وَذَكًا وَذَكَاءً : إِذَا تَمَّ اشْتِعَالُهَا ،
[ ص: 119 ] وَالشَّمْسُ إِذَا اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهَا كَأَتَمِّ مَا يُعْتَادُ وَأَكْمَلِهِ ، وَذَكَى الرَّجُلُ - كَرَمَى وَرَضَى - نَمَتْ فِطْنَتُهُ ، وَأَذْكَى النَّارَ وَذَكَّاهَا تَذْكِيَةً . وَذَكَّى الْبَهِيمَةَ : إِذَا أَزْهَقَ رُوحَهَا ، وَإِنْ بَدَأَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ ، أَوْ عَرَضَتْ لَهَا عِلَّةٌ تُوجِبُهُ لَوْ تُرِكَتْ ، إِذِ الْعِبْرَةُ بِالتَّمَامِ ، قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ : الذَّكَاءُ شِدَّةُ وَهَجِ النَّارِ ، يُقَالُ : ذَكَّيْتُ النَّارَ : إِذَا أَتْمَمْتَ إِشْعَالَهَا وَرَفْعَهَا . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ذَبْحُهُ عَلَى التَّمَامِ ، وَالذَّكَا تَمَامُ إِيقَادِ النَّارِ مَقْصُورٌ يَكْتُبُ بِالْأَلِفِ . اهـ .
أَقُولُ : ذِكْرُ الذَّبْحِ مِثَالٌ ، وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ الْإِمَاتَةُ ; كَنَحْرِ الْبَعِيرِ وَطَعْنِ الْمُتَرَدِّيَةِ فِي الْبِئْرِ وَالْحُفْرَةِ ، وَخَنْقِ الْجَارِحِ الصَّيْدَ . وَالذَّكَاءُ : السِّنُّ - الْعُمُرُ - أَيْضًا . يُقَالُ : بَلَغَتِ الدَّابَّةُ الذَّكَاءَ أَيِ السِّنَّ ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَعْمَارَهَا بِرُؤْيَةِ أَسْنَانِهَا ، وَمِنْهُ : " جَرْي الْمُذْكِيَاتِ غِلَابٌ " وَهِيَ الْخَيْلُ تَمَّتْ قُوَّتُهَا ، وَأَشْرَفَتْ عَلَى النَّقْصِ ; فَهِيَ تُغَالِبُ الْجَرْيَ مُغَالَبَةً ، وَذَكَّى الرَّجُلُ - بِالتَّشْدِيدِ - أَسَنَّ وَبَدِنَ . وَفِي السِّنِّ مَعْنَى التَّمَامِ ، قَالَ فِي اللِّسَانِ : وَتَأْوِيلُ تَمَامِ السِّنِّ النِّهَايَةُ فِي الشَّبَابِ ، فَإِذَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ زَادَ فَلَا يُقَالُ لَهُ الذَّكَاءُ ، وَالذَّكَاءُ فِي الْفَهْمِ : أَنْ يَكُونَ فَهْمًا سَرِيعَ الْقَبُولِ .
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي ذَكَاءِ الْفَهْمِ وَالذَّبْحِ : إِنَّهُ التَّمَامُ ، وَإِنَّهُمَا مَمْدُودَانِ . اهـ . ثُمَّ نَقَلَ أَقْوَالًا عَنِ اللُّغَوِيِّينَ فِي كَوْنِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ ذَكَاةً ، وَذَكَرَ أَقْوَالَ بَعْضِهِمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=16914وَأَصْلُ الذَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ إِتْمَامُ الشَّيْءِ ; فَمِنْ ذَلِكَ : الذَّكَاءُ فِي السِّنِّ وَالْفَهْمِ . اهـ .
وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=treesubj&link=17133_17113خَزْقَ حَدِيدَةِ الْمِعْرَاضِ وَقَتْلَ الْكَلْبِ ( وَنَحْوِهُ ) لِلصَّيْدِ ذَكَاةً ; فَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=76عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919282إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ ، فَكُلْهُ ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ ؛ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ ، قَالَ صَاحِبُ مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ عِنْدَ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْكَلْبُ جَرْحًا أَوْ خَنْقًا ، وَالْمِعْرَاضُ - كَمَا فِي اللِّسَانِ - بِالْكَسْرِ : سَهْمٌ يُرْمَى بِهِ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْلٍ يَمْضِي عَرْضًا ; فَيُصِيبُ بِعَرْضِ الْعُودِ لَا بِحَدِّهِ . اهـ . وَإِنَّمَا يُصِيبُ بِحَدِّهِ ، أَيْ طَرَفِ الْعُودِ الدَّقِيقِ الَّذِي يَخْزِقُ ، أَيْ يَخْدِشُ ، إِذَا كَانَ الصَّيْدُ قَرِيبًا كَمَا فِي شَرْحِ الْقَامُوسِ . وَقِيلَ : هُوَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ فِي آخِرِهَا عَصً مُحَدَّدٌ رَأْسُهَا ، وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ ، وَقَوَّى هَذَا الْقَوْلَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ تَبَعًا
nindex.php?page=showalam&ids=14961لِلْقَاضِي عِيَاضٍ . وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : إِنَّهُ الْمَشْهُورُ . وَقَالَ
ابْنُ التِّينِ : الْمِعْرَاضُ : عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي بِهَا الصَّائِدُ ، فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ ، وَمَا أَصَابَ بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ . اهـ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي مَعَاجِمِ اللُّغَةِ ، وَلَعَلَّ لِلْمِعْرَاضِ أَنْوَاعًا . وَالشَّاهِدُ أَنَّ خَدْشَ الْمِعْرَاضِ وَقَتْلَ الْكَلْبِ يُعَدُّ تَذْكِيَةً لُغَةً وَشَرْعًا ; لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ
[ ص: 120 ] فِي قَصْدِ الْإِنْسَانِ إِلَى قَتْلِ الْحَيَوَانِ لِأَجْلِ أَكْلِهِ لَا تَعْذِيبِهِ ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919283إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ .
وَلَمَّا كَانَتِ التَّذْكِيَةُ الْمُعْتَادَةُ فِي الْغَالِبِ لِصِغَارِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهَا ، هِيَ الذَّبْحُ - كَثُرَ التَّعْبِيرُ بِهِ ، فَجَعَلَهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ الْأَصْلَ وَظَنُّوا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ لِمَعْنًى فِيهِ ، فَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ مَشْرُوعِيَّةَ الذَّبْحِ بِأَنَّهُ يُخْرِجُ الدَّمَ مِنَ الْبَدَنِ الَّذِي يَضُرُّ بَقَاؤُهُ فِيهِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَاتِ وَالْفَضَلَاتِ ، وَلِهَذَا اشْتَرَطُوا فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=16934_16933قَطْعَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِّيءِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي تِلْكَ الشُّرُوطِ . وَإِنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فِي الطِّبِّ وَالشَّرْعِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَمَا أُحِلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17133الصَّيْدُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْجَارِحُ مَيِّتًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=33258وَصَيْدُ السَّهْمِ وَالْمِعْرَاضِ إِذَا خَزَقَ ; لِأَنَّ هَذَا الْخَزْقَ لَا يُخْرِجُ الدَّمَ الْكَثِيرَ كَمَا يُخْرِجُهُ الذَّبْحُ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الذَّبْحَ كَانَ وَلَا يَزَالُ أَسْهَلَ أَنْوَاعِ التَّذْكِيَةِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ ; فَلِذَلِكَ اخْتَارُوهُ وَأَقَرَّهُمُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ مَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ ، كَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَى صَيْدِ الْجَوَارِحِ وَالسَّهْمِ وَالْمِعْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنِّي لَأَعْتَقِدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوِ اطَّلَعَ عَلَى طَرِيقَةٍ لِلتَّذْكِيَةِ أَسْهَلَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَلَا ضَرَرَ فِيهَا - كَالتَّذْكِيَةِ بِالْكَهْرَبَائِيَّةِ إِنْ صَحَّ هَذَا الْوَصْفُ فِيهَا - لَفَضَّلَهَا عَلَى الذَّبْحِ ، لِأَنَّ قَاعِدَةَ شَرِيعَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى النَّاسِ إِلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ ، وَمِنْهُ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ بِالْوَقْذِ وَنَحْوِهِ ، وَأُمُورُ الْعَادَاتِ فِي الْأَكْلِ وَاللِّبَاسِ لَيْسَتْ مِمَّا يَتَعَبَّدُ اللَّهُ النَّاسَ تَعَبُّدًا بِإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=27061_28446_22022تَكُونُ أَحْكَامُ الْعِبَادَةِ بِنُصُوصٍ مِنَ الشَّارِعِ تَدُلُّ عَلَيْهَا ، وَلَا يُعْرَفُ مُرَادُ الشَّارِعِ وَحِكْمَتُهُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْمَسَائِلِ إِلَّا بِفَهْمِ كُلِّ مَا وَرَدَ فِيهَا بِجُمْلَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ إِقْرَارُ النَّاسِ عَلَى الشَّيْءِ مِنَ الْعَادَاتِ أَوِ اسْتِئْنَافُ الشَّارِعِ لَهَا حُجَّةً عَلَى التَّعَبُّدِ بِهَا ، لَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَيْفِيَّةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ ، بَلْ هُنَالِكَ مَا هُوَ أَجْدَرُ بِالْوُجُوبِ كَالْتِزَامِ صِفَةِ مَسْجِدِهِ ، وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ فَرْشُهُ وَوَضْعُ السُّرُجِ وَالْمَصَابِيحِ فِيهِ .
وَقَدْ تَأَمَّلْنَا مَجْمُوعَ مَا وَرَدَ فِي التَّذْكِيَةِ ، فَفَقِهْنَا أَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ مِنْهَا اتِّقَاءُ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَأَجَازَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَمَا مَرَاهُ أَوْ أَمْرَاهُ أَوْ أَمَرَّهُ ، وَهُوَ دُونَ " أَنْهَرَهُ " فِي مَعْنَى إِخْرَاجِهِ أَوْ إِسَالَتِهِ ، وَأَمَرَ بِأَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ ، وَأَلَّا يُقْطَعَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِ الْحَيَوَانِ قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ رُوحُهُ ، وَأَجَازَ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ حَتَّى بِالظِّرَارِ ; أَيْ بِالْحِجَارَةِ الْمُحَدَّدَةِ ، وَبِالْمَرْوِ ، أَيِ الْحَجَرِ الْأَبْيَضِ ، وَقِيلَ الَّذِي تُقْدَحُ مِنْهُ النَّارُ ، وَبِشَقِّ الْعَصَا ، وَهَذَا دُونَ السِّكِّينِ غَيْرِ الْمُحَدَّدِ بِالشَّحْذِ ، وَلِكُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ مَا يُنَاسِبُهُمَا ، فَإِذَا تَيَسَّرَ الذَّبْحُ بِسِكِّينٍ حَادٍّ لَا يَعْدِلُ إِلَى مَا دُونَهُ ، وَإِذَا تَيَسَّرَ فِي الذَّبْحِ إِنْهَارُ الدَّمِ ، يَكُونُ أَسْهَلَ عَلَى الْحَيَوَانِ وَأَقَلَّ إِيلَامًا لَهُ ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى مِثْلِ
[ ص: 121 ] طَعْنِ الْمُتَرَدِّيَةِ فِي ظَهْرِهَا أَوْ فَخْذِهَا ، أَوْ خَزْقِ الْمِعْرَاضِ وَخَدْشِهِ لِأَيِّ عُضْوٍ مِنَ الْبَدَنِ ، وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ لِلْحَيَوَانِ الْكَبِيرِ ذِي الدَّمِ الْغَزِيرِ . رَوَى
أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=46رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919284كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا ، نَدَّ الْبَعِيرُ : نَفَرَ ، وَحَبَسَهُ : أَثْبَتَهُ فِي مَكَانِهِ إِذَا مَاتَ فِيهِ بِرَمْيَةِ السَّهْمِ . وَاسْتَدَلَّ جُمْهُورُ السَّلَفِ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=33258_17082أَكْلِ مَا رُمِيَ بِالسَّهْمِ فَجُرِحَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَسَدِ ، وَلَكِنِ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ وَحَشِيًّا أَوْ مُتَوَحِّشًا أَوْ نَادًّا ، إِلَّا أَنَّ
مَالِكًا وَشَيْخَهُ
رَبِيعَةَ ،
وَاللَّيْثَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، لَمْ يُجِيزُوا أَكْلَ الْمُتَوَحِّشِ إِلَّا بِتَذْكِيَتِهِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لُبَتِّهِ أَيْ : نَحْرِهِ .