[ ص: 33 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28971بسم الله الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
لا أذكر ما قاله الأستاذ الإمام في البسملة ، من حيث لفظها وإعرابها ، وهل هي آية أو جزء آية من الفاتحة أو ليست منها ؟ فإن الخلاف في ذلك مشهور ، وقد اختصر الأستاذ القول فيه اختصارا وقال : إنها على كل حال من القرآن فنتكلم عليها كسائر الآيات .
وأقول الآن : أجمع المسلمون على أن البسملة من القرآن وأنها جزء آية من سورة النمل . واختلفوا في مكانها من سائر السور ، فذهب إلى أنها آية من كل سورة علماء السلف من
أهل مكة فقهائهم وقرائهم ومنهم
ابن كثير ،
وأهل الكوفة ومنهم
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي من القراء ، وبعض الصحابة والتابعين من
أهل المدينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في الجديد وأتباعه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأحمد في أحد قوليه ،
والإمامية ، ومن المروي عنهم ذلك من علماء الصحابة :
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، ومن علماء التابعين
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ، وأقوى حججهم في ذلك إجماع الصحابة ومن بعدهم على إثباتها في المصحف أول كل سورة سوى سورة براءة ( التوبة ) مع الأمر بتجريد القرآن عن كل ما ليس منه ، ولذلك لم يكتبوا ( آمين ) في آخر الفاتحة ، وأحاديث منها ما أخرجه
مسلم في صحيحه من حديث
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003116أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم " وروى
أبو داود بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918564أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعرف فصل السورة - وفي رواية انقضاء السورة - حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم " .
وأخرجه
الحاكم في المستدرك ، وقال صحيح على شرط الشيخين . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003117قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قرأتم الحمد لله ( أي سورة " الحمد لله " ) فاقرأوا ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) فإنها أم القرآن والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى [ ص: 34 ] آياتها " وذهب
مالك وغيره من
علماء المدينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وغيره من
علماء الشام ،
وأبو عمرو ويعقوب من
قراء البصرة إلى أنها آية مفردة أنزلت لبيان رءوس السور والفصل بينها ، وعليه
الحنفية ، وقال
حمزة من
قراء الكوفة وروي عن
أحمد : أنها آية من الفاتحة دون غيرها ، وثمة أقوال أخرى شاذة .
هذا - وقد قال الأستاذ الإمام : القرآن إمامنا وقدوتنا ، فافتتاحه بهذه الكلمة إرشاد لنا بأن نفتتح أعمالنا بها فما معنى هذا ؟ ليس معناه أن نفتتح أعمالنا باسم من أسماء الله تعالى بأن نذكره على سبيل التبرك أو الاستعانة به ، بل أن نقول هذه العبارة :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) فإنها مطلوبة لذاتها .
أقول الآن :
nindex.php?page=treesubj&link=29448الاسم هو اللفظ الذي يدل على ذات من الذوات كحجر وخشب وزيد ، أو معنى من المعاني كالعلم والفرح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده : هو اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض . وقال
الراغب : الاسم ما يعرف به ذات الشيء وأصله . وقال كثيرون : إنه مشتق من السمو ، وإن أصله سمو ؛ لأن تصغيره سمي وجمعه أسماء .
والسمو : العلو ، كأن الاسم يعلو مسماه بكونه عنوانا له ودليلا عليه . وقال آخرون : إنه من السمة ، وهي العلامة ، وأصله وسم . وقال بعض الباحثين في الكلام والفلسفة : إن الاسم يطلق على نفس الذات والحقيقة والوجود والعين - وهي عندهم أسماء مترادفة - وهذا القول ليس من اللغة في شيء ، ولا هو من الفلسفة النافعة ، بل من الفلسفة الضارة ، وإن قال
الألوسي بعد نقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك والسهيلي : " وممن يعض عليه بالنواجذ " بل لا ينبغي أن يذكر مثل هذا القول إلا لأجل النهي عن إضاعة الوقت في قراءة ما بني عليه من السفسطة في إثبات قول القائلين : إن الاسم عين المسمى . وقد كتبوا لغوا كثيرا في هذه المسألة ، وقلما ترى أحدا رضي كلام غيره فيها ، ولكن قد يرضيه كلام نفسه الذي يؤيد به ما لم يفهمه من كلام غيره .
والحق أن الاسم : هو اللفظ الذي ينطق به لسانك ويكتبه قلمك ، كقولك : الشمس أو زيد أو
مكة . والمسمى : هو الكوكب المعروف أو الشخص المعين أو البلد المحدد ، وقد يكون بعيدا عنك عند إطلاق الاسم . ولفظ " اسم " اسم لهذا النوع من اللفظ الذي يدل على الجواهر والأعراض ، دون الأحداث التي تسمى في النحو أفعالا . ومدلوله مثل مدلول لفظ إنسان يطلق على أفراد كثيرة كلفظ " الشمس " الذي تنطق به وتكتبه ، ولفظ " زيد " ولفظ "
مكة " ، وغير ذلك من أسماء الموجودات . فالاسم غير المسمى في اللغة ، وقد أخطأ من نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه غير هذا كما قال
ابن القيم ، بل قال في كتابه ( بدائع الفوائد ) : ما قال نحوي قط ولا عربي إن الاسم عين المسمى ، وذكر بعض من قال باتحاد الاسم والمسمى بالتسمية وبين الخطأ في ذلك . وأن معنى " (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى " سبح ربك ذاكرا اسمه الأعلى ، ومعنى " سبح باسم ربك " سبحه ناطقا باسمه العظيم .
[ ص: 35 ] ومنشأ الاشتباه عند بعضهم أن الله تعالى أمرنا بذكره و تسبيحه في آيات ، وبذكر اسمه وتسبيح اسمه في آيات أخرى ، فقال تعالى : ( واذكر اسم ربك و تبتل إليه تبتيلا ) ( 73 : 89 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=25واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ) ( 76 : 25 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) ( 22 : 40 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ) ( 6 : 118 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) ( 6 : 119 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فاذكروا اسم الله عليها صواف ) ( 22 : 36 ) أي البدن عند نحرها ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) ( 33 : 41 - 42 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ) ( 2 : 198 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا 2 ) ( : 200 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ( 3 : 191 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) ( 4 : 103 ) . وقال تعالى في التسبيح : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ) ( 7 : 206 ) أي يسبحون ربك فعدى التسبيح بنفسه إلى ضمير الرب كما عداه بنفسه إلى اسم الرب في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى ) ( 87 : 1 ) وبالباء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم ) ( 56 : 74 ، 96 ) . وقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سبح لله ما في السماوات والأرض ) ( 57 : 1 ) ومثله كثير . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله ) ( 23 : 14 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان ) ( 25 : 1 ) كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تبارك اسم ربك ) ( 55 : 78 ) .
رأى بعضهم أن يجمع بين هذه الآيات بجعل الاسم عين المسمى ، وأن ذكر الله وذكر اسمه وتسبيحه وتسبيح اسمه واحد ؛ لأن اسمه عين ذاته ، وأن هذا خير من القول بأن لفظ " اسم " مقحم زائد . والصواب أن الذكر في اللغة ضد النسيان ، وهو ذكر القلب ، ولذلك قرنه بالتفكر في سورة آل عمران ( 3 : 191 ) وهما عبادتان قلبيتان ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) ( 18 : 24 ) ويطلق الذكر أيضا على النطق باللسان ؛ لأنه دليل على ذكر القلب وعنوان وسبب له ، وإنما يذكر اللسان اسم الله تعالى كما يذكر من كل الأشياء أسماءها ، دون ذوات مسمياتها ، فإذا قال : " نار " لا يقع جسم النار على لسانه فيحرقه ، وإذا قال الظمآن : " ماء " لا يحصل مسمى هذا اللفظ في فيه فينقع غلته ، فذكر الله تعالى في القلب هو تذكر عظمته وجلاله وجماله ونعمه ، وورد التصريح بالأمر بذكر نعمة الله وآلاء الله . وذكره باللسان هو ذكر أسمائه الحسنى وإسناد الحمد والشكر والثناء إليها ، وكذلك تسبيحه تعالى ، فالقلب يسبحه باعتقاد كماله وتذكر تنزيهه عما لا يليق به ، واللسان يسبحه بإضافة التسبيح إلى أسمائه من غير ذكر للفظ الاسم . روى
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه والحاكم في " مستدركه "
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في " صحيحه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918565عن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال : لما نزلت ( nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم " قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوها في ركوعكم " فلما نزلت ( nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى " قال : " اجعلوها في سجودكم " والمراد أن يقولوا : " سبحان ربي العظيم " لا "
[ ص: 36 ] سبحان اسم ربي العظيم " فقد روى
أحمد وأصحاب السنن الأربعة وصححه
الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=918566عن حذيفة قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول في ركوعه : " سبحان ربي العظيم " وفي سجوده " سبحان ربي الأعلى " . ولهذا ورد في الكلام عن الذبائح ذكر اسم الله عليها " (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه " وتقدم آنفا ذكر عدة آيات في هذا - فعلم من هذا التحقيق : أن الاسم غير المسمى ، وأن ذكر الاسم مشروع ، وذكر المسمى مشروع . والفرق بينهما ظاهر كالصبح ، وكذلك التسبيح والتبارك ، فكما يعظم الله يعظم اسمه الكريم ، فيذكر مقرونا بالحمد والشكر والثناء والتقديس . وقد صرحوا بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30540تعمد إهانة أسماء الله تعالى في اللفظ والكتابة كفر ؛ لأنه لا يمكن أن يأتي من مؤمن . ا هـ . ما زدته الآن .
وقال الأستاذ الإمام ما معناه عندما تقول : إنني أذكر اسم الله تعالى كالعزيز والحكيم ، لا تعني أنك تذكر لفظ " اسم " فلو كان قولهم : إن المراد من الابتداء بالكلمة " بسم الله " التبرك باسم الله هو الصواب لكان ينبغي أن يكون قولك : " بالله الرحمن الرحيم " مثل " (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم " وقوله تعالى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بسم الله مجراها ومرساها " وقد قال بعضهم : إن الإضافة هاهنا للبيان ، أي أفتتح كلامي بسم الله ، ولكن يقتضي أن يكون لفظ " الرحمن الرحيم " واردا على اللفظ وهو غير صحيح . وإرادة أن الأسماء الثلاثة هي المبينة للفظ الاسم تمحل ظاهر ، فما المقصود إذا من هذا التعبير ؟
مثل هذا التعبير مألوف عند جميع الأمم ، ومنهم العرب ، وهو أن الواحد منهم إذا أراد أن يفعل أمرا ما لأجل أمير أو عظيم بحيث يكون متجردا من نسبته إليه ومنسلخا عنه ، يقول : أعمله باسم فلان ، ويذكر اسم ذلك الأمير أو السلطان ؛ لأن اسم الشيء دليل وعنوان عليه ، فإذا كنت أعمل عملا لا يكون له وجود ولا أثر ، لولا السلطان الذي به أمر ، أقول إن عملي هذا باسم السلطان أي إنه معنون باسمه ولولاه لما عملته . فمعنى أبتدئ عملي (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) أنني أعمله بأمره وله لا لي ، ولا أعمله باسمي مستقلا به على أنني فلان . فكأني أقول : إن هذا العمل لله لا لحظ نفسي . وفيه وجه آخر وهو : أن القدرة التي أنشأت بها العمل هي من الله تعالى ، فلولا ما منحني منها لم أعمل شيئا ، فلم يصدر عني هذا العمل إلا باسم الله ولم يكن باسمي ، إذ لولا ما آتاني من القوة عليه لم أستطع أن آتيه .
وقد تم هذا المعنى بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرحمن الرحيم ) كما هو ظاهر . وحاصل المعنى أنني أعمل عملي متبرئا من أن يكون باسمي ، بل هو باسمه تعالى ، لأنني استمد القوة والعناية منه وأرجو إحسانه عليه ، فلولاه لم أقدر عليه ولم أعمله ، بل وما كنت عاملا له على تقدير القدرة عليه ، لولا أمره ورجاء فضله ، فلفظ الاسم معناه مراد ، ومعنى لفظ الجلالة مراد أيضا ، وكذلك كل من لفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرحمن الرحيم . وهذا الاستعمال معروف مألوف في كل اللغات . وأقربه إليكم اليوم ما ترونه في المحاكم النظامية حيث يبتدئون الأحكام قولا وكتابة باسم السلطان فلان أو الخديوي فلان .
[ ص: 37 ] nindex.php?page=treesubj&link=28971_28972ومعنى البسملة في الفاتحة أن جميع ما يقرر في القرآن من الأحكام والآيات وغيرها هو لله ومنه ، ليس لأحد غير الله فيه شيء ا هـ .
أقول : هذا صفوة ما قرره في متعلق " (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله " ومعناها ، وهاهنا نظر آخر فيه ، وهو أن القرآن كان وحيا يلقيه الروح الأمين في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل سورة منه مبتدأة ببسملة ، فمتعلق البسملة من ملك الوحي تعلم من أول آية نزل بها وهي قوله تعالى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقرأ باسم ربك " فمعنى البسملة الذي كان يفهمه النبي - صلى الله عليه وسلم - من روح الوحي : اقرأ يا
محمد هذه السورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم على عباده ، أي اقرأها على أنها منه تعالى لا منك ، فإنه برحمته بهم أنزلها عليك لتهديهم بها إلى ما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة . وعلى هذا كان يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - من متعلق البسملة أنني أقرأ السورة عليكم أيها الناس باسم الله لا باسمي ، وعلى أنها منه لا مني ، فإنما أنا مبلغ عنه - عز وجل - (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=12وأمرت لأن أكون أول المسلمين ) ( 39 : 12 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وأن أتلو القرآن ) ( 2 : 92 ) إلخ .
اختصر الأستاذ الإمام في الكلام على لفظ اسم ولفظ الجلالة ؛ لأن الكلام فيهما مشهور . وقد تكلمنا على اللفظ الأول ، وهاك جملة صالحة في اللفظ الآخر العظيم :
nindex.php?page=treesubj&link=28723لفظ الجلالة ( الله ) علم على ذات واجب الوجود ، قال
ابن مالك : وضع معرفا ، وقيل : أصله " إله " فحذفت همزته وأدخلت عليه الألف واللام ، وقيل : أصله الإله ، والإله في اللغة : يطلق على كل معبود ، ولذلك جمعوه على آلهة ، وما كل معبود سموه إلها يطلقون عليه اسم ( الله ) فإن هذا الاسم الكريم كان خاصا في لغتهم بخالق السماوات والأرض وكل شيء . فالتعريف فيه خصصه بالواحد الفرد الكامل ، كما جعلوا لفظ " النجم " بالتعريف خاصا بالثريا . فكان العربي في الجاهلية إذا سئل من خلقك أو من خلق السماوات والأرض ؟ يقول : " الله " وإذا سئل عن بعض آلهتهم : هل خلقت اللات والعزى شيئا من هذه الموجودات ؟ يقول : " لا " وقد احتج القرآن عليهم باعتقادهم هذا كما يأتي في محله . وإنما كانوا يتوسلون بها إلى الله ويعتقدون شفاعتها عنده .
قال بعض العلماء : إن لفظ " إله " من أله بمعنى عبد فهو بمعنى معبود ككتاب بمعنى المكتوب ، يقال : أله يأله إلاهة وألوهة وألوهية ، كما يقال عبد يعبد عبادة وعبودة وعبودية فهو صفة بمعنى اسم المفعول ، وقيل : هو من أله بمعنى تحير ، وقيل : من وله بمعنى تحير . وهو إذا استشكل من جهة اللفظ - لأنه تعالى منزه عن الحيرة - يصح أن يقال من جهة المعنى ، والمراد أنه سبب الحيرة . لأن الناظرين إذا ارتقوا في سلم أسباب التكوين ينتهون عند درجة الحيرة في معرفة الموجد الأول الذي هو موجود بنفسه لا بسبب ولا علة سابقة عليه ، وبه وجد كل ما عداه ، لا يستطيعون الوصول إلى حقيقة هذا الموجود العظيم الذي لا يعقل وجود هذه
[ ص: 38 ] الكائنات الممكنة إلا بوجوده حتى إن الملاحدة الماديين لما بحثوا في أصل الموجودات ، وارتقوا إلى معرفة البسائط التي تركبت منها الكائنات ، قالوا : إنه لا بد أن يكون لها منشأ وحده مجهول الذات ، ذو قوة وحياة .
والحاصل أن
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28723اسم الجلالة " الله " علم على ذات الباري سبحانه وتعالى تجري عليه الصفات ولا يوصف به . ولفظ " الإله " صفة . والجمهور على أن معناه الشرعي : المعبود بحق ، ولذلك أنكر القرآن عليهم تسمية أصنامهم آلهة ، والتحقيق أنه أنكر عليهم تأليهها وعبادتها ، لا مجرد تسميتها ، وقد سماها هو آلهة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ) ( 11 : 101 ) ولا يظهر في هذه الآية قصد الحكاية .
ومما يترتب على قولنا : أن لفظ الجلالة ( الله ) علم يوصف ولا يوصف به أن أسماء الله الحسنى صفات تجري على هذا الاسم العظيم ، ولكونها صفات وصفت بالحسنى . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ( 7 : 180 ) وتسند إليه تعالى أفعال هذه الصفات ، ويقال : رحم الله فلانا ، ويرحمه الله ، واللهم ارحم فلانا ، وتضاف إليه مصادرها فيقال : رحمة الله وربوبيته ومغفرته (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ( 7 : 56 ) وهذه الأسماء المشتقة كل منها يدل على ذات الله تعالى وعلى الصفة التي اشتق منها معا بالمطابقة ، وعلى الذات وحدها أو الصفة بالتضمن ، ولكل منها لوازم يدل عليها بالالتزام ، كدلالة الرحمن على الإحسان والإنعام ، ودلالة الحكيم على الإتقان والنظام ، ودلالة الرب على البعث والجزاء ؛ لأن الرب الكامل لا يترك مربوبيه سدى ، ومن عرف الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، عرف أن اسم الجلالة الأعظم ( الله ) يدل عليها كلها وعلى لوازمها الكمالية وعلى تنزهه عن أضدادها السلبية ، فدل هذا الاسم الأعلى على اتصاف مسماه بجميع صفات الكمال ، وتنزهه عن جميع النقائص ، فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ا هـ ما أحببت زيادته الآن .
قال الأستاذ الإمام ما معناه : والرحمن الرحيم مشتقان من الرحمة وهي معنى يلم بالقلب فيبعث صاحبه ويحمله على الإحسان إلى غيره ، وهو محال على الله تعالى بالمعنى المعروف عند البشر ؛ لأنه في البشر ألم في النفس شفاؤه الإحسان والله تعالى منزه عن الآلام والانفعالات ، فالمعنى المقصود بالنسبة إليه من الرحمة أثرها وهو الإحسان . وقد مشى
الجلال في تفسيره وتبعه
الصبان على أن الرحمن والرحيم بمعنى واحد ، وأن الثاني تأكيد للأول . ومن العجيب أن يصدر مثل هذا القول عن عالم مسلم وما هي إلا غفلة نسأل الله أن يسامح صاحبها .
[ ص: 39 ] ( قال ) : وأنا لا أجيز لمسلم أن يقول في نفسه أو بلسانه : إن في القرآن كلمة تغاير أخرى ، ثم تأتي لمجرد تأكيد غيرها بدون أن يكون لها في نفسها معنى تستقل به . نعم قد يكون في معنى الكلمة ما يزيد معنى الأخرى تقريرا أو إيضاحا ، ولكن الذي لا أجيزه هو أن يكون معنى الكلمة هو عين معنى الأخرى بدون زيادة ، ثم يؤتى بها لمجرد التأكيد لا غير بحيث تكون من قبيل ما يسمى
nindex.php?page=treesubj&link=20968_28905_28899بالمترادف في عرف أهل اللغة . فإن ذلك لا يقع إلا في كلام من يرمي في لفظه إلى مجرد التنميق والتزويق . وفي العربية طرق للتأكيد ليس هذا منها ، وأما ما يسمونه بالحرف الزائد الذي يأتي للتأكيد فهو حرف وضع لذلك ، ومعناه هو التأكيد وليس معناه معنى الكلمة التي يؤكدها ، الباء في قوله تعالى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وكفى بالله شهيدا " تؤكد معنى اتصال الكفاية بجانب الله جل شأنه بذاتها ومعناها الذي وضعت له . ومعنى وصفها بالزيادة أنها كذلك في الإعراب ، وكذلك معنى " من " في قوله " (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " ونحو ذلك . أما التكرار للتأكيد أو التقريع أو التهويل فأمر سائغ في أبلغ الكلام عندما يظهر ذلك القصد منه كتكرار جملة " (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فبأي آلاء ربكما تكذبان " ونحوها عقب ذكر كل نعمة ، وهي عند التأمل ليست مكررة ، فإن معناها عند ذكر كل نعمة : أفبهذه النعمة تكذبان . وهكذا كل ما جاء في القرآن على هذا النحو .
والجمهور على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29446معنى " الرحمن " المنعم بجلائل النعم ،
nindex.php?page=treesubj&link=29446ومعنى " الرحيم " المنعم بدقائقها ، وبعضهم يقول: إن الرحمن هو المنعم بنعم عامة تشمل الكافرين مع غيرهم ، والرحيم هو المنعم بالنعم الخاصة بالمؤمنين . وكل هذا تحكم في اللغة مبني على أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى . ولكن الزيادة تدل على زيادة الوصف مطلقا ، فصفة الرحمن تدل على كثرة الإحسان الذي يعطيه سواء كان جليلا أو دقيقا . وأما كون أفراد الإحسان الذي يدل عليها اللفظ الأكثر حروفا أعظم من أفراد الإحسان التي يدل عليها اللفظ الأقل حروفا فهو غير معني ولا مراد . وقد قارب من قال : إن معنى الرحمن المحسن بالإحسان العام ، ولكنه أخطأ في تخصيص مدلول الرحيم بالمؤمنين ، ولعل الذي حمل من قال : إن الثاني مؤكد للأول على قوله هذا هو عدم الاقتناع بما قالوه من التفرقة مع عدم التفطن لما هو أحسن منه .
قال الأستاذ الإمام : والذي أقول إن صيغة " فعلان " تدل على وصف " فعلى " فيه معنى المبالغة كفعال وهو في استعمال اللغة للصفات العارضة كعطشان وغرثان وغضبان ، وأما صيغة فعيل فإنها تدل في الاستعمال على المعاني الثابتة كالأخلاق والسجايا في الناس كعليم وحكيم وحليم وجميل . والقرآن لا يخرج عن الأسلوب العربي البليغ في الحكاية عن صفات الله - عز وجل - التي تعلو عن مماثلة صفات المخلوقين . فلفظ الرحمن يدل على من تصدر عنه آثار الرحمة بالفعل وهي إفاضة النعم والإحسان ، ولفظ الرحيم يدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان
[ ص: 40 ] وعلى أنها من الصفات الثابتة الواجبة . وبهذا المعنى لا يستغنى بأحد الوصفين عن الآخر ولا يكون الثاني مؤكدا للأول ، فإذا سمع العربي وصف الله جل ثناؤه بالرحمن وفهم منه أنه المفيض للنعم فعلا لا يعتقد منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائما . لأن الفعل قد ينقطع إذا لم يكن عن صفة لازمة ثابتة وإن كان كثيرا ، فعندما يسمع لفظ الرحيم يكمل اعتقاده على الوجه الذي يليق بالله تعالى ويرضيه سبحانه . ويعلم أن لله صفة ثابتة هي الرحمة التي عنها يكون أثرها ، وإن كانت تلك الصفة على غير مثال صفات المخلوقين ، ويكون ذكرها بعد الرحمن كذكر الدليل بعد المدلول ليقوم برهانا عليه ا هـ .
أقول قد سبق العلامة
ابن القيم إلى مثل هذه التفرقة ، ولكنه عكس في دلالة الاسمين الكريمين . قال : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28914الجمع بين الرحمن والرحيم ففيه معنى بديع ، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، وكأن الأول الوصف والثاني الفعل ، فالأول دال على أن الرحمة صفته أي صفة ذات له سبحانه ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، أي صفة فعل له سبحانه ، فإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وكان بالمؤمنين رحيما ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117إنه بهم رءوف رحيم ) ولم يجيء قط رحمن بهم ، فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة . ورحيم هو الراحم برحمته . قال رحمه الله تعالى: هذه النكتة لا تكاد تجدها في كتاب ، وإن تنفست عندها مرآة قلبك لم تنجل لك صورتها .
وقال في كتاب آخر عند ذكر الاسمين الكريمين : وكرر أذانا ( أي إعلاما ) بثبوت الوصف وحصول أثره وتعلقه بمتعلقاته ، فالرحمن : الذي الرحمة وصفه ، والرحيم : الراحم لعباده ، ولهذا يقول تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وكان بالمؤمنين رحيما ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117إنه بهم رءوف رحيم ) ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين ، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن ( فعلان ) من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه للموصوف به ، ألا ترى أنهم يقولون : غضبان للممتلئ غضبا ، وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك ، فبناء فعلان للسعة والشمول المراد منه . ا هـ .
أقول : إن هذه الأمثلة تؤيد ما قاله الأستاذ الإمام من أن
nindex.php?page=treesubj&link=28971_20870صيغة ( فعلان ) تدل على الصفة العارضة ، ولا تدل على الدائمة ، فاحتيج إلى صيغة أخرى تدل على الصفة الثابتة الدائمة وهي صيغة ( فعيل ) فهذا أقوى ما قيل في نكتة الجمع بين الاسمين الكريمين بالصيغتين . ويليه دلالة أحدهما على الرحمة بالقوة ، والآخر دلالته عليها بالفعل ، وهذا معنى آخر ألم به هذان الإمامان ، ولكن
ابن القيم جعل لفظ الرحيم هو الدال على الرحمة بالفعل بدليل الآيتين
[ ص: 41 ] اللتين أوردهما ، ولفظ الرحمن هو الدال عليها بالقوة لعدم تعلق مثل ذلك الظرف به ، وهو قوي . وعكس (
محمد عبده ) وجعل ذلك من مدلول الصيغة باللزوم .
[ ص: 33 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28971بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .
لَا أَذْكُرُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْبَسْمَلَةِ ، مِنْ حَيْثُ لَفَظُهَا وَإِعْرَابُهَا ، وَهَلْ هِيَ آيَةٌ أَوْ جُزْءُ آيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا ؟ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ ، وَقَدِ اخْتَصَرَ الْأُسْتَاذُ الْقَوْلَ فِيهِ اخْتِصَارًا وَقَالَ : إِنَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْآيَاتِ .
وَأَقُولُ الْآنَ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّهَا جُزْءُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ . وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَانِهَا مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مَنْ كُلِّ سُورَةٍ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ فُقَهَائِهِمْ وَقُرَّائِهِمْ وَمِنْهُمُ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَمِنْهُمْ
عَاصِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ مِنَ الْقُرَّاءِ ، وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَتْبَاعُهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ،
وَالْإِمَامِيَّةُ ، وَمِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ :
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَمِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
وَعَطَاءٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى سُورَةِ بَرَاءَةَ ( التَّوْبَةِ ) مَعَ الْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ الْقُرْآنِ عَنْ كُلِّ مَا لَيْسَ مِنْهُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتُبُوا ( آمِينَ ) فِي آخِرِ الْفَاتِحَةِ ، وَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003116أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918564أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ - وَفِي رِوَايَةٍ انْقِضَاءَ السُّورَةِ - حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " .
وَأَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003117قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِذَا قَرَأْتُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ ( أَيْ سُورَةَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " ) فَاقْرَأُوا ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَإِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى [ ص: 34 ] آيَاتِهَا " وَذَهَبَ
مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ
عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ
عُلَمَاءِ الشَّامِ ،
وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ مِنْ
قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ إِلَى أَنَّهَا آيَةٌ مُفْرَدَةٌ أُنْزِلَتْ لِبَيَانِ رُءُوسِ السُّورِ وَالْفَصْلِ بَيْنَهَا ، وَعَلَيْهِ
الْحَنَفِيَّةُ ، وَقَالَ
حَمْزَةُ مِنْ
قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَرُوِيَ عَنْ
أَحْمَدَ : أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا ، وَثَمَّةَ أَقْوَالٌ أُخْرَى شَاذَّةٌ .
هَذَا - وَقَدْ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الْقُرْآنُ إِمَامُنَا وَقُدْوَتُنَا ، فَافْتِتَاحُهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إِرْشَادٌ لَنَا بِأَنْ نَفْتَتِحَ أَعْمَالَنَا بِهَا فَمَا مَعْنَى هَذَا ؟ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ نَفْتَتِحَ أَعْمَالَنَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ نَذْكُرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ أَوِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ ، بَلْ أَنْ نَقُولَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَإِنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِذَاتِهَا .
أَقُولُ الْآنَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29448الِاسْمُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مِنَ الذَّوَاتِ كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَزَيْدٍ ، أَوْ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي كَالْعِلْمِ وَالْفَرَحِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابْنُ سِيدَهْ : هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْجَوْهَرِ أَوِ الْعَرَضِ . وَقَالَ
الرَّاغِبُ : الِاسْمُ مَا يُعْرَفُ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ وَأَصْلُهُ . وَقَالَ كَثِيرُونَ : إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّمُوِّ ، وَإِنَّ أَصْلَهُ سَمَوَ ؛ لِأَنَّ تَصْغِيرَهُ سُمَيٌّ وَجَمْعَهُ أَسْمَاءٌ .
وَالسُّمُوُّ : الْعُلُوُّ ، كَأَنَّ الِاسْمَ يَعْلُو مُسَمَّاهُ بِكَوْنِهِ عُنْوَانًا لَهُ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ مِنَ السِّمَةِ ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ ، وَأَصْلُهُ وَسَمَ . وَقَالَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ فِي الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ : إِنَّ الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ الذَّاتِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْوُجُودِ وَالْعَيْنِ - وَهِيَ عِنْدُهُمْ أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ - وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ فِي شَيْءٍ ، وَلَا هُوَ مِنَ الْفَلْسَفَةِ النَّافِعَةِ ، بَلْ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الضَّارَّةِ ، وَإِنْ قَالَ
الْأُلُوسِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنِ فَوْرِكَ وَالسُّهَيْلِيِّ : " وَمِمَّنْ يَعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ " بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ فِي قِرَاءَةِ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنَ السَّفْسَطَةِ فِي إِثْبَاتِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ : إِنَّ الِاسْمَ عَيْنُ الْمُسَمَّى . وَقَدْ كَتَبُوا لَغْوًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَلَّمَا تَرَى أَحَدًا رَضِيَ كَلَامَ غَيْرِهِ فِيهَا ، وَلَكِنْ قَدْ يُرْضِيهِ كَلَامُ نَفْسِهِ الَّذِي يُؤَيِّدُ بِهِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ .
وَالْحُقُّ أَنَّ الِاسْمَ : هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ لِسَانُكَ وَيَكْتُبُهُ قَلَمُكَ ، كَقَوْلِكَ : الشَّمْسُ أَوْ زَيْدٌ أَوْ
مَكَّةُ . وَالْمُسَمَّى : هُوَ الْكَوْكَبُ الْمَعْرُوفُ أَوِ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ أَوِ الْبَلَدُ الْمُحَدَّدُ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنْكَ عِنْدَ إِطْلَاقِ الِاسْمِ . وَلَفْظُ " اسْمِ " اسْمٌ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ ، دُونَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي تُسَمَّى فِي النَّحْوِ أَفْعَالًا . وَمَدْلُولُهُ مِثْلُ مَدْلُولِ لَفْظِ إِنْسَانٍ يُطْلَقُ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ كَلَفْظِ " الشَّمْسِ " الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ وَتَكْتُبُهُ ، وَلَفْظِ " زَيْدٍ " وَلَفْظِ "
مَكَّةَ " ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوْجُودَاتِ . فَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ نَسَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ غَيْرَ هَذَا كَمَا قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ ، بَلْ قَالَ فِي كِتَابِهِ ( بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ ) : مَا قَالَ نَحْوِيٌّ قَطُّ وَلَا عَرَبِيٌّ إِنَّ الِاسْمَ عَيْنُ الْمُسَمَّى ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَنْ قَالَ بِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى بِالتَّسْمِيَةِ وَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِي ذَلِكَ . وَأَنَّ مَعْنَى " (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " سَبِّحْ رَبَّكَ ذَاكِرًا اسْمَهُ الْأَعْلَى ، وَمَعْنَى " سَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ " سَبِّحْهُ نَاطِقًا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ .
[ ص: 35 ] وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذِكْرِهِ وَ تَسْبِيحِهِ فِي آيَاتٍ ، وَبِذِكْرِ اسْمِهِ وَتَسْبِيحِ اسْمِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى ، فَقَالَ تَعَالَى : ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ) ( 73 : 89 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=25وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) ( 76 : 25 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) ( 22 : 40 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) ( 6 : 118 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) ( 6 : 119 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) ( 22 : 36 ) أَيِ الْبُدْنِ عِنْدَ نَحْرِهَا ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) ( 33 : 41 - 42 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ) ( 2 : 198 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=200فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا 2 ) ( : 200 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ( 3 : 191 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ) ( 4 : 103 ) . وَقَالَ تَعَالَى فِي التَّسْبِيحِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) ( 7 : 206 ) أَيْ يُسَبِّحُونَ رَبَّكَ فَعَدَّى التَّسْبِيحَ بِنَفْسِهِ إِلَى ضَمِيرِ الرَّبِّ كَمَا عَدَّاهُ بِنَفْسِهِ إِلَى اسْمِ الرَّبِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ( 87 : 1 ) وَبِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) ( 56 : 74 ، 96 ) . وَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=1سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ( 57 : 1 ) وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ ) ( 23 : 14 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) ( 25 : 1 ) كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) ( 55 : 78 ) .
رَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِجَعْلِ الِاسْمِ عَيْنَ الْمُسَمَّى ، وَأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَذِكْرَ اسْمِهِ وَتَسْبِيحَهُ وَتَسْبِيحَ اسْمِهِ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ عَيْنُ ذَاتِهِ ، وَأَنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَفْظَ " اسْمٍ " مُقْحَمٌ زَائِدٌ . وَالصَّوَابُ أَنَّ الذِّكْرَ فِي اللُّغَةِ ضِدَّ النِّسْيَانِ ، وَهُوَ ذِكْرُ الْقَلْبِ ، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ( 3 : 191 ) وَهُمَا عِبَادَتَانِ قَلْبِيَّتَانِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ( 18 : 24 ) وَيُطْلَقُ الذِّكْرُ أَيْضًا عَلَى النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ذِكْرِ الْقَلْبِ وَعُنْوَانٌ وَسَبَبٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ اللِّسَانُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَذْكُرُ مِنْ كُلِّ الْأَشْيَاءِ أَسْمَاءَهَا ، دُونَ ذَوَاتِ مُسَمَّيَاتِهَا ، فَإِذَا قَالَ : " نَارٌ " لَا يَقَعُ جِسْمُ النَّارِ عَلَى لِسَانِهِ فَيُحْرِقُهُ ، وَإِذَا قَالَ الظَّمْآنُ : " مَاءٌ " لَا يَحْصُلُ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ فِي فِيهِ فَيَنْقَعُ غُلَّتَهُ ، فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَلْبِ هُوَ تَذَكُّرُ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَجَمَالِهِ وَنِعَمِهِ ، وَوَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ بِذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَآلَاءِ اللَّهِ . وَذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ هُوَ ذِكْرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَإِسْنَادُ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ إِلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ تَسْبِيحُهُ تَعَالَى ، فَالْقَلْبُ يُسَبِّحُهُ بِاعْتِقَادِ كَمَالِهِ وَتَذَكُّرِ تَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ ، وَاللِّسَانُ يُسَبِّحُهُ بِإِضَافَةِ التَّسْبِيحِ إِلَى أَسْمَائِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلَفْظِ الِاسْمِ . رَوَى
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ "
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918565عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ " فَلَمَّا نَزَلَتْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " قَالَ : " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ " وَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولُوا : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " لَا "
[ ص: 36 ] سُبْحَانَ اسْمِ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " فَقَدْ رَوَى
أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=hadith&LINKID=918566عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " وَفِي سُجُودِهِ " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " . وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْكَلَامِ عَنِ الذَّبَائِحِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا " (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ " وَتَقَدَّمَ آنِفًا ذِكْرُ عِدَّةِ آيَاتٍ فِي هَذَا - فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّحْقِيقِ : أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى ، وَأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ مَشْرُوعٌ ، وَذِكْرَ الْمُسَمَّى مَشْرُوعٌ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ كَالصُّبْحِ ، وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّبَارُكُ ، فَكَمَا يُعَظَّمُ اللَّهُ يُعَظَّمُ اسْمُهُ الْكَرِيمُ ، فَيُذْكَرُ مَقْرُونًا بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّقْدِيسِ . وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30540تَعَمُّدَ إِهَانَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ كُفْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ مُؤْمِنٍ . ا هـ . مَا زِدْتُهُ الْآنَ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ عِنْدَمَا تَقُولُ : إِنَّنِي أَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَزِيزِ وَالْحَكِيمِ ، لَا تَعْنِي أَنَّكَ تَذْكُرُ لَفْظَ " اسْمٍ " فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِابْتِدَاءِ بِالْكَلِمَةِ " بِسْمِ اللَّهِ " التَّبَرُّكُ بِاسْمِ اللَّهِ هُوَ الصَّوَابُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُكَ : " بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " مِثْلَ " (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَقَوْلُهُ تَعَالَى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا " وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْإِضَافَةَ هَاهُنَا لِلْبَيَانِ ، أَيْ أَفْتَتِحُ كَلَامِي بِسْمِ اللَّهِ ، وَلَكِنْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَارِدًا عَلَى اللَّفْظِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ . وَإِرَادَةُ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ هِيَ الْمُبَيِّنَةُ لِلَفْظِ الِاسْمِ تَمَحُّلٌ ظَاهِرٌ ، فَمَا الْمَقْصُودُ إِذًا مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ ؟
مِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ مَأْلُوفٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ ، وَمِنْهُمُ الْعَرَبُ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا مَا لِأَجْلِ أَمِيرٍ أَوْ عَظِيمٍ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَجَرِّدًا مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ وَمُنْسَلِخًا عَنْهُ ، يَقُولُ : أَعْمَلُهُ بِاسْمِ فُلَانٍ ، وَيَذْكُرُ اسْمَ ذَلِكَ الْأَمِيرِ أَوِ السُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ دَلِيلٌ وَعُنْوَانٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا كُنْتُ أَعْمَلُ عَمَلًا لَا يَكُونُ لَهُ وُجُودٌ وَلَا أَثَرٌ ، لَوْلَا السُّلْطَانُ الَّذِي بِهِ أَمَرَ ، أَقُولُ إِنَّ عَمَلِي هَذَا بَاسِمِ السُّلْطَانِ أَيْ إِنَّهُ مُعَنْوَنٌ بِاسْمِهِ وَلَوْلَاهُ لَمَا عَمِلْتُهُ . فَمَعْنَى أَبْتَدِئُ عَمَلِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أَنَّنِي أَعْمَلُهُ بِأَمْرِهِ وَلَهُ لَا لِي ، وَلَا أَعْمَلُهُ بِاسْمِي مُسْتَقِلًّا بِهِ عَلَى أَنَّنِي فُلَانٌ . فَكَأَنِّي أَقُولُ : إِنَّ هَذَا الْعَمَلَ لِلَّهِ لَا لِحَظِّ نَفْسِي . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ : أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي أَنْشَأْتُ بِهَا الْعَمَلَ هِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَوْلَا مَا مَنَحَنِي مِنْهَا لَمْ أَعْمَلْ شَيْئًا ، فَلَمْ يَصْدُرْ عَنِّي هَذَا الْعَمَلُ إِلَّا بِاسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ بِاسْمِي ، إِذْ لَوْلَا مَا آتَانِي مِنَ الْقُوَّةِ عَلَيْهِ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَهُ .
وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْمَعْنَى بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ . وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّنِي أَعْمَلُ عَمَلِي مُتَبَرِّئًا مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاسْمِي ، بَلْ هُوَ بِاسْمِهِ تَعَالَى ، لِأَنَّنِي اسْتَمَدُّ الْقُوَّةَ وَالْعِنَايَةَ مِنْهُ وَأَرْجُو إِحْسَانَهُ عَلَيْهِ ، فَلَوْلَاهُ لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ وَلَمْ أَعْمَلْهُ ، بَلْ وَمَا كُنْتُ عَامِلًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، لَوْلَا أَمْرُهُ وَرَجَاءُ فَضْلِهِ ، فَلَفْظُ الِاسْمِ مَعْنَاهُ مُرَادٌ ، وَمَعْنَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ مُرَادٌ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَعْرُوفٌ مَأْلُوفٌ فِي كُلِّ اللُّغَاتِ . وَأَقْرَبَهُ إِلَيْكُمُ الْيَوْمَ مَا تَرَوْنَهُ فِي الْمَحَاكِمِ النِّظَامِيَّةِ حَيْثُ يَبْتَدِئُونَ الْأَحْكَامَ قَوْلًا وَكِتَابَةً بِاسْمِ السُّلْطَانِ فُلَانٍ أَوِ الْخِدَيْوِي فُلَانٍ .
[ ص: 37 ] nindex.php?page=treesubj&link=28971_28972وَمَعْنَى الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُقَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآيَاتِ وَغَيْرِهَا هُوَ لِلَّهِ وَمِنْهُ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فِيهِ شَيْءٌ ا هـ .
أَقُولُ : هَذَا صَفْوَةُ مَا قَرَّرَهُ فِي مُتَعَلِّقِ " (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ " وَمَعْنَاهَا ، وَهَاهُنَا نَظَرٌ آخَرُ فِيهِ ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ وَحْيًا يُلْقِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ سُورَةٍ مِنْهُ مُبْتَدَأَةٌ بِبَسْمَلَةٍ ، فَمُتَعَلِّقُ الْبَسْمَلَةِ مِنْ مَلَكِ الْوَحْيِ تَعَلَّمَ مَنْ أَوَّلِ آيَةٍ نَزَلَ بِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=1اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " فَمَعْنَى الْبَسْمَلَةِ الَّذِي كَانَ يَفْهَمُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رُوحِ الْوَحْيِ : اقْرَأْ يَا
مُحَمَّدُ هَذِهِ السُّورَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى عِبَادِهِ ، أَيِ اقْرَأْهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ تَعَالَى لَا مِنْكَ ، فَإِنَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِهِمْ أَنْزَلَهَا عَلَيْكَ لِتَهْدِيَهُمْ بِهَا إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَعَلَى هَذَا كَانَ يَقْصِدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُتَعَلِّقِ الْبَسْمَلَةِ أَنَّنِي أَقْرَأُ السُّورَةَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِاسْمِ اللَّهِ لَا بَاسِمِي ، وَعَلَى أَنَّهَا مِنْهُ لَا مِنِّي ، فَإِنَّمَا أَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=12وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) ( 39 : 12 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=92وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ) ( 2 : 92 ) إِلَخْ .
اخْتَصَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْكَلَامِ عَلَى لَفْظَ اسْمٍ وَلَفْظِ الْجَلَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا مَشْهُورٌ . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى اللَّفْظِ الْأَوَّلِ ، وَهَاكَ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ الْعَظِيمِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28723لَفْظُ الْجَلَالَةِ ( اللَّهُ ) عَلَمٌ عَلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ ، قَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : وُضِعَ مُعَرَّفًا ، وَقِيلَ : أَصْلُهُ " إِلَهٌ " فَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ ، وَقِيلَ : أَصْلُهُ الْإِلَهُ ، وَالْإِلَهُ فِي اللُّغَةِ : يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ ، وَلِذَلِكَ جَمَعُوهُ عَلَى آلِهَةٍ ، وَمَا كُلُّ مَعْبُودٍ سَمَّوْهُ إِلَهًا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ ( اللَّهِ ) فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ الْكَرِيمَ كَانَ خَاصًّا فِي لُغَتِهِمْ بِخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكُلِّ شَيْءٍ . فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ خَصَّصَهُ بِالْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْكَامِلِ ، كَمَا جَعَلُوا لَفْظَ " النَّجْمِ " بِالتَّعْرِيفِ خَاصًّا بِالثُّرَيَّا . فَكَانَ الْعَرَبِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا سُئِلَ مَنْ خَلَقَكَ أَوْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ؟ يَقُولُ : " اللَّهُ " وَإِذَا سُئِلَ عَنْ بَعْضِ آلِهَتِهِمْ : هَلْ خَلَقَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ ؟ يَقُولُ : " لَا " وَقَدِ احْتَجَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ . وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ وَيَعْتَقِدُونَ شَفَاعَتَهَا عِنْدَهُ .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ لَفْظَ " إِلَهٍ " مِنْ أَلِهَ بِمَعْنَى عَبَدَ فَهُوَ بِمَعْنَى مَعْبُودٍ كَكِتَابٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ ، يُقَالُ : أَلِهٌ يَأْلَهُ إِلَاهَةً وَأُلُوهَةً وَأُلُوهِيَّةً ، كَمَا يُقَالُ عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً وَعُبُودَةً وَعُبُودِيَّةً فَهُوَ صِفَةٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ أَلِهَ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ ، وَقِيلَ : مِنْ وَلِهَ بِمَعْنَى تَحَيَّرَ . وَهُوَ إِذَا اسْتَشْكَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ - لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَيْرَةِ - يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَبَبُ الْحَيْرَةِ . لِأَنَّ النَّاظِرِينَ إِذَا ارْتَقَوْا فِي سُلَّمِ أَسْبَابِ التَّكْوِينِ يَنْتَهُونَ عِنْدَ دَرَجَةِ الْحَيْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُوجِدِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ لَا بِسَبَبٍ وَلَا عِلَّةٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ ، وَبِهِ وُجِدَ كُلُّ مَا عَدَاهُ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولَ إِلَى حَقِيقَةِ هَذَا الْمَوْجُودِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ وُجُودُ هَذِهِ
[ ص: 38 ] الْكَائِنَاتِ الْمُمْكِنَةِ إِلَّا بِوُجُودِهِ حَتَّى إِنِّ الْمَلَاحِدَةَ الْمَادِّيِّينَ لَمَّا بَحَثُوا فِي أَصْلِ الْمَوْجُودَاتِ ، وَارْتَقَوْا إِلَى مَعْرِفَةِ الْبَسَائِطِ الَّتِي تَرَكَّبَتْ مِنْهَا الْكَائِنَاتُ ، قَالُوا : إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَنْشَأٌ وَحْدَهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ ، ذُو قُوَّةٍ وَحَيَاةٍ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28723اسْمَ الْجَلَالَةِ " اللَّهَ " عَلَمٌ عَلَى ذَاتِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَجْرِي عَلَيْهِ الصِّفَاتُ وَلَا يُوَصَفُ بِهِ . وَلَفْظَ " الْإِلَهِ " صِفَةٌ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ : الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَةَ أَصْنَامِهِمْ آلِهَةً ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَأْلِيهَهَا وَعِبَادَتَهَا ، لَا مُجَرَّدَ تَسْمِيَتِهَا ، وَقَدْ سَمَّاهَا هُوَ آلِهَةً فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) ( 11 : 101 ) وَلَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَصْدُ الْحِكَايَةِ .
وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِنَا : أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ ( اللَّهَ ) عَلَمٌ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى صِفَاتٌ تَجْرِي عَلَى هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ ، وَلِكَوْنِهَا صِفَاتٍ وُصِفَتْ بِالْحُسْنَى . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) ( 7 : 180 ) وَتُسْنَدُ إِلَيْهِ تَعَالَى أَفْعَالُ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَيُقَالُ : رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا ، وَيَرْحَمُهُ اللَّهُ ، وَاللَّهَمَّ ارْحَمْ فُلَانًا ، وَتُضَافُ إِلَيْهِ مَصَادِرُهَا فَيُقَالُ : رَحْمَةُ اللَّهِ وَرُبُوبِيَّتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ( 7 : 56 ) وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَقَّةُ كُلٌّ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي اشْتُقَّ مِنْهَا مَعًا بِالْمُطَابَقَةِ ، وَعَلَى الذَّاتِ وَحْدَهَا أَوِ الصِّفَةِ بِالتَّضَمُّنِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا لَوَازِمُ يُدَلُّ عَلَيْهَا بِالِالْتِزَامِ ، كَدَلَالَةِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ ، وَدَلَالَةِ الْحَكِيمِ عَلَى الْإِتْقَانِ وَالنِّظَامِ ، وَدَلَالَةِ الرَّبِّ عَلَى الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ الْكَامِلَ لَا يَتْرُكُ مَرْبُوبِيهِ سُدًى ، وَمَنْ عَرَفَ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى ، وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا ، عَرَفَ أَنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ الْأَعْظَمَ ( اللَّهَ ) يَدُلُّ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَعَلَى لَوَازِمِهَا الْكَمَالِيَّةِ وَعَلَى تَنَزُّهِهِ عَنْ أَضْدَادِهَا السَّلْبِيَّةِ ، فَدَلَّ هَذَا الِاسْمُ الْأَعْلَى عَلَى اتِّصَافِ مُسَمَّاهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَتَنَزُّهِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، ا هـ مَا أَحْبَبْتُ زِيَادَتَهُ الْآنَ .
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ : وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ مَعْنَى يُلِمُّ بِالْقَلْبِ فَيَبْعَثُ صَاحِبَهُ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْبَشَرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَشَرِ أَلَمٌ فِي النَّفْسِ شِفَاؤُهُ الْإِحْسَانُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْآلَامِ وَالِانْفِعَالَاتِ ، فَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ أَثَرُهَا وَهُوَ الْإِحْسَانُ . وَقَدْ مَشَى
الْجَلَالُ فِي تَفْسِيرِهِ وَتَبِعَهُ
الصَّبَّانُ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ وَالرَّحِيمَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ . وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ عَالِمٍ مُسْلِمٍ وَمَا هِيَ إِلَّا غَفْلَةٌ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُسَامِحَ صَاحِبَهَا .
[ ص: 39 ] ( قَالَ ) : وَأَنَا لَا أُجِيزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ : إِنَّ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةً تُغَايِرُ أُخْرَى ، ثُمَّ تَأْتِي لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِ غَيْرِهَا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهَا مَعْنًى تَسْتَقِلُّ بِهِ . نَعَمْ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْكَلِمَةِ مَا يَزِيدُ مَعْنَى الْأُخْرَى تَقْرِيرًا أَوْ إِيضَاحًا ، وَلَكِنَّ الَّذِي لَا أُجِيزُهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ هُوَ عَيْنُ مَعْنَى الْأُخْرَى بِدُونِ زِيَادَةٍ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ لَا غَيْرَ بِحَيْثُ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسَمَّى
nindex.php?page=treesubj&link=20968_28905_28899بِالْمُتَرَادِفِ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ . فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي كَلَامِ مَنْ يَرْمِي فِي لَفْظِهِ إِلَى مُجَرَّدِ التَّنْمِيقِ وَالتَّزْوِيقِ . وَفِي الْعَرَبِيَّةِ طُرُقٌ لِلتَّأْكِيدِ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا ، وَأَمَّا مَا يُسَمُّونَهُ بِالْحَرْفِ الزَّائِدِ الَّذِي يَأْتِي لِلتَّأْكِيدِ فَهُوَ حَرْفٌ وُضِعَ لِذَلِكَ ، وَمَعْنَاهُ هُوَ التَّأْكِيدُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ الَّتِي يُؤَكِّدُهَا ، الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا " تُؤَكِّدُ مَعْنَى اتِّصَالِ الْكِفَايَةِ بِجَانِبِ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ بِذَاتِهَا وَمَعْنَاهَا الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ . وَمَعْنَى وَصْفِهَا بِالزِّيَادَةِ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْإِعْرَابِ ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى " مِنْ " فِي قَوْلِهِ " (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ . أَمَّا التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ التَّقْرِيعِ أَوِ التَّهْوِيلِ فَأَمْرٌ سَائِغٌ فِي أَبْلَغِ الْكَلَامِ عِنْدَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ الْقَصْدُ مِنْهُ كَتَكْرَارِ جُمْلَةِ " (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " وَنَحْوِهَا عَقِبَ ذِكْرِ كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَهِيَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَيْسَتْ مُكَرَّرَةً ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ نِعْمَةٍ : أَفَبِهَذِهِ النِّعْمَةِ تُكَذِّبَانِ . وَهَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29446مَعْنَى " الرَّحْمَنِ " الْمُنْعِمُ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29446وَمَعْنَى " الرَّحِيمِ " الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِنِعَمٍ عَامَّةٍ تَشْمَلُ الْكَافِرِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ ، وَالرَّحِيمَ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالنِّعَمِ الْخَاصَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَكُلُّ هَذَا تَحَكُّمٌ فِي اللُّغَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى . وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا ، فَصِفَةُ الرَّحْمَنِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْإِحْسَانِ الَّذِي يُعْطِيهِ سَوَاءٌ كَانَ جَلِيلًا أَوْ دَقِيقًا . وَأَمَّا كَوْنُ أَفْرَادِ الْإِحْسَانِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ الْأَكْثَرُ حُرُوفًا أَعْظَمَ مِنْ أَفْرَادِ الْإِحْسَانِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ الْأَقَلُّ حُرُوفًا فَهُوَ غَيْرُ مَعْنِيٍّ وَلَا مُرَادٍ . وَقَدْ قَارَبَ مَنْ قَالَ : إِنَّ مَعْنَى الرَّحْمَنِ الْمُحْسِنُ بِالْإِحْسَانِ الْعَامِّ ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي تَخْصِيصِ مَدْلُولِ الرَّحِيمِ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَلَعَلَّ الَّذِي حَمَلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ الثَّانِيَ مُؤَكِّدٌ لِلْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ عَدَمُ الِاقْتِنَاعِ بِمَا قَالُوهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ مَعَ عَدَمِ التَّفَطُّنِ لِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ .
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَالَّذِي أَقُولُ إِنَّ صِيغَةَ " فَعْلَانَ " تَدُلُّ عَلَى وَصْفِ " فَعْلَى " فِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ كَفَعَّالٍ وَهُوَ فِي اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ لِلصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ كَعَطْشَانَ وَغَرْثَانَ وَغَضْبَانَ ، وَأَمَّا صِيغَةُ فَعِيلٍ فَإِنَّهَا تَدُلُّ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمَعَانِي الثَّابِتَةِ كَالْأَخْلَاقِ وَالسَّجَايَا فِي النَّاسِ كَعَلِيمٍ وَحَكِيمٍ وَحَلِيمٍ وَجَمِيلٍ . وَالْقُرْآنُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْأُسْلُوبِ الْعَرَبِيِّ الْبَلِيغِ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّتِي تَعْلُو عَنْ مُمَاثَلَةِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ . فَلَفْظُ الرَّحْمَنِ يَدُلُّ عَلَى مَنْ تَصْدُرُ عَنْهُ آثَارُ الرَّحْمَةِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ إِفَاضَةُ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانُ ، وَلَفْظُ الرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَأٍ هَذِهِ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ
[ ص: 40 ] وَعَلَى أَنَّهَا مِنَ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ الْوَاجِبَةِ . وَبِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ ، فَإِذَا سَمِعَ الْعَرَبِيُّ وَصْفَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّحْمَنِ وَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ الْمُفِيضُ لِلنِّعَمِ فِعْلًا لَا يَعْتَقِدُ مِنْهُ أَنَّ الرَّحْمَةَ مِنَ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ دَائِمًا . لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَنْقَطِعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ صِفَةٍ لَازِمَةٍ ثَابِتَةٍ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ، فَعِنْدَمَا يَسْمَعُ لَفْظَ الرَّحِيمِ يَكْمُلُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَيُرْضِيهِ سُبْحَانَهُ . وَيَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ صِفَةً ثَابِتَةً هِيَ الرَّحْمَةُ الَّتِي عَنْهَا يَكُونُ أَثَرُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ عَلَى غَيْرِ مِثَالِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَيَكُونُ ذِكْرُهَا بَعْدَ الرَّحْمَنِ كَذِكْرِ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْمَدْلُولِ لِيَقُومَ بُرْهَانًا عَلَيْهِ ا هـ .
أَقُولُ قَدْ سَبَقَ الْعَلَّامَةُ
ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ ، وَلَكِنَّهُ عَكَسَ فِي دَلَالَةِ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ . قَالَ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28971_28914الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ فَفِيهِ مَعْنًى بَدِيعٌ ، وَهُوَ أَنَّ الرَّحْمَنَ دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ ، وَالرَّحِيمَ دَالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْحُومِ ، وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ الْوَصْفُ وَالثَّانِيَ الْفِعْلُ ، فَالْأَوَّلُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ أَيْ صِفَةُ ذَاتٍ لَهُ سُبْحَانَهُ ، وَالثَّانِي دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ ، أَيْ صِفَةُ فِعْلٍ لَهُ سُبْحَانَهُ ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وَلِمَ يَجِيءْ قَطُّ رَحْمَنُ بِهِمْ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَحْمَنَ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ . وَرَحِيمٌ هُوَ الرَّاحِمُ بِرَحْمَتِهِ . قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ النُّكْتَةُ لَا تَكَادُ تَجِدُهَا فِي كِتَابٍ ، وَإِنْ تَنَفَّسَتْ عِنْدَهَا مِرْآةُ قَلْبِكَ لَمْ تَنْجَلِ لَكَ صُورَتُهَا .
وَقَالَ فِي كِتَابٍ آخَرَ عِنْدَ ذِكْرِ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ : وَكَرَّرَ أَذَانًا ( أَيْ إِعْلَامًا ) بِثُبُوتِ الْوَصْفِ وَحُصُولِ أَثَرِهِ وَتَعَلُّقِهِ بِمُتَعَلِّقَاتِهِ ، فَالرَّحْمَنُ : الَّذِي الرَّحْمَةُ وَصَفُهُ ، وَالرَّحِيمُ : الرَّاحِمُ لِعِبَادِهِ ، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) وَلِمَ يَجِيءْ رَحْمَنُ بِعِبَادِهِ وَلَا رَحْمَنُ بِالْمُؤْمِنِينَ ، مَعَ مَا فِي اسْمِ الرَّحْمَنِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ ( فَعْلَانَ ) مِنْ سَعَةِ هَذَا الْوَصْفِ وَثُبُوتِ جَمِيعِ مَعْنَاهُ لِلْمَوْصُوفِ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : غَضْبَانُ لِلْمُمْتَلِئِ غَضَبًا ، وَنَدْمَانُ وَحَيْرَانُ وَسَكْرَانُ وَلَهْفَانُ لِمَنْ مُلِئَ بِذَلِكَ ، فَبِنَاءُ فَعْلَانَ لِلسَّعَةِ وَالشُّمُولِ الْمُرَادِ مِنْهُ . ا هـ .
أَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ تُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28971_20870صِيغَةَ ( فَعْلَانَ ) تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ الْعَارِضَةِ ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الدَّائِمَةِ ، فَاحْتِيجَ إِلَى صِيغَةٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ الدَّائِمَةِ وَهِيَ صِيغَةُ ( فَعِيلٍ ) فَهَذَا أَقْوَى مَا قِيلَ فِي نُكْتَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ بِالصِّيغَتَيْنِ . وَيَلِيهِ دَلَالَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الرَّحْمَةِ بِالْقُوَّةِ ، وَالْآخِرِ دَلَالَتُهُ عَلَيْهَا بِالْفِعْلِ ، وَهَذَا مَعْنَى آخَرُ أَلَمَّ بِهِ هَذَانِ الْإِمَامَانِ ، وَلَكِنَّ
ابْنَ الْقَيِّمِ جَعَلَ لَفْظَ الرَّحِيمِ هُوَ الدَّالَّ عَلَى الرَّحْمَةِ بِالْفِعْلِ بِدَلِيلِ الْآيَتَيْنِ
[ ص: 41 ] اللَّتَيْنِ أَوْرَدَهُمَا ، وَلَفْظُ الرَّحْمَنِ هُوَ الدَّالُّ عَلَيْهَا بِالْقُوَّةِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ مِثْلِ ذَلِكَ الظَّرْفِ بِهِ ، وَهُوَ قَوِيٌّ . وَعَكَسَ (
مُحَمَّدُ عَبْدُهُ ) وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ بِاللُّزُومِ .