nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181nindex.php?page=treesubj&link=28974_29434_32266لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من طريق
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " دخل
أبو بكر بيت المدارس ، فوجد من يهود ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له
فنحاص ، وكان من علمائهم ، وأحبارهم ، فقال
أبو بكر : ويحك يا
فنحاص ، اتق الله ، وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن
محمدا رسول الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، قال
فنحاص : والله يا
أبا بكر ، ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ، ويعطيناه ، ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا . فغضب
أبو بكر ، فضرب وجه
فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله ، فذهب
فنحاص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا
محمد ، انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
لأبي بكر :
ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولا عظيما ، زعم أن الله فقير ، وأنهم عنه أغنياء ، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، فضربت وجهه ، فجحد ذلك
فنحاص ، فقال : ما قلت ذلك ، فأنزل الله - تعالى - فيما قال
فنحاص ردا عليه ، وتصديقا
لأبي بكر هذه الآية . وفي قول
أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا [ ص: 215 ] - الآية الآتية بعد آيات - وأخرج
ابن المنذر ، عن
قتادة أنه قال : ذكر لنا أنها نزلت في
حيي بن أخطب لما أنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة [ 2 : 245 ] قال : يستقرضنا ربنا ، إنما يستقرض الفقير الغني ، وأخرج
الضياء ، وغيره من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : أتت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فقالوا يا
محمد : فقير ربك يسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله الآية .
فالظاهر أن هذه المجازفة في القول قد وقعت من غير واحد من يهود ، وما يقوله البعض ، ويجيزه الجمع يسند إلى القائلين ، والمجيزين جميعا ، والظاهر أنهم قالوا ذلك تهكما بالقرآن ، ورواية
فنحاص ليس لها مناسبة ظاهرة .
سمع الله قول هؤلاء المجازفين لم يفته ، ولم يخف عليه ، فهو سيجزيهم عليه ، فهذا التعبير يتضمن التهديد ، والوعيد كما يتضمن قوله : " سمع الله لمن حمده " البشارة ، والوعد بحسن الجزاء ، وكما يتضمن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما [ 58 : 1 ] مزيد العناية ، وإرادة الإشكاء ، والإغاثة ، ذلك بأن قولك : سمعت ما قال فلان يشعر بما لا يشعر به قولك : علمت بما قال ، والسمع هو العلم بالمسموعات خاصة بوجه خاص ، وذهب بعض من كتب في علم الكلام إلى أن سمع الباري - تبارك وتعالى - يتعلق بجميع الموجودات ، لا يختص بالكلام ، أو بالأصوات ، وهو رأي تنكره اللغة ، ولا يعرفه الشرع . وليس للرأي ، أو العقل أن يتحكم في صفات الله - تبارك وتعالى - بنظرياته ، وأقيسته ، ومن فائدة التعبير بسمع الله لكلام عباده مراقبتهم له في أقوالهم ، ولا تتحقق هذه الفائدة بخصوصها على رأي ذلك المتكلم .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181سنكتب ما قالوا وعيد لهم على ذلك القول الذي قالوه استهزاء بالقرآن . قرأ
حمزة : " سيكتب " بالياء المضمومة ، أي سيكتب قولهم هذا ، ويثبت عند الله - تعالى - فيعاقبهم عليه لأنه لا يفوته . وقرأ الباقون بالنون . قال الأستاذ الإمام : قال مفسرنا كغيره ، أي نأمر بكتابته ، وغفلوا عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181وقتلهم الأنبياء بغير حق فإنه كان من سلفهم ، فما معنى التعبير عن كتابة بصيغة الاستقبال ؟ لا بد من تفسيره بوجه يصح في الأمرين ، ولكن ضعف المسلمين في لغة القرآن هو الذي أوقعهم في هذا الضعف في الفهم والضعف في الدين ، وتبع ذلك الضعف في كل شيء . ولا يقال - كما زعم بعض المجاورين - إن الفعل إذا أسند إلى الله - تعالى - يتجرد من الزمان ، فإن الكلام في اختلاف التعبير . والمعنى الصحيح لهذه الكلمة : " سنعاقبهم على ذلك حتما " ، فإن الكتابة هنا عبارة عن حفظه عليهم ، ويراد به لازمه ، وهو العقوبة عليه ، والتوعد بحفظ الذنب ، وكتابته ، وإرادة العقوبة عليه شائع مستعمل حتى
[ ص: 216 ] اليوم فلا يحتاج إلى دقة نظر ، ولفظ الكتابة آكد من لفظ الحفظ لما فيه من معنى الاستتباب ، وأمن النسيان . وإنما ضم قتل الأنبياء - وهو أفظع جرائم هذا الشعب - إلى الجريمة التي سبق الوعيد لأجلها لبيان أن مثل هذا الكفر ، والتهور ليس بدعا من أمرهم ، فإنه سبق لهم أن قتلوا الهداة المرشدين بعد ما جاءوهم بالبينات ، فهم يجرون في هذا على عرق وليس هو بأول كبائرهم ، وللإيذان بأن الجريمتين سيان في العظم ، واستحقاق العقاب ( كما قال صاحب الكشاف ) .
وأما إضافة القتل إلى الحاضرين فقد تقدمت حكمته في سورة البقرة ، ويشير إليه قول المفسرين : إنهم يعدون قتلة لرضاهم بما فعله سلفهم ، وهذا تحويم حول المعنى الذي أوضحناه هناك ، وهو أن الأمم متكافلة في الأمور العامة إذ يجب على الأمة الإنكار على فاعل المنكر من أفرادها ، وتغييره ، أو النهي عنه لئلا يفشو فيها ، فيصير خلقا من أخلاقها ، أو عادة من عاداتها ، فتستحق عقوبته في الدنيا كالضعف ، والفقر ، وفقد الاستقلال ، كما تستحق عقوبته في الآخرة بما دنس نفوسها ; ولذلك لعن الله - تعالى - الذين كفروا من بني إسرائيل بما عصوا وكانوا يعتدون ، وبين سبب ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه [ 5 : 79 ] .
ذلك بأن
nindex.php?page=treesubj&link=26527_28263من أقر فاعل المنكر فلم ينهه ولم يسخط عليه تكون نفسه مشاكلة لنفسه ، تأنس بما تأنس به ، ثم لا يلبث أن يفعل المنكر ، ولو بعد حين ما لم يكن عاجزا عن ذلك بسبب من الأسباب الحسية ، كضعف الجسم ، أو قلة المال ، أي إن مثل هذا لا يترك المنكر لأنه رذيلة تدنس نفس فاعلها ، فيكون بعيدا من الخير غير مستحق لرضوان الله - عز وجل - . قال الأستاذ الإمام : وثم وجه آخر يجعل إسناد المنكر إلى مقره ، والراضي به إسنادا قريبا من الحقيقة ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=24661عدم النهي عن المنكر هو السبب في انتشاره وشيوعه ; لأن الميالين إلى المنكر لو علموا أن الناس يمقتونهم ، ويؤاخذونهم عليه لما فعلوه إلا ما يكون من الخلس الخفية ، ولذلك كان الساكت على المنكر شريك الفاعل في الإثم ، قال : كل هذا ظاهر فيمن يفعل المنكر في زمنه ، ولا ينكره ، وأما من يقع المنكر من قومهم قبل زمنهم
كاليهود الذين نزلت هذه الآية وأمثالها فيهم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=183فلم قتلتموهم ؟ فهم يتفقون مع من سبقهم في علة الجريمة ، ومبعثها من النفس ، وهو عدم المبالاة بالدين ، وقد كان هذا الخلف متفقين مع من سبقهم في الأخلاق ، والسجايا ، وينتسبون إليهم انتساب حسب وتشرف ، أي فهم جديرون بأن يكونوا على شاكلتهم .
وأقول : إن المتأخر ربما كان أضرى بالشر من المتقدم لتمكن داعية الشر من نفسه بالوراثة والقدوة جميعا . وقد
nindex.php?page=treesubj&link=30839حاول غير واحد من اليهود قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان
[ ص: 217 ] آباؤهم يفعلون بل هم الذين قتلوه ، فإنه مات بالسم الذي وضعته له اليهودية في الشاة
بخيبر ، فقد ورد في الحديث أنه قال
لعائشة في مرض موته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918994يا عائشة ، ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه وفي رواية لغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=918995ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري .
الأستاذ الإمام : إن الله - تعالى - نبهنا بهذا الضرب من التعبير إلى أن المتأخر إذا لم ينظر إلى عمل المتقدم بعين البصيرة ، ويطبقه على الشريعة ، فيستحسن منه ما استحسنت ، ويستقبح ما استهجنت ، ويسجل على المسيء من سلفه إساءته ، وينفر منها ، فإنه يعد عند الله - تعالى - مثله ، وشريكا له في إثمه ومستحقا لمثل عقوبته ، فعليكم باتخاذ الوسائل لإزالة المنكرات الفاشية ، ولا بد في ذلك من بذل الجهد ، وإعمال الروية والفكر ، وما علينا الآن في مثل هذه البلاد إلا الحيلة في بذل النصح ، والإرشاد ، بأي ضرب من ضروبه ، وكل أسلوب من أساليبه .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181ونقول ذوقوا عذاب الحريق وقرأ
حمزة : " ويقول " . قال الأستاذ الإمام : الذوق عبارة عن الشعور بالألم ، أو ضده ، فمعنى ذوقوا : تألموا . أما كيفية القول فلا نبحث فيها ، أو إنما نعلم أن الله - تعالى - يوصل هذا المعنى إليهم .
أقول : وزعم بعض المستشرقين أن هذا الاستعمال لم يكن معروفا عند العرب قبل القرآن ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذه من التوراة ، وهو زعم باطل ، وبمثله يستدلون على اقتباس النبي من كتبهم ، فقد روي أن
أبا سفيان قال لما رأى
حمزة - عليه رضوان الله - مقتولا : " ذق عقق " أي ذق عاقبة إسلامك أيها العاق لدين آبائك ، ولمن ثبت عليه من قومك فلم يدخلوا في الإسلام . نعم : إن أصل الذوق هو ما يكون باللسان لمعرفة طعم الطعام ، ثم توسعوا فيه فاستعملوه في غير ذلك من المحسوسات كقولهم : " ذقت القوس " إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها . وقولهم : ذقت الرمح إذا غمزتها قال
ابن مقبل :
يهززن للمشي أوصالا منعمة هز الشمال ضحى عيدان يبرينا أو كاهتزاز رديني تذاوقه
أيدي التجار فزادوا متنه لينا
كذا في لسان العرب . وفي الأساس " أيدي الكماة " بدل " أيدي التجار " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : الذوق يكون بالفم ، وبغير الفم ، ثم استعملوه في المعاني ، قال
ابن طفيل :
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب
ومن هذا القبيل استعماله في معرفة جيد الشعر ، وأحاسن الكلام . و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181عذاب الحريق معناه : عذاب هو الحريق .
[ ص: 218 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182ذلك بما قدمت أيديكم أي ذلك العذاب الذي تذوقون مرارته ، أو حرارته بسبب ما قدمتم في الدنيا من الأعمال . عبر عن الأشخاص بالأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها ، وليفيد أن ما عذبوا عليه هو من عملهم حقيقة لا مجازا ، فإن نسبة الفعل إلى يد الفاعل تفيد من إلصاقه به ما لا تفيده نسبته إلى ضميره ; لأن الإسناد إلى اليد يمنع التجوز ، فمن المعهود أن يقال : فلان فعل كذا إذا أمر به ، أو مكن العامل منه ، وإن لم يباشره بنفسه ، ومتى أسند إلى يده تعين أن يكون باشر فعله بنفسه ، وإن لم يكن من عمل الأيدي ، ويدخل في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182بما قدمت أيديكم جميع ما كان منهم من ضروب الكفر ، والفسوق ، والعصيان .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182وأن الله ليس بظلام للعبيد أي ذلك العذاب إنما يصيبكم بعملكم وبكونه - تعالى - عادلا في حكمه ، وفعله لا يجور ولا يظلم ، فيعاقب غير المستحق للعقاب ولا يجعل المجرمين كالمتقين ، والكافرين كالمؤمنين ، فلو كان - سبحانه - ظلاما لجاز ألا يذوقوا ذلك العذاب على كفرهم به ، واستهزائهم بآياته ، وقتلهم لأنبيائه بأن يجعلوا مع المقربين في جنات النعيم وإذا لكان الدين عبثا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار [ 38 : 28 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون [ 45 : 21 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أفنجعل المسلمين كالمجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=36ما لكم كيف تحكمون [ 68 : 35 ، 36 ] فالاستفهام الإنكاري في هذه الآيات يدل على أن ترك تعذيب أولئك الكفرة الفجرة هو من المساواة بين المحسن ، والمسيء ، ووضع الشيء في غير موضعه ، وناهيك به ظلما كبيرا ، فبهذا كله تعلم أن استشكال عطف نفي الظلم على جرائمهم في غير محله ، والمبالغة بصيغة " ظلام " أفادت أن ترك مثلهم يعد ظلما كبيرا ، أو كثيرا .
وقال الأستاذ الإمام : يعني أن هذه العقوبة عدل منه - سبحانه - وأشار بصيغة المبالغة ( ظلام ) إلى أن مثل هذه التسوية لا تصدر إلا ممن كان كثير الظلم مبالغا فيه . وقال غيره : إنه لما كان القليل من الظلم يعد كثيرا بالنسبة إلى رحمته الواسعة عبر في نفيه بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181nindex.php?page=treesubj&link=28974_29434_32266لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " دَخَلَ
أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ الْمَدَارِسِ ، فَوَجَدَ مِنْ يَهُودَ نَاسًا كَثِيرًا قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ، يُقَالُ لَهُ
فِنْحَاصُ ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، وَأَحْبَارِهِمْ ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : وَيْحُكَ يَا
فِنْحَاصُ ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَأَسْلِمْ ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، قَالَ
فِنْحَاصُ : وَاللَّهِ يَا
أَبَا بَكْرٍ ، مَا بِنَا إِلَى اللَّهِ مِنْ فَقْرٍ ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ ، وَمَا نَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّعُ إِلَيْنَا ، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ ، يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا ، وَيُعْطِينَاهُ ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا . فَغَضِبَ
أَبُو بَكْرٍ ، فَضَرَبَ وَجْهَ
فِنْحَاصَ ضَرْبَةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، فَذَهَبَ
فِنْحَاصُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا
مُحَمَّدُ ، انْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِأَبِي بَكْرٍ :
مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا ، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ، وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاءُ ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلَّهِ مِمَّا قَالَ ، فَضَرَبْتُ وَجْهَهُ ، فَجَحَدَ ذَلِكَ
فِنْحَاصُ ، فَقَالَ : مَا قُلْتُ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيمَا قَالَ
فِنْحَاصُ رَدًّا عَلَيْهِ ، وَتَصْدِيقًا
لِأَبِي بَكْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي قَوْلِ
أَبِي بَكْرٍ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [ ص: 215 ] - الْآيَةُ الْآتِيَةُ بَعْدَ آيَاتٍ - وَأَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [ 2 : 245 ] قَالَ : يَسْتَقْرِضُنَا رَبُّنَا ، إِنَّمَا يَسْتَقْرِضُ الْفَقِيرُ الْغَنِيَّ ، وَأَخْرَجَ
الضِّيَاءُ ، وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَتَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَقَالُوا يَا
مُحَمَّدُ : فَقِيرٌ رَبُّكَ يَسْأَلُ عِبَادَهُ الْقَرْضَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ .
فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُجَازَفَةَ فِي الْقَوْلِ قَدْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ يَهُودَ ، وَمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ ، وَيُجِيزُهُ الْجَمْعُ يُسْنَدُ إِلَى الْقَائِلِينَ ، وَالْمُجِيزِينَ جَمِيعًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ تَهَكُّمًا بِالْقُرْآنِ ، وَرِوَايَةُ
فِنْحَاصَ لَيْسَ لَهَا مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ .
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُجَازِفِينَ لَمْ يَفُتْهُ ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ سَيَجْزِيهِمْ عَلَيْهِ ، فَهَذَا التَّعْبِيرُ يَتَضَمَّنُ التَّهْدِيدَ ، وَالْوَعِيدَ كَمَا يَتَضَمَّنُ قَوْلُهُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " الْبِشَارَةَ ، وَالْوَعْدَ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ ، وَكَمَا يَتَضَمَّنُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [ 58 : 1 ] مَزِيدَ الْعِنَايَةِ ، وَإِرَادَةَ الْإِشْكَاءِ ، وَالْإِغَاثَةِ ، ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَكَ : سَمِعْتُ مَا قَالَ فُلَانٌ يُشْعِرُ بِمَا لَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُكَ : عَلِمْتُ بِمَا قَالَ ، وَالسَّمْعُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَسْمُوعَاتِ خَاصَّةً بِوَجْهٍ خَاصٍّ ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ سَمْعَ الْبَارِي - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ ، لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ ، أَوْ بِالْأَصْوَاتِ ، وَهُوَ رَأْيٌ تُنْكِرُهُ اللُّغَةُ ، وَلَا يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ . وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ ، أَوِ الْعَقْلِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِنَظَرِيَّاتِهِ ، وَأَقْيِسَتِهِ ، وَمِنْ فَائِدَةِ التَّعْبِيرِ بِسَمْعِ اللَّهِ لِكَلَامِ عِبَادِهِ مُرَاقَبَتُهُمْ لَهُ فِي أَقْوَالِهِمْ ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ بِخُصُوصِهَا عَلَى رَأْيِ ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَعِيدٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالُوهُ اسْتِهْزَاءً بِالْقُرْآنِ . قَرَأَ
حَمْزَةُ : " سَيُكْتَبُ " بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ ، أَيْ سَيُكْتَبُ قَوْلُهُمْ هَذَا ، وَيُثْبَتُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : قَالَ مُفَسِّرُنَا كَغَيْرِهِ ، أَيْ نَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ ، وَغَفَلُوا عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ سَلَفِهِمْ ، فَمَا مَعْنَى التَّعْبِيرِ عَنْ كِتَابَةٍ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ ؟ لَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِوَجْهٍ يَصِحُّ فِي الْأَمْرَيْنِ ، وَلَكِنَّ ضَعْفَ الْمُسْلِمِينَ فِي لُغَةِ الْقُرْآنِ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذَا الضَّعْفِ فِي الْفَهْمِ وَالضَّعْفِ فِي الدِّينِ ، وَتَبِعَ ذَلِكَ الضَّعْفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ . وَلَا يُقَالُ - كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ - إِنَّ الْفِعْلَ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - يَتَجَرَّدُ مِنَ الزَّمَانِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ . وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ : " سَنُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتْمًا " ، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِمْ ، وَيُرَادُ بِهِ لَازِمُهُ ، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ ، وَالتَّوَعُّدُ بِحِفْظِ الذَّنْبِ ، وَكِتَابَتِهِ ، وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ شَائِعٌ مُسْتَعْمَلٌ حَتَّى
[ ص: 216 ] الْيَوْمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دِقَّةِ نَظَرٍ ، وَلَفْظُ الْكِتَابَةِ آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْحِفْظِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِتْبَابِ ، وَأَمْنِ النِّسْيَانِ . وَإِنَّمَا ضَمَّ قَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ - وَهُوَ أَفْظَعُ جَرَائِمِ هَذَا الشَّعْبِ - إِلَى الْجَرِيمَةِ الَّتِي سَبَقَ الْوَعِيدُ لِأَجْلِهَا لِبَيَانِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكُفْرِ ، وَالتَّهَوُّرِ لَيْسَ بِدَعًا مِنْ أَمْرِهِمْ ، فَإِنَّهُ سَبَقَ لَهُمْ أَنْ قَتَلُوا الْهُدَاةَ الْمُرْشِدِينَ بَعْدَ مَا جَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ، فَهُمْ يَجْرُونَ فِي هَذَا عَلَى عِرْقٍ وَلَيْسَ هُوَ بِأَوَّلِ كَبَائِرِهِمْ ، وَلِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْجَرِيمَتَيْنِ سِيَّانِ فِي الْعِظَمِ ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ ( كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ) .
وَأَمَّا إِضَافَةُ الْقَتْلِ إِلَى الْحَاضِرِينَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكْمَتُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُمْ يُعَدُّونَ قَتَلَةً لِرِضَاهُمْ بِمَا فَعَلَهُ سَلَفُهُمْ ، وَهَذَا تَحْوِيمٌ حَوْلَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَمَ مُتَكَافِلَةٌ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ إِذْ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَفْرَادِهَا ، وَتَغْيِيرُهُ ، أَوِ النَّهْيُ عَنْهُ لِئَلَّا يَفْشُوَ فِيهَا ، فَيَصِيرَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهَا ، أَوْ عَادَةً مِنْ عَادَاتِهَا ، فَتَسْتَحِقَّ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا كَالضَّعْفِ ، وَالْفَقْرِ ، وَفَقْدِ الِاسْتِقْلَالِ ، كَمَا تَسْتَحِقُّ عُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ بِمَا دَنَّسَ نُفُوسَهَا ; وَلِذَلِكَ لَعَنَ اللَّهُ - تَعَالَى - الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=79كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [ 5 : 79 ] .
ذَلِكَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26527_28263مَنْ أَقَرَّ فَاعِلَ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَنْهَهُ وَلَمْ يَسْخَطْ عَلَيْهِ تَكُونُ نَفْسُهُ مُشَاكِلَةً لِنَفْسِهِ ، تَأْنَسُ بِمَا تَأْنَسُ بِهِ ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَفْعَلَ الْمُنْكَرَ ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ ، كَضَعْفِ الْجِسْمِ ، أَوْ قِلَّةِ الْمَالِ ، أَيْ إِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَتْرُكُ الْمُنْكَرَ لِأَنَّهُ رَذِيلَةٌ تُدَنِّسُ نَفْسَ فَاعِلِهَا ، فَيَكُونُ بَعِيدًا مِنَ الْخَيْرِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِرِضْوَانِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ يَجْعَلُ إِسْنَادَ الْمُنْكَرِ إِلَى مُقِرِّهِ ، وَالرَّاضِي بِهِ إِسْنَادًا قَرِيبًا مِنَ الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24661عَدَمَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ السَّبَبُ فِي انْتِشَارِهِ وَشُيُوعِهِ ; لِأَنَّ الْمَيَّالِينَ إِلَى الْمُنْكَرِ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ يَمْقُتُونَهُمْ ، وَيُؤَاخِذُونَهُمْ عَلَيْهِ لَمَا فَعَلُوهُ إِلَّا مَا يَكُونُ مِنَ الْخِلَسِ الْخَفِيَّةِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ السَّاكِتُ عَلَى الْمُنْكَرِ شَرِيكَ الْفَاعِلِ فِي الْإِثْمِ ، قَالَ : كُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ يُفْعَلُ الْمُنْكَرُ فِي زَمَنِهِ ، وَلَا يُنْكِرُهُ ، وَأَمَّا مَنْ يَقَعُ الْمُنْكَرُ مِنْ قَوْمِهِمْ قَبْلَ زَمَنِهِمْ
كَالْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا فِيهِمْ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=183فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ ؟ فَهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ مَنْ سَبَقَهُمْ فِي عِلَّةِ الْجَرِيمَةِ ، وَمَبْعَثِهَا مِنَ النَّفْسِ ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْخَلَفُ مُتَّفِقِينَ مَعَ مَنْ سَبَقَهُمْ فِي الْأَخْلَاقِ ، وَالسَّجَايَا ، وَيَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِمُ انْتِسَابَ حَسَبٍ وَتَشَرُّفٍ ، أَيْ فَهُمْ جَدِيرُونَ بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى شَاكِلَتِهِمْ .
وَأَقُولُ : إِنَّ الْمُتَأَخِّرَ رُبَّمَا كَانَ أَضْرَى بِالشَّرِّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ لِتَمَكُّنِ دَاعِيَةِ الشَّرِّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْوِرَاثَةِ وَالْقُدْوَةِ جَمِيعًا . وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=30839حَاوَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ قَتْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ
[ ص: 217 ] آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بَلْ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُ ، فَإِنَّهُ مَاتَ بِالسُّمِّ الَّذِي وَضَعَتْهُ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ فِي الشَّاةِ
بِخَيْبَرَ ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ
لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918994يَا عَائِشَةُ ، مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=918995مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي كُلَّ عَامٍ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي .
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَبَّهَنَا بِهَذَا الضَّرْبِ مِنَ التَّعْبِيرِ إِلَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إِذَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَى عَمَلِ الْمُتَقَدِّمِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ ، وَيُطَبِّقُهُ عَلَى الشَّرِيعَةِ ، فَيَسْتَحْسِنُ مِنْهُ مَا اسْتَحْسَنَتْ ، وَيَسْتَقْبِحُ مَا اسْتَهْجَنَتْ ، وَيُسَجِّلُ عَلَى الْمُسِيءِ مِنْ سَلَفِهِ إِسَاءَتَهُ ، وَيَنْفِرُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِثْلَهُ ، وَشَرِيكًا لَهُ فِي إِثْمِهِ وَمُسْتَحِقًّا لِمِثْلِ عُقُوبَتِهِ ، فَعَلَيْكُمْ بِاتِّخَاذِ الْوَسَائِلِ لِإِزَالَةِ الْمُنْكَرَاتِ الْفَاشِيَةِ ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ بَذْلِ الْجُهْدِ ، وَإِعْمَالِ الرَّوِيَّةِ وَالْفِكْرِ ، وَمَا عَلَيْنَا الْآنَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَّا الْحِيلَةُ فِي بَذْلِ النُّصْحِ ، وَالْإِرْشَادِ ، بِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهِ ، وَكُلِّ أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَقَرَأَ
حَمْزَةُ : " وَيَقُولُ " . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنِ الشُّعُورِ بِالْأَلَمِ ، أَوْ ضِدِّهِ ، فَمَعْنَى ذُوقُوا : تَأَلَّمُوا . أَمَّا كَيْفِيَّةُ الْقَوْلِ فَلَا نَبْحَثُ فِيهَا ، أَوْ إِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُوصِلُ هَذَا الْمَعْنَى إِلَيْهِمْ .
أَقُولُ : وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُسْتَشْرِقِينَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ ، وَبِمِثْلِهِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى اقْتِبَاسِ النَّبِيِّ مِنْ كُتُبِهِمْ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَمَّا رَأَى
حَمْزَةَ - عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ - مَقْتُولًا : " ذُقْ عُقُقُ " أَيْ ذُقْ عَاقِبَةَ إِسْلَامِكَ أَيُّهَا الْعَاقُّ لِدِينِ آبَائِكَ ، وَلِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِكَ فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ . نَعَمْ : إِنَّ أَصْلَ الذَّوْقِ هُوَ مَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ لِمَعْرِفَةِ طَعْمِ الطَّعَامِ ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهِ فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ كَقَوْلِهِمْ : " ذُقْتَ الْقَوْسَ " إِذَا جَذَبْتَ وَتَرَهَا لِتَنْظُرَ مَا شِدَّتُهَا . وَقَوْلُهُمْ : ذُقْتَ الرُّمْحَ إِذَا غَمَزْتَهَا قَالَ
ابْنُ مُقْبِلٍ :
يَهْزُزْنَ لِلْمَشْيِ أَوْصَالًا مُنَعَّمَةً هَزَّ الشَّمَالِ ضُحًى عِيدَانَ يَبْرِينَا أَوْ كَاهْتِزَازِ رُدَيْنِيٍّ تَذَاوَقُهُ
أَيْدِي التِّجَارِ فَزَادُوا مَتْنَهُ لَيِنَا
كَذَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ . وَفِي الْأَسَاسِ " أَيْدِي الْكُمَاةِ " بَدَلَ " أَيْدِي التِّجَارِ " ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الذَّوْقُ يَكُونُ بِالْفَمِ ، وَبِغَيْرِ الْفَمِ ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الْمَعَانِي ، قَالَ
ابْنُ طُفَيْلٍ :
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ مِنَ الْغَيْظِ فِي أَكْبَادِنَا وَالتَّحَوُّبِ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْرِفَةِ جَيِّدِ الشِّعْرِ ، وَأَحَاسِنِ الْكَلَامِ . وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=181عَذَابَ الْحَرِيقِ مَعْنَاهُ : عَذَابٌ هُوَ الْحَرِيقُ .
[ ص: 218 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي تَذُوقُونَ مَرَارَتَهُ ، أَوْ حَرَارَتَهُ بِسَبَبِ مَا قَدَّمْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ . عَبَّرَ عَنِ الْأَشْخَاصِ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا ، وَلِيُفِيدَ أَنَّ مَا عُذِّبُوا عَلَيْهِ هُوَ مِنْ عَمَلِهِمْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إِلَى يَدِ الْفَاعِلِ تُفِيدُ مِنْ إِلْصَاقِهِ بِهِ مَا لَا تُفِيدُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهِ ; لِأَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى الْيَدِ يَمْنَعُ التَّجَوُّزَ ، فَمِنَ الْمَعْهُودِ أَنْ يُقَالَ : فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا إِذَا أَمَرَ بِهِ ، أَوْ مَكَّنَ الْعَامِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ بِنَفْسِهِ ، وَمَتَى أُسْنِدَ إِلَى يَدِهِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ الْأَيْدِي ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ جَمِيعُ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ضُرُوبِ الْكُفْرِ ، وَالْفُسُوقِ ، وَالْعِصْيَانِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=182وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ إِنَّمَا يُصِيبُكُمْ بِعَمَلِكُمْ وَبِكَوْنِهِ - تَعَالَى - عَادِلًا فِي حُكْمِهِ ، وَفِعْلِهِ لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ ، فَيُعَاقِبُ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِقَابِ وَلَا يَجْعَلُ الْمُجْرِمِينَ كَالْمُتَّقِينَ ، وَالْكَافِرِينَ كَالْمُؤْمِنِينَ ، فَلَوْ كَانَ - سُبْحَانَهُ - ظَلَّامًا لَجَازَ أَلَّا يَذُوقُوا ذَلِكَ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ ، وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِهِ ، وَقَتْلِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِ بِأَنْ يُجْعَلُوا مَعَ الْمُقَرَّبِينَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وإذًا لَكَانَ الدِّينُ عَبَثًا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ 38 : 28 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [ 45 : 21 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=36مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [ 68 : 35 ، 36 ] فَالِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ تَعْذِيبِ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ هُوَ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُحْسِنِ ، وَالْمُسِيءِ ، وَوَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَنَاهِيكَ بِهِ ظُلْمًا كَبِيرًا ، فَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ اسْتِشْكَالَ عَطْفِ نَفْيِ الظُّلْمِ عَلَى جَرَائِمِهِمْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَالْمُبَالَغَةَ بِصِيغَةِ " ظَلَّامٍ " أَفَادَتْ أَنَّ تَرْكَ مِثْلِهِمْ يُعَدُّ ظُلْمًا كَبِيرًا ، أَوْ كَثِيرًا .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ عَدْلٌ مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - وَأَشَارَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ ( ظَلَّامٍ ) إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ لَا تَصْدُرُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ كَثِيرَ الظُّلْمِ مُبَالِغًا فِيهِ . وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَلِيلُ مِنَ الظُّلْمُ يُعَدُّ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ عَبَّرَ فِي نَفْيِهِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَثْرَةِ .