( الفصل الرابع )
في
nindex.php?page=treesubj&link=19654_19649_29677_28776قضاء الله وقدره وولايته للمؤمنين وتوكلهم عليه
هذه عدة عقائد من أصول الإيمان ، وكمال التوحيد والإيقان ، جمعت كلها في آية واحدة من هذه السورة ، أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرد بها على المنافقين الذين أخبره عنهم بأنهم تسوءهم كل حسنة تصيبه كالنصر والغنيمة في غزوة بدر ، وتفرحهم كل مصيبة تصيبه كالنكبة التي وقعت في غزوة أحد وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=51قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ( 9 : 51 ) فتصور حال مؤمن يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله
[ ص: 84 ] له ، وأنه إن لم يكن يعرف هذا المكتوب له بعينه ، فهو يعتقد أنه لا يعدو في جملته وعده تعالى له من حيث هو مؤمن من الخير والنصر والشهادة في سبيل الله المعبر عنهما بالحسنيين في الآية التي بعد هذه ( أي آية 52 ) ويعتقد أن الله تعالى هو مولاه الذي يتولى نصره وتوفيقه ; فهو بمقتضى إيمانه يتوكل عليه ويفوض أمره إليه ، تصور حال مؤمن تمكنت هذه العقائد من نفسه ، وملكت عليه وجدانه ، هل يخاف من غير الله ؟ هل ييأس من روح الله ؟ هل يمنعه أي خطب من الخطوب عن الجهاد لإعلاء كلمة الله ، وإقامة دين الله ، وبذل الجهد في إقامة الحق والعدل ومد بساط البر والفضل ؟ وتصور حال أمة يغلب على أفرادها ما ذكر ، ألا تكون أعز الأمم نفسا ، وأشدها بأسا ؟
ويؤيد هذه العقائد ويزيدها رسوخا في قلب تالي هذه السورة ختمها بقوله عز وجل (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ( 9 : 129 ) فينبغي للمؤمن أن يتأمل معناها ويطالب نفسه بالتحقق به ، فإنه يجد به من حلاوة الإيمان وعزة النفس ما يحتقر به خسائس المادة التي يتكالب الماديون عليها ، ويبخعون أنفسهم انتحارا إذا فاتهم أو أعياهم شيء منها ، وقد ورد في ذلك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=920445من قال إذا أصبح وإذا أمسى ( ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ) سبع مرات كفاه الله ما أهمه ، وقد تقدم هذا في تفسير الآية 129 .
( الْفَصْلُ الرَّابِعُ )
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19654_19649_29677_28776قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَوِلَايَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ
هَذِهِ عِدَّةُ عَقَائِدَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ ، وَكَمَالِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيقَانِ ، جُمِعَتْ كُلُّهَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ بِهَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ تَسُوءُهُمْ كُلُّ حَسَنَةٍ تُصِيبُهُ كَالنَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ، وَتُفْرِحُهُمْ كُلُّ مُصِيبَةٍ تُصِيبُهُ كَالنَّكْبَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=51قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( 9 : 51 ) فَتَصَوَّرْ حَالَ مُؤْمِنٍ يُوقِنُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَهُ اللَّهُ
[ ص: 84 ] لَهُ ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ هَذَا الْمَكْتُوبَ لَهُ بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَعْدُو فِي جُمْلَتِهِ وَعْدَهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُؤْمِنٌ مِنَ الْخَيْرِ وَالنَّصْرِ وَالشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُعَبِّرِ عَنْهُمَا بِالْحُسْنَيَيْنِ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ( أَيْ آيَةِ 52 ) وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مَوْلَاهُ الَّذِي يَتَوَلَّى نَصْرَهُ وَتَوْفِيقَهُ ; فَهُوَ بِمُقْتَضَى إِيمَانِهِ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَيْهِ ، تَصَوَّرْ حَالَ مُؤْمِنٍ تَمَكَّنَتْ هَذِهِ الْعَقَائِدُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَمَلَكَتْ عَلَيْهِ وِجْدَانَهُ ، هَلْ يَخَافُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ ؟ هَلْ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ؟ هَلْ يَمْنَعُهُ أَيُّ خَطْبٍ مِنَ الْخُطُوبِ عَنِ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ ، وَإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ ، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِي إِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمَدِّ بِسَاطِ الْبِرِّ وَالْفَضْلِ ؟ وَتَصَوُّرْ حَالَ أُمَّةٍ يَغْلِبُ عَلَى أَفْرَادِهَا مَا ذُكِرَ ، أَلَا تَكُونُ أَعَزَّ الْأُمَمِ نَفْسًا ، وَأَشَدَّهَا بَأْسًا ؟
وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَيَزِيدُهَا رُسُوخًا فِي قَلْبِ تَالِي هَذِهِ السُّورَةِ خَتْمُهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ( 9 : 129 ) فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَعْنَاهَا وَيُطَالِبَ نَفْسَهُ بِالتَّحَقُّقِ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَجِدُ بِهِ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَعِزَّةِ النَّفْسِ مَا يَحْتَقِرُ بِهِ خَسَائِسَ الْمَادَّةِ الَّتِي يَتَكَالَبُ الْمَادِّيُّونَ عَلَيْهَا ، وَيَبْخَعُونَ أَنْفُسَهُمُ انْتِحَارًا إِذَا فَاتَهُمْ أَوْ أَعْيَاهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=920445مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى ( ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ) سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ 129 .