(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) .
ختم الله تعالى هذه السورة بهاتين الآيتين اللتين قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب - رضي الله عنه - : إنهما آخر ما نزل . وبينا في الكلام على السورة قبل الشروع في تفسيرها ما يعارضه ، وسنحقق المسألة بعد الفراغ من تفسير الآيتين .
[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28980_29260nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) جمهور المفسرين على أن الخطاب هنا للعرب فهو في معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ( 62 : 2 ) فالمنة به - صلى الله عليه وسلم - على قومه أعظم ، والحجة عليهم به وبكتابه أنهض ، وأخص قومه به قبيلته
قريش ، فعشيرته الأقربون
بنو هاشم وبنو المطلب ، ولو لم يؤمن به وبكتابه العرب لما آمن العجم ، وهو مبعوث إلى جميع الناس كما تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) ( 7 : 158 ) ولكنه وجه دعوته إلى الأقرب فالأقرب على القاعدة التي بيناها آنفا في قتال الأقرب فالأقرب ، فالعرب آمنوا بدعوته مباشرة ، والعجم آمنوا بدعوة العرب ، العرب آمنوا بفهم القرآن وبيانه - صلى الله عليه وسلم - له بالتبليغ والعمل ، وبما شاهدوا من آيات الله تعالى في شخصه ، والعجم آمنوا بدعوة العرب وما شاهدوا من عدلهم وفضائلهم ، ثم بدعوة بعضهم لبعض بعد انتشار الإسلام فيهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إن الخطاب للعالم كله لعموم بعثته ، فيكون بمعنى ما يأتي في أول السورة التالية (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ) ( 10 : 2 ) إلخ ، ولكن آية أول سورة يونس هذه في الرد على منكري كون البشر رسولا من الله وهو المحكي عن جميع كفار الأمم ، وآية آخر سورة براءة في امتنان الله عز وجل على من أرسل إليهم الرسول من أنفسهم وصميم قومهم ، لتأييد الحجة بالمنة ، والترغيب في إجابة الدعوة ، فإن من طبع كل قوم حب الاختصاص بالفضل والشرف على غيرهم ، كما قال تعالى في امتنانه عليه بالقرآن المجيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) ( 43 : 44 ) أي شرف لك ولهم ، تذكرون به في العالم ، ويدون لكم في التواريخ ، وإنما قاومه وعانده أكابر قومه حتى من
بني هاشم أنفة واستكبارا عن اتباعه وهم يرونه دونهم ، ولما يتضمن اتباعه من الإقرار بكفرهم وكفر آبائهم وأجدادهم الذين يفاخرون بهم ، مع عدم ثقتهم بفوزه وبأنهم ينالون باتباعه من مجد الدنيا فوق ما كانوا عليه بمسافات تطاول السماء رفعة وشرفا ، دع ما هو فوق مجد الدنيا من سعادة الآخرة ، ثم إنهم صاروا يفتخرون بكونه - صلى الله عليه وسلم - منهم ، بأكثر مما يبيحه دينه لهم ، حتى صار أقربهم يتكل على نسبه فيقصر في العلم والعمل ، وقد أكد تعالى هذه المنة الخاصة بوصفه هذا الرسول بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128nindex.php?page=treesubj&link=28980_30997عزيز عليه ما عنتم ) إلخ . العنت : المشقة ولقاء المكروه الشديد ، وقيده
الراغب بما يخاف منه الهلاك ، وعز على فلان الأمر : ثقل واشتد عليه ، وقالوا : هو كناية عن الأنفة عنه ، و ( ( ما ) ) مصدرية - أي شديد على طبعه وشعوره القومي عنتكم لأنه منكم ، وهذا يشمل ما يكون في الدنيا وما يكون في الآخرة ، فلا يهون عليه أن يكونوا في دنياهم أمة ضعيفة ذليلة يعنتها أعداؤها بسيادتهم عليها وتحكمهم فيها ، ولا أن يكونوا في الآخرة من أصحاب النار (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حريص عليكم ) الحرص شدة الرغبة في الحصول على المفقود ، وشدة العناية
[ ص: 72 ] بحفظ الموجود ، وكان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على اهتداء قومه به بإيمان كافرهم وثبات مؤمنهم في دينه كما قال تعالى له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إن تحرص على هداهم ) ( 16 : 37 ) الآية وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) ( 12 : 103 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم ) أي شديد الرأفة والرحمة بالمؤمنين ، فكل ما يدعوهم إليه من العمل بشرائع الله تعالى فهو دليل على ثبوت هذه الصفات الكاملة والعواطف السامية له - صلى الله عليه وسلم - بنص الله تعالى ، وهو أرحم بالمؤمنين وأرأف ، وكل شاق منها كالجهاد فهو منجاة مما هو أشق منه ، ولا شيء من الشاق منها يبالغ حد العنت ، للقطع في هذا الدين بنفي العسر والحرج .
nindex.php?page=treesubj&link=31055وصف الله تعالى رسوله بصفتين من صفاته العلى ، وسماه باسمين من أسمائه الحسنى ، بعد وصفه بوصفين هما أفضل نعوت الرؤساء والزعماء المدبرين لأمور الأمم بالحق والعدل والفضل ، وفي الصحاح والقاموس أن الرأفة أشد الرحمة . وجعلهما بعض اللغويين والمفسرين بمعنى واحد . وقال بعضهم : إن الرأفة أخص ، لا تكاد تقع في الكراهية ، والرحمة قد تقع في الكراهية للمصلحة ، واختار
الرازي أنها مبالغة في رحمة مخصوصة من دفع المكروه وإزالة الضرر .
وقال أستاذنا : إنها لا تستعمل إلا في حق من وقع في بلاء ، اختيارا لقول
الرازي ( ص 11 ج 2 ط الهيئة ) وأصح منه أنها تستعمل في مكان الضعف والشفقة والرقة كقولهم : رأف بولده وترأف به . وتقديمه على الرحيم هو الواجب كأنه قال : رءوف بضعفاء المؤمنين وأولي القربى منهم ، ورحيم بهم كلهم . وتخصيص رأفته ورحمته - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين في مقابلة ما أمر به من
nindex.php?page=treesubj&link=31055_31052_28747الغلظة على الكفار والمنافقين - لا يعارض كون رسالته رحمة للعالمين ، كما هو ظاهر ، فإن هذه الرحمة مبذولة لجميع الأمم ، لعموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - ولكن منهم من قبلها ومنهم من ردها ، وقد بينا في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73واغلظ عليهم ) ( 9 : 73 ) أنه إنما أمر بذلك صلوات الله تعالى عليه لأن الغالب على طبعه الشريف الرقة والرحمة والأدب في المقابلة والمعاشرة ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ( 3 : 159 ) .
وفي التفسير المأثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - في الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) قال ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي - صلى الله عليه وسلم - مضريها وربيعيها ويمانيها ، يعني أن نسبه متشعب في جميع قبائل العرب وبطونها . وعنه في (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128عزيز عليه ما عنتم ) قال شديد عليه ما شق عليكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حريص عليكم ) أن يؤمن كفاركم .
ومن القراءة الشاذة في الآية قراءة ( ( أنفسكم ) ) بفتح الفاء من النفاسة ، رواها
ابن مردويه من حديث علي مرفوعا ، وقرأ بها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وابن محيصن ، ورويت عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق عن أبيه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=11958محمد الباقر ، وهي خبر واحد لا يثبت بها القرآن ، وفيها أن المعهود في فصيح الكلام أن النفيس والأنفس مما يوصف به الأشياء لا الأشخاص .
[ ص: 73 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28980فإن تولوا فقل حسبي الله ) هذا التفات عن خطاب أمة الرسول أو قومه الذين امتن الله تعالى عليهم بمجيئه رسولا إليهم من أنفسهم وبفضائله العائدة عليهم ، إلى خطابه - صلى الله عليه وسلم - وبيان ما يجب عليه في حال إعراضهم عن الاهتداء والانتفاع بما خاطبهم به ربهم في شأنه ، يقول : فإن تولوا وانصرفوا عن الإيمان بك والاهتداء بما جئتهم به (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فقل حسبي الله ) أي هو محسبي الذي يكفيني أمر توليهم وإعراضهم ، وما يعقبه من عداوتهم لي وصدهم عن سبيله وقد بلغت وما قصرت (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129لا إله إلا هو ) أي لا معبود غيره ألجأ إليه بالدعاء والاستعانة كما يلجئون إلى آلهتهم المنتحلة (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129عليه توكلت ) وحده ، فلا أكل أمري فيما أعجز عنه إلى غيره وكيف لا أخصه بالتوكل (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28980_29640وهو رب العرش العظيم ) الذي هو مركز تدبير أمور الخلق كلها كما قال في الآية الثالثة من السورة التالية ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثم استوى على العرش يدبر الأمر ) ( 10 : 3 ) قرأ جمهور القراء " ( العظيم ) " بالخفض على أنه صفة للعرش . وقرئ بالرفع على أنه صفة لرب ، ورويت هذه القراءة عن
ابن كثير ، وعظمة العرش بعظمة الرب الذي استوى عليه وعظمة الملك الكبير الذي هو مركز تدبيره ، ووحدة النظام فيه ، وعظمتهما في الملأ الأعلى وفيما دونه هي المظهر الوجودي لعظمة هذا الرب التي لا تحد ، ولا يدرك كنهها أحد ، ودليل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28679_29430_29428الإله الحق الذي لا يصح أن يعبد غيره ولا يتوكل على سواه ، وكيف يعبد غيره بالدعاء أو غيره ، أو يتوكل على سواه من يعلم أنه هو الرب المالك للعالم كله والمدبر لأموره ، ويراجع هنا تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يا أيها النبي حسبك الله ) ( 8 : 64 ) ( في ص 63 وما بعدها ج 10 ط الهيئة )
وفسر بعضهم العرش هنا بالملك ( بالضم ) لأنه يطلق عليه تجوزا وهو خطأ منهم ; لأن هذا التجوز لا مسوغ له ، ولا يصح في كل الآيات التي ورد فيها اللفظ ، والمعنى الحقيقي أبلغ منه وأعم ، فإنه يدل على المعنى المجازي وزيادة ; إذ ليس لكل ملك في الأرض عرش حقيقي هو المركز الوحيد لتدبير كل شيء فيه ، فالعرش العظيم يدل على الملك العظيم وعلى وحدة النظام والتدبير فيه ، ولفظ الملك العظيم لا يدل على هذا ، لاحتمال وجود الخلل فيه ، وكون تدبيره ليس له مرجع وحدة تكفل النظام ، وتمنع الخلل والفساد ،
nindex.php?page=treesubj&link=29639ونظار المتكلمين ومفسروهم يتأولون العرش والاستواء عليه فرارا من التشبيه الذي يستلزمه بزعمهم المبني على قياس عالم الغيب على عالم الشهادة ، وقياس الخالق على المخلوق ، وهو قياس باطل بإجماعهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس سمي العرش عرشا لارتفاعه ، وفي الدر المنثور روايات في وصف العرش ومادته هي من الإسرائيليات لا يصح فيها شيء مرفوع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .
خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنَّهُمَا آخِرُ مَا نَزَلَ . وَبَيَّنَّا فِي الْكَلَامِ عَلَى السُّورَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي تَفْسِيرِهَا مَا يُعَارِضُهُ ، وَسَنُحَقِّقُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ .
[ ص: 71 ] (
nindex.php?page=treesubj&link=28980_29260nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ هُنَا لِلْعَرَبِ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) ( 62 : 2 ) فَالْمِنَّةُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمِهِ أَعْظَمُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِ وَبِكِتَابِهِ أَنْهَضُ ، وَأَخَصُّ قَوْمِهِ بِهِ قَبِيلَتُهُ
قُرَيْشٌ ، فَعَشِيرَتُهُ الْأَقْرَبُونَ
بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ، وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَبِكِتَابِهِ الْعَرَبُ لَمَا آمَنَ الْعَجَمُ ، وَهُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ( 7 : 158 ) وَلَكِنَّهُ وَجَّهَ دَعْوَتَهُ إِلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا آنِفًا فِي قِتَالِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، فَالْعَرَبُ آمَنُوا بِدَعْوَتِهِ مُبَاشَرَةً ، وَالْعَجَمُ آمَنُوا بِدَعْوَةِ الْعَرَبِ ، الْعَرَبُ آمَنُوا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ وَبَيَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْعَمَلِ ، وَبِمَا شَاهَدُوا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَخْصِهِ ، وَالْعَجَمُ آمَنُوا بِدَعْوَةِ الْعَرَبِ وَمَا شَاهَدُوا مِنْ عَدْلِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ ، ثُمَّ بِدَعْوَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بَعْدَ انْتِشَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : إِنَّ الْخِطَابَ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ التَّالِيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) ( 10 : 2 ) إِلَخْ ، وَلَكِنَّ آيَةَ أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ هَذِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي كَوْنِ الْبَشَرِ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ جَمِيعِ كُفَّارِ الْأُمَمِ ، وَآيَةُ آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ فِي امْتِنَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَصَمِيمِ قَوْمِهِمْ ، لِتَأْيِيدِ الْحُجَّةِ بِالْمِنَّةِ ، وَالتَّرْغِيبِ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ ، فَإِنَّ مِنْ طَبْعِ كُلِّ قَوْمٍ حُبَّ الِاخْتِصَاصِ بِالْفَضْلِ وَالشَّرَفِ عَلَى غَيْرِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي امْتِنَانِهِ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) ( 43 : 44 ) أَيْ شَرَفٌ لَكَ وَلَهُمْ ، تُذْكَرُونَ بِهِ فِي الْعَالَمِ ، وَيُدَوَّنُ لَكُمْ فِي التَّوَارِيخِ ، وَإِنَّمَا قَاوَمَهُ وَعَانَدَهُ أَكَابِرُ قَوْمِهِ حَتَّى مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ أَنَفَةً وَاسْتِكْبَارًا عَنِ اتِّبَاعِهِ وَهُمْ يَرَوْنَهُ دُونَهُمْ ، وَلِمَا يَتَضَمَّنُ اتِّبَاعُهُ مِنَ الْإِقْرَارِ بِكُفْرِهِمْ وَكُفْرِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمُ الَّذِينَ يُفَاخِرُونَ بِهِمْ ، مَعَ عَدَمِ ثِقَتِهِمْ بِفَوْزِهِ وَبِأَنَّهُمْ يَنَالُونَ بِاتِّبَاعِهِ مِنْ مَجْدِ الدُّنْيَا فَوْقَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ بِمَسَافَاتٍ تُطَاوِلُ السَّمَاءَ رِفْعَةً وَشَرَفًا ، دَعْ مَا هُوَ فَوْقَ مَجْدِ الدُّنْيَا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ صَارُوا يَفْتَخِرُونَ بِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ ، بِأَكْثَرَ مِمَّا يُبِيحُهُ دِينُهُ لَهُمْ ، حَتَّى صَارَ أَقْرَبُهُمْ يَتَّكِلُ عَلَى نَسَبِهِ فَيُقَصِّرُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ، وَقَدْ أَكَّدَ تَعَالَى هَذِهِ الْمِنَّةَ الْخَاصَّةَ بِوَصْفِهِ هَذَا الرَّسُولَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128nindex.php?page=treesubj&link=28980_30997عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) إِلَخْ . الْعَنَتُ : الْمَشَقَّةُ وَلِقَاءُ الْمَكْرُوهِ الشَّدِيدِ ، وَقَيَّدَهُ
الرَّاغِبُ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ ، وَعَزَّ عَلَى فُلَانٍ الْأَمْرُ : ثَقُلَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ، وَقَالُوا : هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَنَفَةِ عَنْهُ ، وَ ( ( مَا ) ) مَصْدَرِيَّةٌ - أَيْ شَدِيدٌ عَلَى طَبْعِهِ وَشُعُورِهِ الْقَوْمِيِّ عَنَتُكُمْ لِأَنَّهُ مِنْكُمْ ، وَهَذَا يَشْمَلُ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ ، فَلَا يَهُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونُوا فِي دُنْيَاهُمْ أُمَّةً ضَعِيفَةً ذَلِيلَةً يُعْنِتُهَا أَعْدَاؤُهَا بِسِيَادَتِهِمْ عَلَيْهَا وَتَحَكُّمِهِمْ فِيهَا ، وَلَا أَنْ يَكُونُوا فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) الْحِرْصُ شِدَّةُ الرَّغْبَةِ فِي الْحُصُولِ عَلَى الْمَفْقُودِ ، وَشِدَّةُ الْعِنَايَةِ
[ ص: 72 ] بِحِفْظِ الْمَوْجُودِ ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِيصًا عَلَى اهْتِدَاءِ قَوْمِهِ بِهِ بِإِيمَانِ كَافِرِهِمْ وَثَبَاتِ مُؤْمِنِهِمْ فِي دِينِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ ) ( 16 : 37 ) الْآيَةَ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) ( 12 : 103 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) أَيْ شَدِيدُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ ، فَكُلُّ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِشَرَائِعِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ وَالْعَوَاطِفِ السَّامِيَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَرْأَفُ ، وَكُلُّ شَاقٍّ مِنْهَا كَالْجِهَادِ فَهُوَ مَنْجَاةٌ مِمَّا هُوَ أَشَقُّ مِنْهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الشَّاقِّ مِنْهَا يُبَالِغُ حَدَّ الْعَنَتِ ، لِلْقَطْعِ فِي هَذَا الدِّينِ بِنَفْيِ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31055وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِصِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَى ، وَسَمَّاهُ بِاسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، بَعْدَ وَصْفِهِ بِوَصْفَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ نُعُوتِ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ الْمُدَبِّرِينَ لِأُمُورِ الْأُمَمِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ ، وَفِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ أَنَّ الرَّأْفَةَ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ . وَجَعَلَهُمَا بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُفَسِّرِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الرَّأْفَةَ أَخَصُّ ، لَا تَكَادُ تَقَعُ فِي الْكَرَاهِيَةِ ، وَالرَّحْمَةُ قَدْ تَقَعُ فِي الْكَرَاهِيَةِ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَاخْتَارَ
الرَّازِيُّ أَنَّهَا مُبَالَغَةٌ فِي رَحْمَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ .
وَقَالَ أُسْتَاذُنَا : إِنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ فِي بَلَاءٍ ، اخْتِيَارًا لِقَوْلِ
الرَّازِيِّ ( ص 11 ج 2 ط الْهَيْئَةِ ) وَأَصَحُّ مِنْهُ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَكَانِ الضَّعْفِ وَالشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ كَقَوْلِهِمْ : رَأَفَ بِوَلَدِهِ وَتَرَأَّفَ بِهِ . وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّحِيمِ هُوَ الْوَاجِبُ كَأَنَّهُ قَالَ : رَءُوفٌ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَأُولِي الْقُرْبَى مِنْهُمْ ، وَرَحِيمٌ بِهِمْ كُلِّهِمْ . وَتَخْصِيصُ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤْمِنِينَ فِي مُقَابَلَةِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=31055_31052_28747الْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ - لَا يُعَارِضُ كَوْنَ رِسَالَتِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّ هَذِهِ الرَّحْمَةَ مَبْذُولَةٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ ، لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ( 9 : 73 ) أَنَّهُ إِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى طَبْعِهِ الشَّرِيفِ الرِّقَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْأَدَبُ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( 3 : 159 ) .
وَفِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) قَالَ لَيْسَ مِنَ الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ إِلَّا وَقَدْ وَلَدَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضَرِيِّهَا وَرَبِيعِيِّهَا وَيَمَانِيِّهَا ، يَعْنِي أَنَّ نَسَبَهُ مُتَشَعِّبٌ فِي جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَبُطُونِهَا . وَعَنْهُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) قَالَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ مَا شَقَّ عَلَيْكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) أَنْ يُؤْمِنَ كُفَّارُكُمْ .
وَمِنَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي الْآيَةِ قِرَاءَةُ ( ( أَنْفَسِكُمْ ) ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنَ النَّفَاسَةِ ، رَوَاهَا
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا ، وَقَرَأَ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ ، وَرُوِيَتْ عَنِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=11958مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ ، وَهِيَ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقُرْآنُ ، وَفِيهَا أَنَّ الْمَعْهُودَ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ أَنَّ النَّفِيسَ وَالْأَنْفَسَ مِمَّا يُوصَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ لَا الْأَشْخَاصُ .
[ ص: 73 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28980فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ) هَذَا الْتِفَاتٌ عَنْ خِطَابِ أُمَّةِ الرَّسُولِ أَوْ قَوْمِهِ الَّذِينَ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِمَجِيئِهِ رَسُولًا إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَبِفَضَائِلِهِ الْعَائِدَةِ عَلَيْهِمْ ، إِلَى خِطَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاهْتِدَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ فِي شَأْنِهِ ، يَقُولُ : فَإِنْ تَوَلَّوْا وَانْصَرَفُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِكَ وَالِاهْتِدَاءِ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ) أَيْ هُوَ مُحْسِبِي الَّذِي يَكْفِينِي أَمْرَ تَوَلِّيهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ ، وَمَا يَعْقُبُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِمْ لِي وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِهِ وَقَدْ بَلَّغْتَ وَمَا قَصَّرْتَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) أَيْ لَا مَعْبُودَ غَيْرُهُ أَلْجَأُ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ كَمَا يَلْجَئُونَ إِلَى آلِهَتِهِمُ الْمُنْتَحَلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) وَحْدَهُ ، فَلَا أَكِلُ أَمْرِي فِيمَا أَعْجِزُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَكَيْفَ لَا أَخُصُّهُ بِالتَّوَكُّلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28980_29640وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) الَّذِي هُوَ مَرْكَزُ تَدْبِيرِ أُمُورِ الْخَلْقِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ السُّورَةِ التَّالِيَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) ( 10 : 3 ) قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ " ( الْعَظِيمِ ) " بِالْخَفْضِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ . وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرَبِّ ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ ، وَعَظَمَةُ الْعَرْشِ بِعَظَمَةِ الرَّبِّ الَّذِي اسْتَوَى عَلَيْهِ وَعَظَمَةُ الْمُلْكِ الْكَبِيرِ الَّذِي هُوَ مَرْكَزُ تَدْبِيرِهِ ، وَوَحْدَةُ النِّظَامِ فِيهِ ، وَعَظَمَتُهُمَا فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَفِيمَا دُونَهُ هِيَ الْمَظْهَرُ الْوُجُودِيُّ لِعَظَمَةِ هَذَا الرَّبِّ الَّتِي لَا تُحَدُّ ، وَلَا يُدْرِكُ كُنْهَهَا أَحَدٌ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28679_29430_29428الْإِلَهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ وَلَا يُتَوَكَّلُ عَلَى سِوَاهُ ، وَكَيْفَ يَعْبُدُ غَيْرُهُ بِالدُّعَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ يَتَوَكَّلُ عَلَى سِوَاهُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ الْمَالِكُ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ وَالْمُدَبِّرُ لِأُمُورِهِ ، وَيُرَاجَعُ هُنَا تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ) ( 8 : 64 ) ( فِي ص 63 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ )
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْعَرْشَ هُنَا بِالْمُلْكِ ( بِالضَّمِّ ) لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَجَوُّزًا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ هَذَا التَّجَوُّزَ لَا مُسَوِّغَ لَهُ ، وَلَا يَصِحُّ فِي كُلِّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا اللَّفْظُ ، وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَبْلَغُ مِنْهُ وَأَعَمُّ ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَزِيَادَةٍ ; إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ مُلْكٍ فِي الْأَرْضِ عَرْشٌ حَقِيقِيٌّ هُوَ الْمَرْكَزُ الْوَحِيدُ لِتَدْبِيرِ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ ، فَالْعَرْشُ الْعَظِيمُ يَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَعَلَى وَحْدَةِ النِّظَامِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ ، وَلَفْظُ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا ، لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْخَلَلِ فِيهِ ، وَكَوْنُ تَدْبِيرِهِ لَيْسَ لَهُ مَرْجِعُ وَحْدَةٍ تَكْفُلُ النِّظَامَ ، وَتَمْنَعُ الْخَلَلَ وَالْفَسَادَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29639وَنُظَّارُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمُفَسِّرُوهُمْ يَتَأَوَّلُونَ الْعَرْشَ وَالِاسْتِوَاءَ عَلَيْهِ فِرَارًا مِنَ التَّشْبِيهِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ بِزَعْمِهِمُ الْمَبْنِيِّ عَلَى قِيَاسِ عَالَمِ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ ، وَقِيَاسِ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ ، وَهُوَ قِيَاسٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ سُمِّيَ الْعَرْشُ عَرْشًا لِارْتِفَاعِهِ ، وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ رِوَايَاتٌ فِي وَصْفِ الْعَرْشِ وَمَادَّتِهِ هِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ مَرْفُوعٌ .