تتمة تفسير الآيات
وهاهنا يرد سؤال : ماذا كان من أمر السحرة عندما سمعوا هذا التهديد والوعيد ، وبم أجابوا ذلك الجبار العنيد ؟ وجوابه هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=125nindex.php?page=treesubj&link=28978_33952_28759قالوا إنا إلى ربنا منقلبون يجوز أن يكونوا قد عنوا بقولهم هذا أنفسهم وحدها ، وأرادوا أنهم لا يبالون ما يكون من قضائه فيهم وقتله لهم ؛ لأنهم راجعون إلى ربهم ، راجون مغفرته ورحمته بهم ، وحينئذ يكون تعجيل قتلهم سببا لقرب لقائه ، والتمتع بحسن جزائه . ويجوز أن يكونوا قد عنوا أنفسهم
وفرعون جميعا ، وأرادوا : إننا وإياك سننقلب إلى ربنا ، فلئن قتلتنا فما أنت بخالد بعدنا ، وسيحكم عز وجل بعدله بينك وبيننا
[ ص: 67 ] وفيه تعريض بكذبه في دعوى الربوبية ، وتصريح وإيثار ما عند الله تعالى على ما عنده من الشهوات الدنيوية ، وفي سورة الشعراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ( 26 : 50 ، 51 ) وهو يؤيد المعنى الأول ، ولا ينافي الثاني ؛ لأنه يشمل الأول .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا قال
الراغب : نقمت الشيء ونقمته أي - من بابي فرح وضرب - إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ( 9 : 74 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=8وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله ( 85 : 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=59هل تنقمون منا ( 5 : 59 ) الآية . والنقمة : العقوبة ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ( 7 : 136 ) إلخ . وتفسيره هذا لـ " نقم " أدق وأشمل من قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الأساس : ونقمت منه كذا : أنكرته وعبته . فإنه لم يذكر إلا القولي منه ، وقد استشهد له بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=8وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا ( 85 : 8 ) وهو في أصحاب الأخدود ، وكان النقم منهم بالفعل لا بالقول ، فسبحان من لا ينسى ولا يغفل . وما ذكره السحرة من نقم
فرعون منهم كان بالقول ، وهو الاستنكار التوبيخي لإيمانهم ، والتهمة فيه والوعيد عليه ، والظاهر أنه نفذ الوعيد بالانتقام بالفعل ، واستنبط بعض المفسرين من قوله تعالى
لموسى وهارون :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أنتما ومن اتبعكما لغالبون ( 28 : 35 ) أن
فرعون لم يقدر على تنفيذ الوعيد فيهم ، وأجيب عن هذا بأن المراد الغلبة بالحجة والبرهان ، وفي عاقبة الأمر ونهايته ، وإلا لم يقتل أحد من أتباع الرسل عليهم السلام ، وهو صريح قوله تعالى في أول هذه القصة الذي ذكرنا أنه بيان لنتيجتها ، ووجه العبرة فيها :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فانظر كيف كان عاقبة المفسدين يعني
فرعون وملأه ، ويؤيده ما ورد في معناه من الآيات الكثيرة كقوله تعالى حكاية عن
شعيب في قصته التي مرت في هذه السورة أيضا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين وقوله قبله في قصة
لوط منها :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84فانظر كيف كان عاقبة المجرمين وقوله تعالى في مكذبي الرسل عامة بعد ذكر تكذيب قوم خاتم الرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 10 : 39 ) ويجوز أن يراد بمن اتبع
موسى وهارون قومهما خاصة ، وهم الذين بشرهم
موسى بأن العاقبة لهم بعد وعيد
فرعون لهم عقب خبر السحرة ، وهو ما تراه في الآية الثانية بعد هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها ، وهذه العاقبة قد بينها الله تعالى بقوله في سورة القصص : فأخذناه يعني
فرعون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 28 : 40 ) ، وقد ختم تعالى ما قصه هنا من كلام السحرة بهذا الدعاء فنذكره تالين داعين :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين أي : ربنا هب لنا صبرا واسعا تفيضه وتفرغه علينا إفراغا بتثبيتك إيانا على الإيمان ، وتأييدنا بروحك فيه كما يفرغ الماء من القرب ، حتى لا يبقى
[ ص: 68 ] في قلوبنا شيء من خوف غيرك ، ولا من الرجاء فيما سوى فضلك ونوالك . وتوفنا إليك حال كوننا مسلمين لك مذعنين لأمرك ونهيك ، مستسلمين لقضائك ، غير مفتونين بتهديد
فرعون ، وغير مطيعين له في قول ولا فعل . جمعوا بدعائهم هذا بين كمال الإيمان والإسلام .
يدل على ما قررناه من المبالغة في طلب كمال الصبر - تنكيره والتعبير عن إيتائه بالإفراغ ، وهو صب الماء الكثير من الدلو ونحوه ، وأما تصويرنا لحصول ذلك بقوة الإيمان فمأخذه من العقل والتجارب : أن الصبر من صفات النفس ، وهو عبارة عن قوة فيها على احتمال الآلام والمكارم بغير تبرم ولا حرج يحملها على ما لا ينبغي من ترك الحق أو اجتراح الباطل ، ولا شيء كالإيمان بالله والخوف منه ، والرجاء فيه يقوي هذه الصفة في النفس ، ومأخذه من النقل آيات كقوله تعالى في بيان المؤمنين الذين عملوا الصالحات فوجبت لهم الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=42الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ( 29 : 59 ) وقوله فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 103 : 3 ) ومما يناسب المقام قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( 3 : 175 ) .
ولدينا من نقول التاريخ القديم والحديث ما يؤيد ذلك ، وقد صرح الذين كتبوا أخبار الحروب الأخيرة بعللها وفلسفتها : أن المؤمنين بالله وباليوم الآخر من جميع الملل أعظم شجاعة ، وأشد صبرا على مشاق الحرب من غيرهم ؛ ولذلك يحرص أوسع الناس علما بسنن الخلق ، وأشدهم عناية بفنون الحرب - كالشعب الألماني - على المحافظة على الدين في جيشهم ، وللبرنس
بسمارك مؤسس وحدتهم ، ووزيرهم الأعظم بل أكبر ساسة أوربة - كلمة في هذا المعنى أثبتناها في المجلد الأول من المنار من ترجمة الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى عن كتاب ( وقائع
بسمارك ومذكراته ) التي نشرها كاتم سره مسيو
بوش بعد موته نكتفي منها هنا بقوله :
" جلس البرنس
بسمارك على مائدة الطعام فرأى بقعة من الدهن على غطاء المائدة فقال لأصحابه : كما تنتشر هذه البقعة في النسيج شيئا فشيئا كذلك ينفذ الشعور باستحسان الموت في سبيل الدفاع عن الوطن في أعماق قلوب الشعب ، ولو لم يكن هنالك أمل في الجزاء والمكافأة ( أي في الدنيا ) ذلك لما استكن في الضمائر من بقايا الإيمان - ذلك لما يشعر به كل أحد من أن واحدا مهيمنا يراه وهو يجالد ويموت وإن لم يكن قائده يراه .
فقال بعض المرتابين : أتظن سعادتكم أن العساكر يلاحظون في أعمالهم تلك الملاحظة ؟
فأجابه البرنس : ليس هذا من قبيل الملاحظات ، وإنما هو شعور ووجدان ، هو بوادر تسبق الفكر ، هو ميل في النفس وهوى فيها ، كأنه غريزة لها ؛ ولو لاحظوا لفقدوا ذلك الميل ، وأضلوا ذلك الوجدان ، هل تعلمون أنني لا أفهم كيف يعيش قوم ، وكيف يمكن لهم أن يقوموا بتأدية ما عليهم من الواجبات ؟ أو كيف يحملون غيرهم على أداء ما يجب عليه إن لم يكن لهم
[ ص: 69 ] إيمان بدين جاء به وحي سماوي ، واعتقاد بإله يحب الخير ، وحاكم ينتهي إليه الفصل في الأعمال في حياة بعد هذه الحياة ؟ " .
ثم أطال في ذلك بأسلوب آخر صرح فيه بأنه لولا عقيدته الدينية لما خدم سلطانه وعاهله ( الإمبراطور ) ساعة من الزمان إلى آخر ما قاله فيراجع في محله .
تَتِمَّةُ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ
وَهَاهُنَا يَرِدُ سُؤَالٌ : مَاذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ السَّحَرَةِ عِنْدَمَا سَمِعُوا هَذَا التَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ ، وَبِمَ أَجَابُوا ذَلِكَ الْجَبَّارَ الْعَنِيدَ ؟ وَجَوَابُهُ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=125nindex.php?page=treesubj&link=28978_33952_28759قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ هَذَا أَنْفُسَهُمْ وَحْدَهَا ، وَأَرَادُوا أَنَّهُمْ لَا يُبَالُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَضَائِهِ فِيهِمْ وَقَتْلِهِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ ، رَاجُونَ مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ بِهِمْ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْجِيلُ قَتْلِهِمْ سَبَبًا لِقُرْبِ لِقَائِهِ ، وَالتَّمَتُّعِ بِحُسْنِ جَزَائِهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَنَوْا أَنْفُسَهُمْ
وَفِرْعَوْنَ جَمِيعًا ، وَأَرَادُوا : إِنَّنَا وَإِيَّاكَ سَنَنْقَلِبُ إِلَى رَبِّنَا ، فَلَئِنْ قَتَلْتَنَا فَمَا أَنْتَ بِخَالِدٍ بَعْدَنَا ، وَسَيَحْكُمُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَدْلِهِ بَيْنَكَ وَبَيْنَنَا
[ ص: 67 ] وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِكَذِبِهِ فِي دَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَصْرِيحُ وَإِيثَارُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ( 26 : 50 ، 51 ) وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ ، وَلَا يُنَافِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْأَوَّلَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا قَالَ
الرَّاغِبُ : نَقِمْتُ الشَّيْءَ وَنَقَمْتُهُ أَيْ - مِنْ بَابَيْ فَرِحَ وَضَرَبَ - إِذَا أَنْكَرْتُهُ إِمَّا بِاللِّسَانِ وَإِمَّا بِالْعُقُوبَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ ( 9 : 74 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=8وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ( 85 : 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=59هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا ( 5 : 59 ) الْآيَةَ . وَالنِّقْمَةُ : الْعُقُوبَةُ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ( 7 : 136 ) إِلَخْ . وَتَفْسِيرُهُ هَذَا لِـ " نَقَمَ " أَدَقُّ وَأَشْمَلُ مِنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْأَسَاسِ : وَنَقِمْتُ مِنْهُ كَذَا : أَنْكَرْتُهُ وَعِبْتُهُ . فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الْقَوْلِيَّ مِنْهُ ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=8وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا ( 85 : 8 ) وَهُوَ فِي أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ ، وَكَانَ النَّقْمُ مِنْهُمْ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَنْسَى وَلَا يَغْفُلُ . وَمَا ذَكَرَهُ السَّحَرَةُ مِنْ نَقْمِ
فِرْعَوْنَ مِنْهُمْ كَانَ بِالْقَوْلِ ، وَهُوَ الِاسْتِنْكَارُ التَّوْبِيخِيُّ لِإِيمَانِهِمْ ، وَالتُّهْمَةُ فِيهِ وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَفَّذَ الْوَعِيدَ بِالِانْتِقَامِ بِالْفِعْلِ ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
لِمُوسَى وَهَارُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا لَغَالِبُونَ ( 28 : 35 ) أَنَّ
فِرْعَوْنَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَنْفِيذِ الْوَعِيدِ فِيهِمْ ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْغَلَبَةُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ، وَفِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَنِهَايَتِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يُقْتَلْ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِنَتِيجَتِهَا ، وَوَجْهُ الْعِبْرَةِ فِيهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ يَعْنِي
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
شُعَيْبٍ فِي قِصَّتِهِ الَّتِي مَرَّتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=86وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَقَوْلِهِ قَبْلَهُ فِي قِصَّةِ
لُوطٍ مِنْهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مُكَذِّبِي الرُّسُلِ عَامَّةً بَعْدَ ذِكْرِ تَكْذِيبِ قَوْمِ خَاتَمِ الرُّسُلِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=39كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( 10 : 39 ) وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِمَنِ اتَّبَعَ
مُوسَى وَهَارُونَ قَوْمُهُمَا خَاصَّةً ، وَهُمُ الَّذِينَ بَشَّرَهُمْ
مُوسَى بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُمْ بَعْدَ وَعِيدِ
فِرْعَوْنَ لَهُمْ عَقِبَ خَبَرِ السَّحَرَةِ ، وَهُوَ مَا تَرَاهُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا ، وَهَذِهِ الْعَاقِبَةُ قَدْ بَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ : فَأَخَذْنَاهُ يَعْنِي
فِرْعَوْنَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( 28 : 40 ) ، وَقَدْ خَتَمَ تَعَالَى مَا قَصَّهُ هُنَا مِنْ كَلَامِ السَّحَرَةِ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَنَذْكُرُهُ تَالِينَ دَاعِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ أَيْ : رَبَّنَا هَبْ لَنَا صَبْرًا وَاسِعًا تُفِيضُهُ وَتُفْرِغُهُ عَلَيْنَا إِفْرَاغًا بِتَثْبِيتِكَ إِيَّانَا عَلَى الْإِيمَانِ ، وَتَأْيِيدِنَا بِرُوحِكَ فِيهِ كَمَا يُفْرَغُ الْمَاءُ مِنَ الْقِرَبِ ، حَتَّى لَا يَبْقَى
[ ص: 68 ] فِي قُلُوبِنَا شَيْءٌ مِنْ خَوْفِ غَيْرِكَ ، وَلَا مِنَ الرَّجَاءِ فِيمَا سِوَى فَضْلِكَ وَنَوَالِكَ . وَتَوَفَّنَا إِلَيْكَ حَالَ كَوْنِنَا مُسْلِمِينَ لَكَ مُذْعِنِينَ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ ، مُسْتَسْلِمِينَ لِقَضَائِكَ ، غَيْرَ مَفْتُونِينَ بِتَهْدِيدِ
فِرْعَوْنَ ، وَغَيْرِ مُطِيعِينَ لَهُ فِي قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ . جَمَعُوا بِدُعَائِهِمْ هَذَا بَيْنَ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ .
يَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي طَلَبِ كَمَالِ الصَّبْرِ - تَنْكِيرُهُ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ إِيتَائِهِ بِالْإِفْرَاغِ ، وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ الْكَثِيرِ مِنَ الدَّلْوِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا تَصْوِيرُنَا لِحُصُولِ ذَلِكَ بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ فَمَأْخَذُهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالتَّجَارِبِ : أَنَّ الصَّبْرَ مِنْ صِفَاتِ النَّفْسِ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ فِيهَا عَلَى احْتِمَالِ الْآلَامِ وَالْمَكَارِمِ بِغَيْرِ تَبَرُّمٍ وَلَا حَرَجٍ يَحْمِلُهَا عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ تَرْكِ الْحَقِّ أَوِ اجْتِرَاحِ الْبَاطِلِ ، وَلَا شَيْءَ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ يُقَوِّي هَذِهِ الصِّفَةَ فِي النَّفْسِ ، وَمَأْخَذُهُ مِنَ النَّقْلِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي بَيَانِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَوَجَبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=42الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 29 : 59 ) وَقَوْلُهُ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=3وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( 103 : 3 ) وَمِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 3 : 175 ) .
وَلَدَيْنَا مِنْ نُقُولِ التَّارِيخِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الَّذِينَ كَتَبُوا أَخْبَارَ الْحُرُوبِ الْأَخِيرَةِ بِعِلَلِهَا وَفَلْسَفَتِهَا : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ أَعْظَمُ شَجَاعَةً ، وَأَشَدُّ صَبْرًا عَلَى مَشَاقِّ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ يَحْرِصُ أَوْسَعُ النَّاسِ عِلْمًا بِسُنَنِ الْخَلْقِ ، وَأَشَدُّهُمْ عِنَايَةً بِفُنُونِ الْحَرْبِ - كَالشَّعْبِ الْأَلْمَانِيِّ - عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الدِّينِ فِي جَيْشِهِمْ ، وَلِلْبِرِنْسِ
بِسْمَارْكَ مُؤَسِّسِ وَحْدَتِهِمْ ، وَوَزِيرِهِمِ الْأَعْظَمِ بَلْ أَكْبَرُ سَاسَةِ أُورُبَّةَ - كَلِمَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَثْبَتْنَاهَا فِي الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَنَارِ مِنْ تَرْجَمَةِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كِتَابِ ( وَقَائِعِ
بِسْمَارْكَ وَمُذَكِّرَاتِهِ ) الَّتِي نَشَرَهَا كَاتِمُ سِرِّهِ مِسْيُو
بُوش بَعْدَ مَوْتِهِ نَكْتَفِي مِنْهَا هُنَا بِقَوْلِهِ :
" جَلَسَ الْبِرِنْسُ
بِسْمَارْكُ عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ فَرَأَى بُقْعَةً مِنَ الدُّهْنِ عَلَى غِطَاءِ الْمَائِدَةِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كَمَا تَنْتَشِرُ هَذِهِ الْبُقْعَةُ فِي النَّسِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَذَلِكَ يَنْفُذُ الشُّعُورُ بِاسْتِحْسَانِ الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ فِي أَعْمَاقِ قُلُوبِ الشَّعْبِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ أَمَلٌ فِي الْجَزَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ ( أَيْ فِي الدُّنْيَا ) ذَلِكَ لَمَا اسْتَكَنَّ فِي الضَّمَائِرِ مِنْ بَقَايَا الْإِيمَانِ - ذَلِكَ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّ وَاحِدًا مُهَيْمِنًا يَرَاهُ وَهُوَ يُجَالِدُ وَيَمُوتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِدُهُ يَرَاهُ .
فَقَالَ بَعْضُ الْمُرْتَابِينَ : أَتَظُنُّ سَعَادَتُكُمْ أَنَّ الْعَسَاكِرَ يُلَاحِظُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ تِلْكَ الْمُلَاحَظَةَ ؟
فَأَجَابَهُ الْبِرِنْسُ : لَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُلَاحَظَاتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شُعُورٌ وَوِجْدَانٌ ، هُوَ بَوَادِرُ تَسْبِقُ الْفِكْرَ ، هُوَ مَيْلٌ فِي النَّفْسِ وَهَوًى فِيهَا ، كَأَنَّهُ غَرِيزَةٌ لَهَا ؛ وَلَوْ لَاحَظُوا لَفَقَدُوا ذَلِكَ الْمَيْلَ ، وَأَضَلُّوا ذَلِكَ الْوِجْدَانَ ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّنِي لَا أَفْهَمُ كَيْفَ يَعِيشُ قَوْمٌ ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِتَأْدِيَةِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ ؟ أَوْ كَيْفَ يَحْمِلُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى أَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
[ ص: 69 ] إِيمَانٌ بِدِينٍ جَاءَ بِهِ وَحْيٌ سَمَاوِيٌّ ، وَاعْتِقَادٌ بِإِلَهٍ يُحِبُّ الْخَيْرَ ، وَحَاكِمٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْفَصْلُ فِي الْأَعْمَالِ فِي حَيَاةٍ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ ؟ " .
ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ بِأُسْلُوبٍ آخَرَ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَوْلَا عَقِيدَتُهُ الدِّينِيَّةُ لَمَا خَدَمَ سُلْطَانَهُ وَعَاهِلَهُ ( الْإِمْبِرَاطُورَ ) سَاعَةً مِنَ الزَّمَانِ إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فَيُرَاجَعُ فِي مَحَلِّهِ .