( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) أي والسابع مما أتلوه عليكم من وصايا ربكم أن أوفوا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم ، والميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون ، فليكن كل ذلك وافيا تاما بالقسط أي العدل ولا تكونوا من المطففين ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) ( 83 : 2 ، 3 ) أي ينقصون الكيل والوزن ، وهم الذين توعدهم الله بالويل والهلاك في أول السورة التي سميت باسمهم . فهذا هو النهي المقابل للأمر بالإيفاء وهو لازم له ، فالجملة موجزة ، فكلمة ( بالقسط ) هي التي بينت أن الإيفاء يجب أن يكون من الجانبين في الحالين ، أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط متحرين له ، وهو يقتضي طرفين يقسط بينهما ، فدل على أنه يجب على الإنسان أن يرضى لغيره ما يرضاه لنفسه ، وأين الذين يدعون اتباع القرآن في هذا الزمان من هذه الوصية ! لا تكاد تجد في المائة منهم في مثل بلادنا هذه بائعا يوفي الكيل والميزان لمبتاع يسلم الأمر له ويرضى بذمته .
( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) هذه جملة مستأنفة لبيان حكم ما يعرض لأهل الدين والورع من الأمر بالقسط في الإيفاء ; فإن أقامة القسط أمر دقيق جدا ، لا يتحقق في كل مكيل وموزون إلا إذا كان بموازين كميزان الذهب الذي يضبط الوزن بالحبة وما دونها ، وفي التزام ذلك في بيع الحبوب والخضر والفاكهة حرج عظيم يخطر في بال الورع السؤال عن حكمه ، فكان جوابه أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا ما يسعها فعله بأن تأتيه بغير عسر ولا حرج ، فهو لا يكلف من يشتري أو يبيع ما ذكر من الأقوات ونحوها أن يزنه ويكيله بحيث لا يزيد حبة ولا مثقالا ، بل يكلفه أن يضبط الوزن والكيل له أو عليه على حد سواء بحسب العرف ، بحيث يكون معتقدا أنه لم يظلم بزيادة ولا نقص يعتد به عرفا . وقاعدة اليسر [ ص: 169 ] وحصر التكليف بما في وسع المكلف وما يقابله من رفع الحرج ونفي العسر ، من أعظم قواعد هذا الشرع المبني على أقوى أساس من الحق والعدل ، فلا يساويه فيه قانون من قوانين الخلق ، ولو عمل المسلمون بهذه الوصية لاستقامت أمور معاملتهم وعظمت الثقة والأمانة بينهم ، وكانوا حجة على غيرهم من المطففين والمفسدين . وما فسدت أمورهم وقلت ثقتهم بأنفسهم ، وحل محلها ثقتهم بالأجانب الطامعين فيهم إلا بترك هذه الوصية وأمثالها ، ثم تجد بعض المارقين الجاهلين منهم يهذون ويقولون : إن ديننا هو الذي أخرنا وقدم غيرنا ! ! . قد قص التنزيل علينا فيما قص من أنباء الأمم لنعتبر ونتعظ بها أنه تعالى أهلك قوم شعيب بما كان من ظلمهم وفسادهم ، ولا سيما التطفيف في الكيل والميزان ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان : " " رواه إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم الترمذي من حديث مرفوعا بسند فيه راو ضعيف وقال : إنه روي موقوفا بسند صحيح وروى غيره ما يؤيده . ابن عباس