المسألة الثانية : اعلم أن العلماء اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=18944_33471الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حدا ، هل يقام عليه الحد ؟ على قولين : أحدهما : أنه يقام عليه لأنه أقر به ، والإقرار تثبت به الحدود .
والثاني : أنه لا يحد بإقراره في الشعر ; لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد ، واقع لا نزاع فيه .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر القولين عندي : أن الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد ، لا يقام عليه الحد ; لأن الله جل وعلا صرح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد ،
[ ص: 106 ] ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به ، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة مع
النعمان بن عدي بن نضلة .
قال
ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة : وقد ذكر عن
محمد بن إسحاق ،
ومحمد بن سعد في " الطبقات " ،
nindex.php?page=showalam&ids=14413والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة : أن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل
النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض
البصرة ، وكان يقول الشعر ، فقال :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية
ورقاصة تجذو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه
تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما بلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : إي والله إنه ليسوءني ذلك ، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وكتب إليه
عمر : بسم الله الرحمن الرحيم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير [ 40 \ 1 - 3 ] أما بعد : فقد بلغني قولك :
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
وايم الله إنه ليسوءني ، وقد عزلتك . فلما قدم على
عمر بكته بهذا الشعر ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط ، وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني ، فقال
عمر : أظن ذلك ، ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا ، وقد قلت ما قلت ، فلم يذكر أنه حده على الشراب ، وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ولكنه ذمه
عمر ولامه على ذلك وعزله به ، انتهى محل الغرض من كلام
ابن كثير ، وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا .
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك ، لما سمع قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
قال له : قد وجب عليك الحد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني
[ ص: 107 ] الحد ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، فلم يحده مع إقراره بموجب الحد .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18944_33471الشَّاعِرِ إِذَا اعْتَرَفَ فِي شِعْرِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ حَدًّا ، هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ ، وَالْإِقْرَارُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ فِي الشِّعْرِ ; لِأَنَّ كَذِبَ الشَّاعِرِ فِي شِعْرِهِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مُعْتَادٌ ، وَاقِعٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ : أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي : أَنَّ الشَّاعِرَ إِذَا أَقَرَّ فِي شِعْرِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ الْحَدَّ ، لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا صَرَّحَ هُنَا بِكَذِبِهِمْ فِي شِعْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدْرَأُ عَنْهُمُ الْحَدَّ ،
[ ص: 106 ] وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ إِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ اسْتَوْجَبَ بِإِقْرَارِهِ بِهِ الْمَلَامَ وَالتَّأْدِيبَ وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ ، كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ فِي قِصَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَشْهُورَةِ مَعَ
النُّعْمَانِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " ،
nindex.php?page=showalam&ids=14413وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ الْفُكَاهَةِ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ
النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ عَلَى مَيْسَانَ مِنْ أَرْضِ
الْبَصْرَةِ ، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ ، فَقَالَ :
أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ إِذَا شِئْتُ غَنَّتْنِي دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ
وَرَقَّاصَةٌ تَجْذُو عَلَى كُلِّ مَنْسَمِ فَإِنْ كُنْتَ نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي
وَلَا تُسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلِّمِ لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ
تَنَادُمُنَا بِالْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : إِي وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَسُوءُنِي ذَلِكَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ
عُمَرُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [ 40 \ 1 - 3 ] أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ بَلَغَنِي قَوْلُكَ :
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ تَنَادُمُنَا بِالْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَسُوءُنِي ، وَقَدْ عَزَلْتُكَ . فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى
عُمَرَ بَكَّتَهُ بِهَذَا الشِّعْرِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ ، وَمَا ذَلِكَ الشِّعْرُ إِلَّا شَيْءٌ طَفَحَ عَلَى لِسَانِي ، فَقَالَ
عُمَرُ : أَظُنُّ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْمَلُ لِي عَمَلًا أَبَدًا ، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ ، فَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ حَدَّهُ عَلَى الشَّرَابِ ، وَقَدْ ضَمَّنَهُ شِعْرَهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَلَكِنَّهُ ذَمَّهُ
عُمَرُ وَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَلَهُ بِهِ ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ
ابْنِ كَثِيرٍ ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ يُسْتَأْنَسُ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16044سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ ، لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
فَبِتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلَاقَ الْخِتَامِ
قَالَ لَهُ : قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ الْحَدُّ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ دَرَأَ اللَّهُ عَنِّي
[ ص: 107 ] الْحَدَّ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، فَلَمْ يَحُدَّهُ مَعَ إِقْرَارِهِ بِمُوجِبِ الْحَدِّ .