[ ص: 397 ] ( قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ) . لما اعتذر إليه أخوه استغفر لنفسه وله ، قالوا : واستغفاره لنفسه بسبب فعلته مع أخيه ، وعجلته في إلقاء الألواح ، واستغفاره لأخيه من فعلته في الصبر لبني إسرائيل ، قالوا : ويمكن أن يكون الاستغفار مما لا يعلمه ، والله أعلم ، وقال : لما اعتذر إليه أخوه ، وذكر شماتة الأعداء ، الزمخشري قال رب اغفر لي ولأخي ليرضي أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه ، فلا تتم لهم شماتتهم ، واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه ، ولأخيه أن عسى فرط في حين الخلافة ، وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته ، ولا تزال متضمنة لهما في الدنيا والآخرة ، انتهى ، وقوله : ولأخيه أن عسى فرط ، إن كانت أن بفتح الهمزة فتكون المخففة من الثقيلة ويقرب معناه ، وإن كانت بكسر الهمزة فتكون للشرط ، ولا يصح إذ ذاك دخولها على عسى ; لأن أدوات الشرط لا تدخل على الفعل الجامد .
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين . الظاهر أنه من كلام الله تعالى إخبارا عما ينال عباد العجل ومخاطبة لموسى بما ينالهم . وقيل : هو من بقية كلام موسى إلى قوله : وقال إنما اتخذتم وأصدقه الله تعالى بقوله : وكذلك نجزي المفترين والأول الظاهر لقوله : وكذلك نجزي المفترين في نسق واحد مع الكلام قبله والمعنى اتخذوه إلاها لقوله : موسى فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هـذا إلهكم وإله ، قيل : والغضب في الآخرة والذلة في الدنيا ، وهم فرقة من اليهود أشربوا حب العجل فلم يتوبوا ، وقيل : هم من مات منهم قبل رجوع موسى من الميقات ، وقال أبو العالية وتبعه : هو ما أمروا به من قتل أنفسهم ، وقال الزمخشري : والذلة خروجهم من ديارهم ; لأن ذل الغربة مثل مضروب ، انتهى ، وينبغي أن يقول : استمرار انقطاعهم عن ديارهم لأن خروجهم كان سبق على عبادة العجل ، وقال الزمخشري : هو في قتل عطية العوفي بني قريظة وإجلاء بني النضير ; لأنهم تولوا متخذي العجل ، وقيل : ما نال أولادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبي والجلاء والجزية وغيرها ، وجمع هذين القولين فقال : هو ما نال أبناءهم وهم الزمخشري بنو قريظة والنضير من غضب الله تعالى بالقتل والجلاء ، ومن الذلة بضرب الجزية ، انتهى ، والغضب إن أخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات ، أو بمعنى العقوبة فهو صفة فعل ، والظاهر أن قوله : في الحياة الدنيا متعلق بقوله : سينالهم ، وكذلك أي مثل ذلك النيل من الغضب والذلة نجزي من افترى الكذب على الله ، وأي افتراء أعظم من قولهم : هذا إلهكم وإله موسى والمفترين عام في كل مفتر ، وقال أبو قلابة ومالك : كل صاحب بدعة أو فرية ذليل ، واستدلوا على ذلك بالآية . وسفيان بن عيينة والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ، السيئات هي الكفر والمعاصي غيره : ثم تابوا أي رجعوا إلى الله ، من بعدها أي من بعد عمل السيئات وآمنوا داموا على إيمانهم وأخلصوا فيه ، أو تكون الواو حالية ، أي وقد آمنوا إن ربك من بعدها أي من بعد عمل السيئات ، هذا هو الظاهر ، ويحتمل أن يكون الضمير في : من بعدها عائدا على التوبة ، أي : إن ربك من بعد توبتهم ، فيعود على المصدر المفهوم من قوله : ثم تابوا وهذا عندي أولى لأنك إذا جعلت [ ص: 398 ] الضمير عائدا على : السيئات ، احتجت إلى حذف مضاف وحذف معطوف ; إذ يصير التقدير من بعد عمل السيئات والتوبة منها ، وخبر : ( الذين ) قوله : إن ربك وما بعده ، والرابط محذوف ، أي : لغفور رحيم لهم . قال : لغفور لستور عليهم محاء لما كان منهم : رحيم منعم عليهم بالجنة ، وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل ومن عداهم ، عظم جنايتهم أو لا ، ثم أردفها بعظم رحمته ليعلم أن الذنوب وإن جلت وإن عظمت فإن عفوه تعالى وكرمه أعظم وأجل ، ولكن لا بد من حفظ الشريطة وهي وجوب التوبة والإنابة ، وما وراءه طمع فارغ وأشعبية باردة لا يلتفت إليها حازم ، انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . الزمخشري