سورة الناس مدنية وهي ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
( قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) .
تقدم أنها نزلت مع ما قبلها ، والخلاف أهي مدنية أم مكية ؟ وأضيف الرب إلى الناس ؛ لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم ، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم ، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر ، والظاهر أن ( ملك الناس إله الناس ) صفتان ، وقال : هما عطفا بيان ، كقولك : سيرة الزمخشري ، بين بملك الناس ، ثم زيد بيانا [ ص: 532 ] بإله الناس لأنه قد يقال لغيره : رب الناس ، كقوله : ( أبي حفص عمر الفاروق اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) . وقد يقال : ملك الناس ، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان . انتهى . وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد ، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لواحد ، ولا أنقل عن النحاة شيئا في عطف البيان ، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه واحد أم لا يجوز ؟
وقال : فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة ؟ قلت : لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار . انتهى . والوسواس ، قالوا : اسم من أسماء الشيطان ؟ والوسواس أيضا : ما يوسوس به شهوات النفس ، وهو الهوى المنهي عنه ، والخناس : الراجع على عقبه ، المستتر أحيانا ، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر ، وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء ، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس ، ويكون معنى ( الزمخشري من الجنة والناس ) من الشياطين ونفوس الناس ، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان ، والمغري : المزين من قرناء السوء ، فيكون ( من الجنة والناس ) تبيينا لذلك الوسواس ، قال تعالى : ( عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) . وقال قتادة : إن من الإنس شياطين ، ومن الجن شياطين ، فنعوذ بالله منهم . وقال أبو ذر لرجل : هل تعوذت من شياطين الإنس ؟
وقال : ( الزمخشري الوسواس ) اسم بمعنى الوسوسة ، كالزلزال بمعنى الزلزلة ، وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال ، والمراد به الشيطان ، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه ؛ لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه ، أو أريد ذو الوسواس ، وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في ( إذا زلزلت ) ويجوز في الذي الجر على الصفة ، والرفع والنصب على الشتم ، ومن في ( من الجنة والناس ) للتبعيض ، أي كائنا من الجنة والناس ، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس ، وقال : ويجوز أن يكون من متعلقا ب ( يوسوس ) ، ومعناه ابتداء الغاية ، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس . انتهى . الزمخشري
ولما كانت مضرة الدين وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت ، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث : الرب والملك والإله ، وإن اتحد المطلوب ، وفي الاستعاذة من ثلاث : الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب ، وإن تكثر الذي يستعاذ منه ، صلى الله عليه وسلم وشرف ومجد وكرم وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليما كثيرا . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ : قل هو الله أحد والمعوذتين ، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا