وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ، أي : الألواح التوراة وكان حاملا لها ، فوضعها بالأرض غضبا على ما فعله قومه من عبادة العجل وحمية لدين الله ، وكان - كما تقدم - شديد الغضب ، وقالوا : كان هارون ألين منه خلقا ، ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل منه . وقيل : ألقاها دهشا لما دهمه من أمرهم ، وعن : أن ابن عباس موسى - عليه السلام - لما ألقاها تكسرت ، فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء ، وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة ، وهو الذي أخذ بعد ذلك ، وروى أنه رفع ستة أسباعها وبقي سبع ، قاله جماعة من المفسرين ، وقال : لا يصح أنه رماها رمي كاسر ، انتهى ، والظاهر أنه ألقاها من يديه لأنهما كانتا مشغولتين بها وأراد إمساك أخيه وجره ، ولا يتأتى ذلك إلا بفراغ يديه لجره ، وفي قوله : أبو الفرج بن الجوزي ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح دليل على أنها لم تتكسر ، ودليل على أنه لم يرفع منها شيء ، والظاهر أنه أخذ برأسه ، أي : أمسك رأسه جاره إليه ; وقيل : بشعر رأسه ; وقيل : بذوائبه ولحيته ; وقيل : بلحيته ; وقيل : بأذنه ; وقيل : لم يأخذ حقيقة ، وإنما كان ذلك إشارة ، فخشي هارون أن يتوهم الناظر إليهما أنه لغضب ، فلذلك نهاه ورغب إليه ، والظاهر أن سبب هذا الأخذ هو غضبه على أخيه ، وكيف عبدوا العجل وهو قد استخلفه فيهم وأمره بالإصلاح وأن لا يتبع سبيل من أفسد ، وكيف لم يزجرهم ويكفهم عن ذلك ، ويدل على هذا الظاهر قوله : ولما سكت عن موسى الغضب وقوله : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ، قال : أي : بشعر رأسه يجره إليه بذوائبه ، وذلك لشدة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته ، وظنا بأخيه أن فرط في الكف ; وقيل : ذلك الأخذ والجر كان ليسر إليه أنه نزل عليه الألواح في مناجاته وأراد أن يخفيها عن الزمخشري بني إسرائيل ، فنهاه هارون لئلا يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله ; وقيل : ضمه ليعلم ما لديه ، فكره ذلك هارون لئلا يظنوا إهانته ، وبين له أخوه أنهم استضعفوه ; وقيل : كان ذلك على سبيل الإكرام لا على سبيل الإهانة ، كما تفعل العرب من قبض الرجل على لحية أخيه .