(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=15والله بصير بالعباد ) أي : بصير بأعمالهم ، مطلع عليها ، فيجازي كلا بعمله ; فتضمنت الوعد والوعيد . ولما ذكر المتقين أفهم مقابلهم فختم الآية بهذا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ) لما ذكر أن الجنة للمتقين ذكر شيئا من صفاتهم ، فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى ، وذكر دعاءهم ربهم عند الإخبار عن أنفسهم بالإيمان ، وأكد الجملة بأن مبالغة في الإخبار ، ثم سألوا الغفران ووقايتهم من العذاب ; مرتبا ذلك على مجرد الإيمان ، فدل على أن الإيمان يترتب عليه المغفرة ، ولا يكون الإيمان عبارة عن سائر الطاعات ، كما يذهب إليه بعضهم ، لأن من تاب وأطاع الله ; لا يدخله النار بوعده
[ ص: 400 ] الصادق ، فكان يكون السؤال في أن لا يفعله مما لا ينبغي ، ونظيرها ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ) الآية ، فالصفات الآتية بعد هذا ليست شرائط ، بل هي صفات تقتضي كمال الدرجات .
وقال
الماتريدي : مدحهم تعالى بهذا القول ، وفيه تزكية أنفسهم بالإيمان ، والله تعالى نهى عن تزكية الأنفس بالطاعات ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فلا تزكوا أنفسكم ) فلو كان الإيمان اسما لجميع الطاعات ; لم يرض منهم التزكية بالإيمان ، كما لم يرضها بسائر الطاعات ، فالآية حجة من جعل الطاعات من الإيمان ، وفيها دلالة على أن إدخال الاستثناء في الإيمان باطل ; لأنه رضيه منهم دون استثناء انتهى . قيل : ولا تدل على شيء من التزكية ، ولا من الاستثناء ، لأن قولهم : آمنا ، هو اعتراف بما أمروا به ، فلا يكون ذلك تزكية منهم لأنفسهم ، ولأن الاستثناء إنما هو فيما يموت عليه المرء ، لا فيما هو متصف به ، ولا قائل بأن الإيمان الذي يتصف به العبد يجوز الاستثناء فيه ; فإن ذلك محال عقلا . وأعرب : الذين يقولون ، صفة وبدلا ، ومقطوعا لرفع ، أو لنصب ، ويكون ذلك من توابع : ( الذين اتقوا ) أو من توابع : العباد ، والأول أظهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) لما ذكر الإيمان بالقول ، أخبر بالوصف الدال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف ; فصبروا على أداء الطاعة ، وعن اجتناب المحارم ، ثم بالوصف الدال على مطابقة الاعتقاد في القلب للفظ الناطق به اللسان ، فهم صادقون فيما أخبروا به من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16ربنا إننا آمنا ) وفي جميع ما يخبرون .
وقيل : هم الذين صدقت نياتهم ، واستقامت قلوبهم وألسنتهم في السر والعلانية ، وهذا راجع للقول الذي قبله ; ثم بوصف القنوت ، وتقدم تفسيره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116كل له قانتون ) فأغنى عن إعادته ، ثم بوصف الإنفاق ; لأن ما تقدم هو من الأوصاف التي نفعها مقتصر على المتصف بها ، لا يتعدى ، فأتى في هذا بالوصف المتعدي إلى غيره ، وهو الإنفاق ، وحذفت متعلقات هذه الأوصاف للعلم بها ، فالمعنى : الصابرين على تكاليف ربهم ، والصادقين في أقوالهم ، والقانتين لربهم ، والمنفقين أموالهم في طاعته ، والمستغفرين الله لذنوبهم في الأسحار ، ولما ذكر أنهم رتبوا طلب المغفرة على الإيمان الذي هو أصل التقوى ، أخبر أيضا عنهم ، أنهم عند اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة ، هم مستغفرون بالأسحار ، فليسوا يرون اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة مما يسقط عنهم طلب المغفرة ، وخص السحر بالذكر ، وإن كانوا مستغفرين دائما ، لأنه مظنة الإجابة ، كما صح في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374045أنه تعالى ، تنزه عن سمات الحدوث ، ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر " . وكانت الصحابة :
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وغيرهم يتحرون الأسحار ليستغفروا فيها ; وكان السحر مستحبا فيه الاستغفار ; لأن العبادة فيه أشق ، ألا تراهم يقولون : إن إغفاءة الفجر من ألذ النوم ؟ ولأن النفس تكون إذ ذاك أصفى ، والبدن أقل تعبا ، والذهن أرق وأحد ، إذ قد أجم عن الأشياء الشاقة الجسمانية والقلبية بسكون بدنه ، وترك فكره بانغماره في وارد النوم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إنهم كانوا يقدمون قيام الليل ، فيحسن طلب الحاجة فيه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) انتهى . ومعناه ، عن
الحسن : وهذه الأوصاف الخمسة هي لموصوف واحد وهم : المؤمنون ، وعطفت بالواو ولم تتبع دون عطف لتباين كل صفة من صفة ، إذ ليست في معنى واحد ، فينزل تغاير الصفات وتباينها منزلة تغاير الذوات فعطفت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها ، انتهى . ولا نعلم العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال . وقال المفسرون في الصابرين : صبروا عن المعاصي . وقيل : ثبتوا على العهد الأول . وقيل : هم الصائمون . وقالوا : في الصادقين : في الأقوال . وقيل : في القول ، والفعل ، والنية . وقيل : في السر والعلانية .
[ ص: 401 ] وقالوا في القانتين : الحافظين للغيب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : القائمين على العبادة . وقيل : القائمين بالحق . وقيل : الداعين المتضرعين . وقيل : الخاشعين . وقيل : المصلين . وقالوا في المنفقين : المخرجين المال على وجه مشروع . وقيل : في الجهاد . وقيل : في جميع أنواع البر . وقال
ابن قتيبة : في الصدقات . قالوا في المستغفرين : السائلين قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وأنس
وقتادة : السائلين المغفرة وقت فراغ البال ، وخفة الأشغال ، وقال
قتادة أيضا : المصلين بالأسحار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : المصلين الصبح في جماعة . وهذا الذي فسروه كله متقارب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ) . سبب نزولها
أن حبرين من الشام قدما المدينة ، فقال أحدهما للآخر : ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان ! ثم عرفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنعت ، فقالا : أنت محمد ؟ قال : " نعم " . فقالا : أنت أحمد ؟ فقال : " نعم " . فقالا : نسألك عن شهادة إن أخبرتنا بها آمنا . فقال : " سلاني فقال أحدهما : أخبرنا عن [ ص: 402 ] أعظم الشهادة في كتاب الله ، فنزلت وأسلما .
وقال
ابن جبير : كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فلما نزلت هذه الآية خرت سجدا . وقيل : نزلت في
نصارى نجران ; لما حاجوا في أمر
عيسى . وقيل : في
اليهود والنصارى ، لما تركوا اسم الإسلام ، وتسموا باليهودية والنصرانية . وقيل : إنهم قالوا : ديننا أفضل من دينك ، فنزلت . وأصل : شهد ، حضر ، ثم صرفت الكلمة في أداء ما تقرر علمه في النفس ، فأي وجه تقرر من حضور أو غيره . فقيل : معنى : شهد ، هنا : أعلم . قاله
المفضل وغيره ، وقال
الفراء ،
وأبو عبيدة : قضى ، وقال
مجاهد : حكم ، وقيل : بين . وقال
ابن كيسان : شهد بإظهار صنعه .
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره ، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد ، كسورة الإخلاص ، وآية الكرسي ، وغيرهما . بشهادة الشاهد في البيان والكشف ، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك ، واحتجاجهم عليه انتهى . وهو حسن .
وقال
المروزي : ذكر شهادته - سبحانه - على سبيل التعظيم لشهادة من ذكر بعده ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قل الأنفال لله والرسول ) انتهى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=15وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) أَيْ : بَصِيرٌ بِأَعْمَالِهِمْ ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهَا ، فَيُجَازِي كُلًا بِعَمَلِهِ ; فَتَضَمَّنَتِ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ . وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُتَّقِينَ أَفْهَمُ مُقَابِلَهُمْ فَخَتَمَ الْآيَةَ بِهَذَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِمْ ، فَبَدَأَ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ التَّقْوَى ، وَذَكَرَ دُعَاءَهُمْ رَبَّهُمْ عِنْدَ الْإِخْبَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَانِ ، وَأَكَّدَ الْجُمْلَةَ بِأَنَّ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْبَارِ ، ثُمَّ سَأَلُوا الْغُفْرَانَ وَوِقَايَتَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ; مُرَتِّبًا ذَلِكَ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةُ ، وَلَا يَكُونُ الْإِيمَانُ عِبَارَةً عَنْ سَائِرِ الطَّاعَاتِ ، كَمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ ، لِأَنَّ مَنْ تَابَ وَأَطَاعَ اللَّهَ ; لَا يُدْخِلُهُ النَّارَ بِوَعْدِهِ
[ ص: 400 ] الصَّادِقِ ، فَكَانَ يَكُونُ السُّؤَالُ فِي أَنْ لَا يَفْعَلَهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي ، وَنَظِيرُهَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا ) الْآيَةَ ، فَالصِّفَاتُ الْآتِيَةُ بَعْدَ هَذَا لَيْسَتْ شَرَائِطَ ، بَلْ هِيَ صِفَاتٌ تَقْتَضِي كَمَالَ الدَّرَجَاتِ .
وَقَالَ
الْمَاتُرِيدِيُّ : مَدَحَهُمْ تَعَالَى بِهَذَا الْقَوْلِ ، وَفِيهِ تَزْكِيَةُ أَنْفُسِهِمْ بِالْإِيمَانِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ تَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ بِالطَّاعَاتِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) فَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ اسْمًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ ; لَمْ يَرْضَ مِنْهُمُ التَّزْكِيَةَ بِالْإِيمَانِ ، كَمَا لَمْ يَرْضَهَا بِسَائِرِ الطَّاعَاتِ ، فَالْآيَةُ حُجَّةُ مَنْ جَعَلَ الطَّاعَاتِ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِدْخَالَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ رَضِيَهُ مِنْهُمْ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ انْتَهَى . قِيلَ : وَلَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّزْكِيَةِ ، وَلَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ : آمَنَّا ، هُوَ اعْتِرَافٌ بِمَا أُمِرُوا بِهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَزْكِيَةً مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَمُوتُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ ، لَا فِيمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ ، وَلَا قَائِلٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ الْعَبْدُ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَقْلًا . وَأُعْرِبَ : الَّذِينَ يَقُولُونَ ، صِفَةً وَبَدَلًا ، وَمَقْطُوعًا لِرَفْعٍ ، أَوْ لِنَصْبٍ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ : ( الَّذِينَ اتَّقَوْا ) أَوْ مِنْ تَوَابِعِ : الْعِبَادِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) لَمَّا ذَكَرَ الْإِيمَانَ بِالْقَوْلِ ، أَخْبَرَ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى حَبْسِ النَّفْسِ عَلَى مَا هُوَ شَاقٌّ عَلَيْهَا مِنَ التَّكَالِيفِ ; فَصَبَرُوا عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَةِ ، وَعَنِ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ ، ثُمَّ بِالْوَصْفِ الدَّالِّ عَلَى مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ فِي الْقَلْبِ لِلَّفْظِ النَّاطِقِ بِهِ اللِّسَانُ ، فَهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ) وَفِي جَمِيعِ مَا يُخْبِرُونَ .
وَقِيلَ : هُمُ الَّذِينَ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ ، وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ ; ثُمَّ بِوَصْفِ الْقُنُوتِ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ، ثُمَّ بِوَصْفِ الْإِنْفَاقِ ; لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي نَفْعُهَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمُتَّصِفِ بِهَا ، لَا يَتَعَدَّى ، فَأَتَى فِي هَذَا بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي إِلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ ، وَحُذِفَتْ مُتَعَلِّقَاتُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لِلْعِلْمِ بِهَا ، فَالْمَعْنَى : الصَّابِرِينَ عَلَى تَكَالِيفِ رَبِّهِمْ ، وَالصَّادِقِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ ، وَالْقَانِتِينَ لِرَبِّهِمْ ، وَالْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ فِي طَاعَتِهِ ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ اللَّهَ لِذُنُوبِهِمْ فِي الْأَسْحَارِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ رَتَّبُوا طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ التَّقْوَى ، أَخْبَرَ أَيْضًا عَنْهُمْ ، أَنَّهُمْ عِنْدَ اتِّصَافِهِمْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ ، هُمْ مُسْتَغْفِرُونَ بِالْأَسْحَارِ ، فَلَيْسُوا يَرَوْنَ اتِّصَافَهُمْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ مِمَّا يُسْقِطُ عَنْهُمْ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ ، وَخَصَّ السَّحَرَ بِالذِّكْرِ ، وَإِنْ كَانُوا مُسْتَغْفِرِينَ دَائِمًا ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ الْإِجَابَةِ ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374045أَنَّهُ تَعَالَى ، تَنَزَّهَ عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ ، يَنْزِلُ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخَرِ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلَعَ الْفَجْرُ " . وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ :
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ ، وَغَيْرُهُمْ يَتَحَرَّوْنَ الْأَسْحَارَ لِيَسْتَغْفِرُوا فِيهَا ; وَكَانَ السَّحَرُ مُسْتَحَبًّا فِيهِ الِاسْتِغْفَارُ ; لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ أَشَقُّ ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ إِغْفَاءَةَ الْفَجْرِ مِنْ أَلَذِّ النَّوْمِ ؟ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَكُونُ إِذْ ذَاكَ أَصْفَى ، وَالْبَدَنَ أَقَلُّ تَعَبًا ، وَالذِّهْنَ أَرَقُّ وَأَحَدُّ ، إِذْ قَدْ أَجَمَّ عَنِ الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ بِسُكُونِ بَدَنِهِ ، وَتَرَكَ فِكْرَهُ بِانْغِمَارِهِ فِي وَارِدِ النَّوْمِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ ، فَيَحْسُنُ طَلَبُ الْحَاجَةِ فِيهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) انْتَهَى . وَمَعْنَاهُ ، عَنِ
الْحَسَنِ : وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الْخَمْسَةُ هِيَ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ وَهُمُ : الْمُؤْمِنُونَ ، وَعُطِفَتْ بِالْوَاوِ وَلَمْ تُتْبَعْ دُونَ عَطْفٍ لِتَبَايُنِ كُلِّ صِفَةٍ مِنْ صِفَةٍ ، إِذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ ، فَيَنْزِلُ تَغَايُرُ الصِّفَاتِ وَتَبَايُنُهَا مَنْزِلَةَ تَغَايُرِ الذَّوَاتِ فَعُطِفَتْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْوَاوُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الصِّفَاتِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِهِمْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ، انْتَهَى . وَلَا نَعْلَمُ الْعَطْفَ فِي الصِّفَةِ بِالْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الصَّابِرِينَ : صَبَرُوا عَنِ الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : ثَبَتُوا عَلَى الْعَهْدِ الْأَوَّلِ . وَقِيلَ : هُمُ الصَّائِمُونَ . وَقَالُوا : فِي الصَّادِقِينَ : فِي الْأَقْوَالِ . وَقِيلَ : فِي الْقَوْلِ ، وَالْفِعْلِ ، وَالنِّيَّةِ . وَقِيلَ : فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ .
[ ص: 401 ] وَقَالُوا فِي الْقَانِتِينَ : الْحَافِظِينَ لِلْغَيْبِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : الْقَائِمِينَ عَلَى الْعِبَادَةِ . وَقِيلَ : الْقَائِمِينَ بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : الدَّاعِينَ الْمُتَضَرِّعِينَ . وَقِيلَ : الْخَاشِعِينَ . وَقِيلَ : الْمُصَلِّينَ . وَقَالُوا فِي الْمُنْفِقِينَ : الْمُخْرِجِينَ الْمَالَ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ . وَقِيلَ : فِي الْجِهَادِ . وَقِيلَ : فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ . وَقَالَ
ابْنُ قُتَيْبَةَ : فِي الصَّدَقَاتِ . قَالُوا فِي الْمُسْتَغْفِرِينَ : السَّائِلِينَ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ
وَقَتَادَةُ : السَّائِلِينَ الْمَغْفِرَةَ وَقْتَ فَرَاغِ الْبَالِ ، وَخِفَّةِ الْأَشْغَالِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ أَيْضًا : الْمُصَلِّينَ بِالْأَسْحَارِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : الْمُصَلِّينَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ . وَهَذَا الَّذِي فَسَّرُوهُ كُلُّهُ مُتَقَارِبٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) . سَبَبُ نُزُولِهَا
أَنَّ حَبْرَيْنِ مِنَ الشَّامِ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : مَا أَشْبَهَ هَذِهِ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ الْخَارِجِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ! ثُمَّ عَرَفَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّعْتِ ، فَقَالَا : أَنْتَ مُحَمَّدٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . فَقَالَا : أَنْتَ أَحْمَدُ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ " . فَقَالَا : نَسْأَلُكَ عَنْ شَهَادَةٍ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا آمَنَّا . فَقَالَ : " سَلَانِي فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَخْبِرْنَا عَنْ [ ص: 402 ] أَعْظَمِ الشَّهَادَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَنَزَلَتْ وَأَسْلَمَا .
وَقَالَ
ابْنُ جُبَيْرٍ : كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَرَّتْ سُجَّدًا . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي
نَصَارَى نَجْرَانَ ; لَمَّا حَاجُّوا فِي أَمْرِ
عِيسَى . وَقِيلَ : فِي
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، لَمَّا تَرَكُوا اسْمَ الْإِسْلَامِ ، وَتُسَمَّوْا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ . وَقِيلَ : إِنَّهُمْ قَالُوا : دِينُنَا أَفْضَلُ مِنْ دِينِكَ ، فَنَزَلَتْ . وَأَصْلُ : شَهِدَ ، حَضَرَ ، ثُمَّ صُرِفَتِ الْكَلِمَةُ فِي أَدَاءِ مَا تَقَرَّرَ عِلْمُهُ فِي النَّفْسِ ، فَأَيُّ وَجْهٍ تَقَرَّرَ مِنْ حُضُورٍ أَوْ غَيْرِهِ . فَقِيلَ : مَعْنَى : شَهِدَ ، هُنَا : أَعْلَمَ . قَالَهُ
الْمُفَضَّلُ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ ،
وَأَبُو عُبَيْدَةَ : قَضَى ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : حَكَمَ ، وَقِيلَ : بَيَّنَ . وَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ : شَهِدَ بِإِظْهَارِ صُنْعِهِ .
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : شُبِّهَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بِأَفْعَالِهِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ ، وَبِمَا أَوْحَى مِنْ آيَاتِهِ النَّاطِقَةِ بِالتَّوْحِيدِ ، كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا . بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُ الْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ ، وَاحْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِ انْتَهَى . وَهُوَ حَسَنٌ .
وَقَالَ
الْمَرْوَزِيُّ : ذِكْرُ شَهَادَتِهِ - سُبْحَانَهُ - عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِشَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) انْتَهَى .