سورة النصر مدنية وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .
[ ص: 523 ] هذه مدنية ، نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم ، من غزوة خيبر ، وعاش بعد نزولها سنتين ، وقال : نزلت في أوسط أيام التشريق ابن عمر بمنى في حجة الوداع ، وعاش بعدها ثمانين يوما أو نحوها ، صلى الله عليه وسلم ، ولما كان في قوله : ( لكم دينكم ) موادعة ، جاء في هذه بما يدل على تخويفهم وتهديدهم ، وأنه آن مجيء نصر الله ، وفتح مكة ، واضمحلال ملة الأصنام ، وإظهار دين الله تعالى .
قال : إذا منصوب بسبح ، وهو لما يستقبل ، والإعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة . انتهى . وكذا قال الزمخشري الحوفي ، ولا يصح إعمال ( فسبح ) في ( إذا ) لأجل الفاء ؛ لأن الفاء في جواب الشرط لا يتسلط الفعل الذي بعدها على اسم الشرط ، فلا تعمل فيه ، بل العامل في إذا الفعل الذي بعدها على الصحيح المنصور في علم العربية ، وقد استدللنا على ذلك في شرح التسهيل وغيره ، وإن كان المشهور غيره ، والنصر : الإعانة والإظهار على العدو ، والفتح : فتح البلاد ، ومتعلق النصر والفتح محذوف ، فالظاهر أنه نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين على أعدائهم ، وفتح مكة وغيرها عليهم ، كالطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن . وقيل : نصره ، صلى الله عليه وسلم على قريش وفتح مكة ، وكان فتحها لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ، ومعه عليه الصلاة والسلام عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار .
وقرأ الجمهور : ( يدخلون ) مبنيا للفاعل ، وابن كثير في رواية : مبنيا للمفعول . ( في دين الله ) في ملة الإسلام الذي لا دين له يضاف غيرها ( أفواجا ) أي جماعات كثيرة ، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحدا بعد واحد ، واثنين اثنين .
قال الحسن : لما فتح عليه الصلاة والسلام مكة أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : أما الظفر بأهل الحرم فليس به يدان ، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل . وقال : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد أبو عمر بن عبد البر حنين ، منهم من قدم ، ومنهم من قدم وافده . قال ابن عطية : والمراد ، والله أعلم ، العرب عبدة الأوثان ، وأما نصارى بني ثعلب فما أراهم أسلموا قط في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن أعطوا الجزية ، وقال مقاتل وعكرمة : المراد بالناس أهل اليمن ، وفد منهم سبعمائة رجل ، وقال الجمهور : وفود العرب ، وكان دخولهم بين فتح مكة وموته صلى الله عليه وسلم ، و ( أفواجا ) جمع فوج ، قال الحوفي : وقياس جمعه أفوج ، ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدل إلى أفواج كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح ، فكما أن قياس فعل صحيحها أن يجمع على أفعل لا على أفعال ، فكذلك هذا ، والأمر في هذا المعتل بالعكس ، القياس فيه أفعال ، كحوض وأحواض ، وشذ فيه أفعل ، كثوب وأثوب ، وهو حال ، ويدخلون حال أو مفعول ثان إن كان ( أرأيت ) بمعنى " علمت " المتعدية لاثنين ، وقال : إما على الحال على أن ( أرأيت ) بمعنى أبصرت أو عرفت . انتهى . ولا نعلم رأيت جاءت بمعنى عرفت ، فنحتاج في ذلك إلى استثبات . الزمخشري
( فسبح بحمد ربك ) أي ملتبسا بحمده على هذه النعم التي [ ص: 524 ] خولكها ، من نصرك على الأعداء وفتحك البلاد وإسلام الناس ، وأي نعمة أعظم من هذه ، إذ كل حسنة يعملها المسلمون فهي في ميزانه .
وعن عائشة : ) . قال كان صلى الله عليه وسلم ، يكثر قبل موته أن يقول : ( سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته ؛ ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس ، فهو عبادة في نفسه . الزمخشري
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ) انتهى . وقد علم هو من هذه السورة دنو أجله ، وحين قرأها عليه الصلاة والسلام ، استبشر الصحابة وبكى إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة العباس ، فقال : ( وما يبكيك يا عم ؟ قال : نعيت إليك نفسك ، فقال : إنها لكما تقول ) فعاش بعدها سنتين ( إنه كان توابا ) فيه ترجئة عظيمة للمستغفرين .