بسم الله الرحمن الرحيم
( الملك القدوس العزيز الحكيم يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) [ ص: 265 ] السفر : الكتاب المجتمع الأوراق منضدة .
( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) .
[ ص: 266 ] هذه السورة مدنية . وقيل : مكية ، وهو خطأ ، لأن أمر اليهود وانفضاض الناس في الجمعة لم يكن إلا بالمدينة . ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر تأييد من آمن على أعدائهم ، أتبعه بذكر التنزيه لله تعالى وسعة ملكه وتقديسه وذكر ما أنعم به على أمة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، من بعثته إليهم ، وتلاوته عليهم كتابه ، وتزكيتهم ، فصارت أمته غالبة سائر الأمم ، قاهرة لها ، منتشرة الدعوة ، كما انتشرت دعوة الحواريين في زمانهم . وقرأ الجمهور : ( الملك ) بجره وجر ما بعده ; وأبو وائل ومسلمة بن محارب ورؤبة وأبو الدينار الأعرابي : بالرفع على إضمار هو ، وحسنه الفصل الذي فيه طول بين الموصوف والصفة ، وكذلك جاء عن يعقوب . وقرأ أبو الدينار : القدوس بفتح القاف ; والجمهور : بالضم . ( وزيد بن علي هو الذي بعث ) الآية : تقدم الكلام في نظيرها في آل عمران وفي نسبة الأمي .
( وآخرين ) : الظاهر أنه معطوف على ( الأميين ) ، أي وفي آخرين من الأميين لم يلحقوا بهم بعد ، وسيلحقون . وقيل : ( وآخرين ) منصوب معطوف على الضمير في ( ويعلمهم ) ، أسند تعليم الآخرين إليه عليه الصلاة والسلام مجازا لما تناسق التعليم إلى آخر الزمان وتلا بعضه بعضا ، فكأنه عليه الصلاة والسلام وجد منه . وقال وغيره : وآخرين هم فارس ، وجاء نصا عنه في صحيح أبو هريرة البخاري ومسلم ، ولو فهم منه الحصر في فارس لم يجز أن يفسر به الآية ، ولكن فهم المفسرون منه أنه تمثيل . فقال مجاهد : الروم والعجم . وقال وابن جبير مجاهد أيضا وعكرمة ومقاتل : التابعين من أبناء العرب لقوله : ( منهم ) ، أي في النسب . وقال مجاهد أيضا والضحاك : طوائف من الناس . وقال وابن حبان : ابن عمر أهل اليمن . وعن مجاهد أيضا : أبناء الأعاجم ; وعن ابن زيد أيضا : هم التابعون ; وعن الضحاك أيضا : العجم ; وعن أبي روق : الصغار بعد الكبار ، وينبغي أن تحمل هذه الأقوال على التمثيل ، كما حملوا قول الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، في فارس : ( وهو العزيز الحكيم ) في تمكينه رجلا أميا من ذلك الأمر العظيم وتأييده واختياره من سائر البشر .
( ذلك فضل الله ) : أي إيتاء النبوة وجعله خير خلقه واسطة بينه وبين خلقه . ( مثل الذين حملوا التوراة ) : هم اليهود المعاصرون للرسول ، صلى الله عليه وسلم ، كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها ، ولم يطيقوا القيام بها حين كذبوا الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وهي ناطقة بنبوته . وقرأ الجمهور : حملوا مشددا مبنيا للمفعول ; ويحيى بن عمرو : مخففا مبنيا للفاعل . شبه صفتهم بصفة الحمار الذي يحمل كتبا ، فهو لا يدري ما عليه ، أكتب هي أم صخر وغير ذلك ؟ وإنما يدرك من ذلك ما يلحقه من التعب بحملها . وقال الشاعر في نحو ذلك : وزيد بن علي
زوامل للإشعار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
بأوساقه أو راح ما في الغرائر
وقرأ عبد الله : حمار منكرا ; والمأمون بن هارون : يحمل بشد الميم مبنيا للمفعول . والجمهور : الحمار معرفا ، ويحمل مخففا مبنيا للفاعل ، ويحمل في موضع نصب على الحال . قال : أو الجر على الوصف ، لأن الحمار كاللئيم في قوله : الزمخشري
ولقد أمر على اللئيم يسبني
انتهى .
وهذا الذي قاله قد ذهب إليه بعض النحويين ، وهو أن مثل هذا من المعارف يوصف بالجمل ، وحملوا عليه ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ، وهذا وأمثاله عند المحققين في موضع الحال ، لا في موضع الصفة . ووصفه بالمعرفة ذي اللام دليل على تعريفه مع ما في ذلك المذهب من هدم ما ذكره المتقدمون من أن المعرفة لا تنعت [ ص: 267 ] إلا بالمعرفة والجمل نكرات .