فبدأ بما فيه قوام حياتهم وهو الرزق الذي لا بد منه ، فمن السماء بالمطر ، ومن الأرض بالنبات . فمن لابتداء الغاية ، وهيء الرزق بالعالم العلوي والعالم السفلي معا ، لم يقتصر على جهة واحدة ، تعالى توسعة منه وإحسانا . ومن ذهب إلى أن التقدير : من أهل السماء والأرض ، فتكون من للتبعيض أو للبيان . ثم ذكر ملكه لهاتين الحاستين الشريفتين : السمع الذي هو سبب مدارك الأشياء ، والبصر [ ص: 154 ] الذي يرى ملكوت السماوات والأرض . ومعنى ملكهما أنه متصرف فيهما بما يشاء تعالى ، من إبقاء وحفظ وإذهاب . وقال : من يملك السمع والأبصار : من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة ، أو من يحميهما ويعصمهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال ، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه ، انتهى . الزمخشري
ولا يظهر هذان الوجهان اللذان ذكرهما من لفظ : ( أمن يملك السمع والأبصار ) . وعن علي كرم الله وجهه : سبحان من بصر بشحم ، وأسمع بعظم ، وأنطق بلحم . وأم هنا تقتضي تقدير بل دون همزة الاستفهام لقوله تعالى : ( أم ماذا كنتم تعملون ) فلا تتقدر بـ ( بل ) ، فالهمزة لأنها دخلت على اسم الاستفهام ، وليس إضراب إبطال بل هو لانتقال من شيء إلى شيء . ونبه تعالى بالسمع والبصر على الحواس لأنهما أشرفها ، ولما ذكر تعالى سبب إدامة الحياة وسبب انتفاع الحي بالحواس ، ذكر إنشاءه تعالى واختراعه للحي من الميت ، والميت من الحي ، وذلك من باهر قدرته ، وهو إخراج الضد من ضده . وتقدم تفسير ذلك ومن يدبر الأمر شامل لما تقدم من الأشياء الأربعة المذكورة ولغيرها ، والأمور التي يدبرها تعالى لا نهاية لها ، فلذلك جاء بالأمر الكلي بعد تفصيل بعض الأمور .
واعترافهم بأن الرازق والمالك والمخرج والمدبر هو الله . أي : لا يمكنهم إنكاره ولا المنافسة فيه . ومعنى أفلا تتقون : أفلا تخافون عقوبة الله في افترائكم ، وجعلكم الأصنام آلهة ؟ وقيل : أفلا تتعظون فتنتهون عن ما حذرت عنه تلك الموعظة ؟ .
( فأنى تصرفون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ) : فذلكم إشارة إلى من اختص بالأوصاف السابقة ، الحق : الثابت الربوبية المستوجبة للعبادة واعتقاد اختصاصه بالألوهية لا أصنامكم المربوبة الباطلة .
وماذا استفهام معناه : النفي ، ولذلك دخلت إلا ، وصحبه التقرير والتوبيخ ، كأنه قيل : ما بعد الحق إلا الضلال ، فالحق والضلال لا واسطة بينهما ، إذ هما نقيضان ، فمن يخطئ الحق وقع في الضلال .
وماذا : مبتدأ تركبت ذا مع ما فصار مجموعهما استفهاما ، كأنه قيل : أي شيء . والخبر بعد الحق ، ويجوز أن يكون ذا موصولة ويكون خبر ما كأنه قيل : ما الذي بعد الحق ؟ وبعد صلة كذا . ولما ذكر تعالى تلك الصفات ، وأشار إلى أن المتصف بها هو الله ، وأنه مالكهم وأنه هو الحق ، ثم وبخهم على اتباع الضلال بعد وضوح الحق ، قال تعالى : ( فأنى تصرفون ) ، أي كيف يقع صرفكم بعد وضوح الحق ، وقيام حججه عن عبادة من يستحق العبادة ؟ وكيف تشركون معه غيره ، وهو لا يشاركه في شيء من تلك الأوصاف ؟ واستنباط كون ضلالا من قوله : ( الشطرنج فماذا بعد الحق إلا الضلال ) ، لا يكاد يظهر ، لأن الآية إنما مساقها في الكفر والإيمان ، وعبادة الأصنام وعبادة الله ، وليس مساقها في الأمور الفرعية التي تختلف فيها الشرائع ، وتختلف فيها أقوال علماء ملتنا .
وقد تعلق الجبائي بهذه الآية في الرد على المجبرة إذ يقولون : إنه تعالى يصرف الكفار عن الإيمان .
قال : لو كان كذلك ما قال : ( أنى تصرفون ) . كما لو أعمى بصر أحدهم لا يقول : إني أعميت . كذلك الكاف للتشبيه في موضع نصب ، والإشارة بذلك قيل : إلى المصدر المفهوم من تصرفون ، مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به في قوله : ( فسيقولون الله ) حق العذاب عليهم أي : جازاهم مثل أفعالهم .
وقيل : إشارة إلى الحق . قال : كذلك : مثل ذلك الحق حقت كلمة ربك ، أي كما حق وثبت أن الحق بعد الضلال ، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق ، فكذلك حقت كلمة ربك . وقال الزمخشري ابن عطية : كذلك أي : كما كانت صفات الله كما وصف ، وعبادته واجبة كما تقرر ، وانصراف هؤلاء كما قدر عليهم ، واكتسبوا كذلك حقت .
ومعنى فسقوا : تمردوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه ، ( وأنهم لا يؤمنون ) : بدل من كلمة [ ص: 155 ] ربك ، أي : حق عليهم انتفاء الإيمان . ويجوز أن يراد بالكلمة عدة العذاب ، ويكون أنهم لا يؤمنون تعليلا أي : لأنهم لا يؤمنون . ويوضح هذا الوجه قراءة : إنهم لا يؤمنون بالكسر ، وهذا إخبار منه تعالى أن في الكفار من حتم الله بكفره ، وقضى بتخليده . ابن أبي عبلة
وقرأ أبو جعفر وشيبة والصاحبان : ( كلمات ) على الجمع هنا وفي آخر السورة . وقرأ باقي السبعة على الإفراد .
( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) : لما استفهمهم عن أشياء من صفات الله تعالى واعترفوا بها ، ثم أنكر عليهم صرفهم عن الحق وعبادة الله ، استفهم عن شيء هو سبب العبادة : وهو إبداء الخلق ، وهم يسلمون ذلك . ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) ثم أعاد الخلق وهم منكرون ذلك ، لكنه عطفه على ما يسلمونه ، ليعلم أنهما سواء بالنسبة إلى قدرة الله ، وأن ذلك لوضوحه وقيام برهانه ، قرن بما يسلمونه إذ لا يدفعه إلا مكابر ، إذ هو من الواضحات التي لا يختلف في إمكانها العقلاء . وجاء الشرع بوجوبه ، فوجب اعتقاده . ولما كانوا لمكابرتهم لا يقرون بذلك ، أمر تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجيب فقال : ( قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، وأبرز الجواب في جملة مبتدأة مصرح بخبرها ، فعاد الخبر فيها مطابقا لخبر اسم الاستفهام ، وذلك تأكيد وتثبيت . ولما كان الاستفهام قبل هذا لا مندوحة لهم عن الاعتراف به ، جاءت الجملة محذوفا منها أحد جزأيها في قوله : ( فسيقولون الله ) ، ولم يحتج إلى التأكيد بتصريح خبرها . ومعنى تؤفكون : تصرفون وتقلبون عن اتباع الحق .
( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) : لما بين تعالى عجز أصنامهم عن الإبداء والإعادة ، اللذين هما من أقوى أسباب القدرة ، وأعظم دلائل الألوهية ، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله ، وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب ، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع ، قال تعالى حكاية عن الكليم : ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) وقال : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع ، وهما حالان للجسد والروح .
ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط ، بين تعالى أنه لا يهديها إلا هو ، بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم ، فإنه ما كان منها لا روح فيه ، جماد لا تأثير له ، وما فيه روح فليس قادرا على الهداية ، بل الله تعالى هو الذي يهديه .
وهدى تتعدى بنفسها إلى اثنين ، وإلى الثاني بإلى وباللام . ويهدي إلى الحق : [ ص: 156 ] حذف مفعوله الأول ، ولا يصح أن يكون لازما بمعنى يهتدي ، لأن مقابله إنما هو متعد ، وهو قوله : ( قل الله يهدي للحق ) ، أي : يهدي من يشاء إلى الحق .
وقد أنكر ما قاله المبرد الكسائي ، وتبعهما والفراء من أن يكون هدى بمعنى اهتدى ، وقال : لا نعرف هذا ، وأحق ليست أفعل تفضيل ، بل المعنى : حقيق بأن يتبع . ولما كانوا معتقدين أن شركاءهم تهدي إلى الحق ، ولا يسلمون حصر الهداية لله تعالى ، أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يبادر بالجواب فقال : ( الزمخشري قل الله يهدي للحق ) ، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع ، ومن هو غير حقيق ، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر ، كقوله : ( أذلك خير أم جنة الخلد ) بخلاف قوله : ( أقريب أم بعيد ما توعدون ) وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء الله تعالى .
وقرأ أهل المدينة : إلا أمن لا ( يهدي ) بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين . قال ورشا النحاس : لا يقدر أحد أن ينطق به .
وقال : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة ، المبرد يسمي هذا اختلاس الحركة . وقرأ وسيبويه أبو عمرو وقالون في رواية كذلك إلا أنه اختلس الحركة . وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، ، وورش وابن محيصن : كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي ، فقلب حركة التاء إلى الهاء ، وأدغمت التاء في الدال .
وقرأ حفص ، و يعقوب ، عن والأعمش أبي بكر كذلك ، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرك بالكسر . قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر . وقرأ أبو بكر في رواية كذلك ، إلا أنه كسر الياء . يحيى بن آدم
ونقل عن أنه لا يجيز يهدي ، ويجيز تهدي ونهدي وأهدي قال : لأن الكسرة في الياء تثقل . وقرأ سيبويه حمزة ، ، والكسائي وخلف ، ، ويحيى بن وثاب : يهدي مضارع هدى . والأعمش
قال : هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي ، أي لا يهتدي بنفسه أو لا يهدي غيره ، إلا أن يهديه الله . وقيل : معناه أمن لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه ، إلا أن يهدى ، إلا أن ينقل أو لا يهتدي ، ولا يصح منه الاهتداء إلا بنقلة الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيوانا مطلقا فيهديه ، انتهى . الزمخشري
وتقدم إنكار ما قاله المبرد الكسائي وتبعهما والفراء من أن هدى بمعنى اهتدى . وقال الزمخشري أبو علي الفارسي : وصف الأصنام بأنها لا تهتدي إلا أن تهدى ، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت . فوجه ذلك أنه عامل في العبادة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل ، وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن . وقال ابن عطية : والذي أقول إن قراءة حمزة يحتمل أن يكون المعنى أم من لا يهدي أحدا إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية من عند الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها : أم من لا يهتدي إلا أن يهدى فيتجه المعنى على ما تقدم والكسائي لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير . ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها . وقيل : تم الكلام عند قوله : أمن لا يهدي ، أي : لا يهدي غيره ، ثم قال : إلا أن يهدى استثناء منقطع ، أي لكنه يحتاج إلى أن يهدى كما تقول : فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع ، أي لكنه يحتاج إلى أن يسمع . وقيل : أم من لا يهدي في الرؤساء المضلين ، انتهى .
ويكون استثناء متصلا لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابلية الهداية ، بخلاف الأصنام . فما لكم : استفهام معناه : التعجب والإنكار أي : أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء الشركاء ، إذ كانوا عاجزين عن هداية أنفسهم ، فكيف يمكن أن يهدوا غيرهم ؟ كيف تحكمون استفهام آخر أي : كيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أندادا وشركاء ؟ وهاتان جملتان أنكر في الأولى ، وتعجب من اتباعهم من لا يهدي ولا يهتدي ، وأنكر في الثاني حكمهم بالباطل وتسوية الأصنام برب العالمين .
( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ) : الظاهر أن أكثرهم على بابه ، لأن منهم من تبصر في الأصنام [ ص: 157 ] ورفضها كما قال :
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالب
وقيل : المراد بأكثرهم جميعهم ، والمعنى : ما يتبع أكثرهم في اعتقادهم في الله وفي صفاته إلا ظنا ، ليسوا متبصرين ولا مستندين إلى برهان ، إنما ذلك شيء تلقفوه من آبائهم . والظن في معرفة الله لا يغني من الحق شيئا ، أي : من إدراك الحق ومعرفته على ما هو عليه ، لأنه تجويز لا قطع . وقيل : وما يتبع أكثرهم في جعلهم الأصنام آلهة ، واعتقادهم أنها تشفع عند الله وتقرب إليه .
وقرأ عبد الله : تفعلون بالتاء على الخطاب التفاتا والجملة تضمنت التهديد والوعيد على اتباع الظن ، وتقليد الآباء . وقيل : نزلت في رؤساء اليهود و قريش .
( ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) : لما تقدم قولهم : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) وكان من قولهم : إنه افتراه قال تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى ) ، أي : ما صح ولا استقام أن يكون هذا القرآن المعجز مفترى . والإشارة بهذا فيها تفخيم المشار إليه وتعظيمه ، وكونه جامعا للأوصاف التي يستحيل وجودها فيه أن يكون مفترى . والظاهر أن : أن يفترى هو خبر كان ، أي : افتراء ، أي : ذا افتراء ، أو مفترى . ويزعم بعض النحويين أن أن هذه هي المضمرة بعد لام الجحود في قولك : ما كان زيد ليفعل ، وأنه لما حذفت اللام أظهرت أن وأن اللام وأن يتعاقبان ، فحيث جيء باللام لم تأت بأن بل تقدرها ، وحيث حذفت اللام ظهرت أن .
والصحيح أنهما لا يتعاقبان ، وأنه لا يجوز حذف اللام وإظهار أن إذ لم يقم دليل على ذلك . وعلى زعم هذا الزاعم لا يكون أن يفترى خبرا لكان ، بل الخبر محذوف .
وأن يفترى معمول لذلك الخبر بعد إسقاط اللام ، ووقعت لكن هنا أحسن موقع إذ كانت بين نقيضين وهما : الكذب والتصديق المتضمن الصدق ، والذي بين يديه الكتب الإلهية المتقدمة قاله كما جاء : مصدقا لما معكم . ابن عباس
وعن الذي بين يديه أشراط الساعة ، ولا يقوم البرهان على الزجاج قريش إلا بتصديق القرآن ما في التوراة والإنجيل ، مع أن الآتي به يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا غيرها ، ولا هي في بلده ولا قومه ، لا بتصديق الأشراط ، لأنهم لم يشاهدوا شيئا منها .
وتفصيل الكتاب تبيين ما فرض وكتب فيه من الأحكام والشرائع . وقرأ الجمهور : تصديق وتفصيل بالنصب ، فخرجه الكسائي والفراء ومحمد بن سعدان على أنه خبر كان مضمرة ، أي : ولكن كان تصديق ، أي : مصدقا ومفصلا . وقيل : انتصب مفعولا من أجله ، والعامل محذوف ، والتقدير : ولكن أنزل للتصديق . والزجاج
وقيل : انتصب على المصدر ، والعامل فيه فعل محذوف . وقرأ عيسى بن عمر : تفصيل وتصديق بالرفع ، وفي يوسف خبر مبتدأ محذوف ، أي : ولكن هو تصديق . كما قال الشاعر :
ولست الشاعر السفساف فيهم ولكن مده الحرب العوالي
أي : ولكن أنا . وزعم الفراء ومن تابعه أن العرب إذا قالت : ولكن بالواو ، آثرت تشديد النون ، وإذا لم تكن الواو آثرت التخفيف . وقد جاء في السبعة مع الواو التشديد والتخفيف ، ولا ريب فيه داخل في حيز الاستدراك كأنه قيل : ولكن تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب ، كائنا من رب العالمين .
قال : ويجوز أن يراد : ولكن كان تصديقا من رب العالمين وتفصيلا منه في ذلك ، فيكون ( الزمخشري من رب العالمين ) متعلقا بـ ( تصديق ) و ( تفصيل ) ، ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول : زيد لا شك فيه كريم ، انتهى قوله .
فيكون ( من رب العالمين ) متعلقا بـ ( تصديق ) و ( تفصيل ) ، إنما يعني من جهة المعنى ، وأما من جهة الإعراب فلا يكون إلا متعلقا بأحدهما ، ويكون من باب الإعمال وانتفاء الريب عنه على ما بين [ ص: 158 ] في البقرة في قوله : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) وجمع بينه وبين قوله : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا ) .