nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28978_31818_28798فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة [ ص: 61 ] تفريع على جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20فوسوس لهما الشيطان وما عطف عليهما .
ومعنى فدلاهما أقدمهما ففعلا فعلا يطمعان به في نفع فخابا فيه ، وأصل دلى تمثيل حال من يطلب شيئا من مظنته فلا يجده بحال من يدلي دلوه أو رجليه في البئر ليستقي من مائها فلا يجد فيها ماء فيقال دلى فلان ، يقال دلى كما يقال أدلى .
والباء للملابسة أي دلاهما ملابسا للغرور أي لاستيلاء الغرور عليه ، إذ الغرور هو اعتقاد الشيء نافعا بحسب ظاهر حاله ولا نفع فيه عند تجربته ، وعلى هذا القياس يقال دلاه بغرور إذا أوقعه في الطمع فيما لا نفع فيه ، كما في هذه الآية وقول
أبي جندب الهذلي هو ابن مرة ولم أقف على تعريفه فإن كان إسلاميا كان قد أخذ قوله كمن يدلى بالغرور من القرآن ، وإلا كان مستعملا من قبل :
أحص فلا أجير ومن أجره فليس كمن يدلى بالغرور
وعلى هذا الاستعمال ففعل دلى يستعمل قاصرا ، ويستعمل متعديا إذا جعل غيره مدليا ، هذا ما يؤخذ من كلام أهل اللغة في هذا اللفظ ، وفيه تفسيرات أخرى لا جدوى في ذكرها .
ودل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فدلاهما بغرور على أنهما فعلا ما وسوس لهما الشيطان ، فأكلا من الشجرة ، فقوله : فلما ذاقا الشجرة ترتيب على دلاهما بغرور فحذفت الجملة واستغني عنها بإيراد الاسم الظاهر في جملة شرط لما ، والتقدير : فأكلا منها ، كما ورد مصرحا به في سورة البقرة ، فلما ذاقاها بدت لهما سوآتهما .
والذوق إدراك طعم المأكول أو المشروب باللسان ، وهو يحصل عند
[ ص: 62 ] ابتداء الأكل أو الشرب ، ودلت هذه الآية على أن بدو سوآتهما حصل عند أول إدراك طعم الشجرة ، دلالة على سرعة ترتب الأمر المحذور عند أول المخالفة ، فزادت هذه الآية على آية البقرة .
وهذه أول وسوسة صدرت عن الشيطان . وأول تضليل منه للإنسان .
وقد أفادت لما توقيت بدو سوآتهما بوقت ذوقهما الشجرة ، لأن لما حرف يدل على وجود شيء عند وجود غيره ، فهي لمجرد توقيت مضمون جوابها بزمان وجود شرطها ، وهذا معنى قولهم : حرف وجود لوجود فاللام في قولهم لوجود بمعنى عند ولذلك قال بعضهم هي ظرف بمعنى حين ، يريد باعتبار أصلها ، وإذ قد التزموا فيها تقديم ما يدل على الوقت لا على المؤقت ، شابهت أدوات الشرط فقالوا : حرف وجود لوجود كما قالوا في لو : حرف امتناع لامتناع ، وفي لولا : حرف امتناع لوجود ، ولكن اللام في عبارة النحاة في تفسير معنى لو ولولا ، هي لام التعليل ، بخلافها في عبارتهم في " لما " لأن " لما " لا دلالة لها على سبب ألا ترى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فلما نجاكم إلى البر أعرضتم إذ ليس الإنجاء بسبب للإعراض ، ولكن لما كان بين السبب والمسبب تقارن كثر في شرط " لما " وجوابها معنى السببية دون اطراد ، فقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما لا يدل على أكثر من حصول ظهور السوآت عند ذوق الشجرة ، أي أن الله جعل الأمرين مقترنين في الوقت ، ولكن هذا التقارن هو لكون الأمرين مسببين عن سبب واحد ، وهو خاطر السوء الذي نفثه الشيطان فيهما ، فسبب الإقدام على المخالفة للتعاليم الصالحة ، والشعور بالنقيصة ، فقد كان
آدم وزوجه في طور سذاجة العلم ، وسلامة الفطرة ، شبيهين بالملائكة لا يقدمان على مفسدة
[ ص: 63 ] ولا مضرة ، ولا يعرضان عن نصح ناصح علما صدقه ، إلى خبر مخبر يشكان في صدقه ، ويتوقعان غروره ، ولا يشعران بالسوء في الأفعال ، ولا في ذرائعها ومقارناتها . لأن الله خلقهما في عالم ملكي ، ثم تطورت عقليتهما إلى طور التصرف في تغيير الوجدان ، فتكون فيهما فعل ما نهيا عنه ، ونشأ من ذلك التطور الشعور بالسوء للغير ، وبالسوء للنفس ، والشعور بالأشياء التي تؤدي إلى السوء ، وتقارن السوء وتلازمه .
ثم إن كان " السوآت " بمعنى ما يسوء من النقائص ، أو كان بمعنى العورات كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما فبدو ذلك لهما مقارن ذوق الشجرة الذي هو أثر الإقدام على المعصية ونبذ النصيحة إلى الاقتداء بالغرور والاغترار بقسمه ، فإنهما لما نشأت فيهما فكرة السوء في العمل ، وإرادة الإقدام عليه ، قارنت تلك الكيفية الباعثة على الفعل نشأة الانفعال بالأشياء السيئة ، وهي الأشياء التي تظهر بها الأفعال السيئة ، أو تكون ذريعة إليها ، كما تنشأ معرفة آلة القطع عند العزم على القتل ، ومن فكرة السرقة معرفة المكان الذي يختفي فيه ، وكذلك تنشأ معرفة الأشياء التي تلازم السوء وتقارنه ، وإن لم تكن سيئة ، في ذاتها ، كما تنشأ معرفة الليل من فكرة السرقة أو الفرار ، فتنشأ في نفوس الناس كراهيته ونسبته إلى إصدار الشرور ، فالسوآت إن كان معناه مطلق ما يسوء منهما ونقائصهما فهي من قبيل القسمين ، وإن كان معناه العورة فهي من قبيل القسم الثاني ، أعني الشيء المقارن لما يسوء ، لأن العورة تقارن فعلا سيئا من النقائص المحسوسة ، والله أوجدها سبب مصالح ، فلم يشعر
آدم وزوجه بشيء مما خلقت لأجله ، وإنما شعرا بمقارنة شيء مكروه لذلك وكل ذلك نشأ بإلهام من الله تعالى ، وهذا التطور الذي أشارت إليه الآية ، قد جعله الله تطورا فطريا في ذرية
آدم ، فالطفل في أول عمره يكون بريئا من خواطر السوء فلا يستاء من تلقاء نفسه إلا إذا لحق به مؤلم خارجي ،
[ ص: 64 ] ثم إذا ترعرع أخذت خواطر السوء تنتابه في باطن نفسه فيفرضها ويولدها ، وينفعل بها أو يفعل بما تشير به عليه .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة حكاية لابتداء عمل الإنسان لستر نقائصه ، وتحيله على تجنب ما يكرهه ، وعلى تحسين حاله بحسب ما يخيل إليه خياله ، وهذا أول مظهر من مظاهر الحضارة أنشأه الله في عقلي أصلي البشر ، فإنهما لما شعرا بسوآتهما بكلا المعنيين ، عرفا بعض جزئياتها ، وهي العورة وحدث في نفوسهما الشعور بقبح بروزها ، فشرعا يخفيانها عن أنظارهما استبشاعا وكراهية ، وإذ قد شعرا بذلك بالإلهام الفطري ، حيث لا ملقن يلقنهما ذلك ، ولا تعليم يعلمهما ، تقرر في نفوس الناس أن كشف العورة قبيح في الفطرة ، وأن سترها متعين ، وهذا من حكم القوة الواهمة الذي قارن البشر في نشأته ، فدل على أنه وهم فطري متأصل ، فلذلك جاء دين الفطرة بتقرير ستر العورة ، مشايعة لما استقر في نفوس البشر ، وقد جعل الله للقوة الواهمة سلطانا على نفوس البشر في عصور طويلة ، لأن في اتباعها عونا على تهذيب طباعه ، ونزع الجلافة الحيوانية من النوع ، لأن الواهمة لا توجد في الحيوان ، ثم أخذت الشرائع ، ووصايا الحكماء ، وآداب المربين ، تزيل من عقول البشر متابعة الأوهام تدريجا مع الزمان ، ولا يبقون منها إلا ما لا بد منه لاستبقاء الفضيلة في العادة بين البشر ، حتى جاء الإسلام وهو الشريعة الخاتمة فكان نوط الأحكام في دين الإسلام بالأمور الوهمية ملغى في غالب الأحكام ، كما فصلته في كتاب مقاصد الشريعة وكتاب " أصول نظام الاجتماع في الإسلام " .
والخصف حقيقته تقوية الطبقة من النعل بطبقة أخرى لتشتد ، ويستعمل مجازا مرسلا في مطلق التقوية للخرقة والثوب ، ومنه ثوب خصيف أي مخصوف أي غليظ النسج لا يشف عما تحته ، فمعنى يخصفان يضعان على عوراتهما الورق بعضه على بعض كفعل الخاصف وضعا ملزقا متمكنا ، وهذا هو الظاهر هنا إذ لم يقل يخصفان ورق الجنة .
[ ص: 65 ] و من في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22من ورق الجنة يجوز كونها اسما بمعنى بعض في موضع مفعول يخصفان أي يخصفان بعض ورق الجنة ، كما في قوله : من الذين هادوا يحرفون ، ويجوز كونها بيانية لمفعول محذوف يقتضيه : يخصفان والتقدير : يخصفان خصفا من ورق الجنة .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=28978_31818_28798فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [ ص: 61 ] تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا .
وَمَعْنَى فَدَلَّاهُمَا أَقْدَمَهُمَا فَفَعَلَا فِعْلًا يَطْمَعَانِ بِهِ فِي نَفْعٍ فَخَابَا فِيهِ ، وَأَصْلُ دَلَّى تَمْثِيلُ حَالِ مَنْ يَطْلُبُ شَيْئًا مِنْ مَظِنَّتِهِ فَلَا يَجِدُهُ بِحَالِ مَنْ يُدَلِّي دَلْوَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْ مَائِهَا فَلَا يَجِدُ فِيهَا مَاءً فَيُقَالُ دَلَّى فُلَانٌ ، يُقَالُ دَلَّى كَمَا يُقَالُ أَدْلَى .
وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ دَلَّاهُمَا مُلَابِسًا لِلْغُرُورِ أَيْ لِاسْتِيلَاءِ الْغُرُورِ عَلَيْهِ ، إِذِ الْغُرُورُ هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ نَافِعًا بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَا نَفْعَ فِيهِ عِنْدَ تَجْرِبَتِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَالُ دَلَّاهُ بِغُرُورٍ إِذَا أَوْقَعَهُ فِي الطَّمَعِ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِ
أَبِي جُنْدُبٍ الْهُذَلِيِّ هُوَ ابْنُ مُرَّةَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْرِيفِهِ فَإِنْ كَانَ إِسْلَامِيًّا كَانَ قَدْ أَخَذَ قَوْلَهُ كَمَنْ يُدَلَّى بِالْغُرُورِ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَإِلَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا مِنْ قَبْلُ :
أَحُصُّ فَلَا أُجِيرُ وَمَنْ أَجِرْهُ فَلَيْسَ كَمَنْ يُدَلَّى بِالْغُرُورِ
وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَفِعْلُ دَلَّى يُسْتَعْمَلُ قَاصِرًا ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إِذَا جُعِلَ غَيْرُهُ مُدَلَّيًا ، هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ ، وَفِيهِ تَفْسِيرَاتٌ أُخْرَى لَا جَدْوَى فِي ذِكْرِهَا .
وَدَلَّ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ عَلَى أَنَّهُمَا فَعَلَا مَا وَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ، فَأَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَقَوْلُهُ : فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ تَرْتِيبٌ عَلَى دَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهَا بِإِيرَادِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ فِي جُمْلَةِ شَرْطِ لَمَّا ، وَالتَّقْدِيرُ : فَأَكَلَا مِنْهَا ، كَمَا وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، فَلَمَّا ذَاقَاهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا .
وَالذَّوْقُ إِدْرَاكُ طَعْمِ الْمَأْكُولِ أَوِ الْمَشْرُوبِ بِاللِّسَانِ ، وَهُوَ يَحْصُلُ عِنْدَ
[ ص: 62 ] ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ بُدُوَّ سَوْآتِهِمَا حَصَلَ عِنْدَ أَوَّلِ إِدْرَاكِ طَعْمِ الشَّجَرَةِ ، دَلَالَةٌ عَلَى سُرْعَةِ تَرَتُّبِ الْأَمْرِ الْمَحْذُورِ عِنْدَ أَوَّلِ الْمُخَالَفَةِ ، فَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ .
وَهَذِهِ أَوَّلُ وَسْوَسَةٍ صَدَرَتْ عَنِ الشَّيْطَانِ . وَأَوَّلُ تَضْلِيلٍ مِنْهُ لِلْإِنْسَانِ .
وَقَدْ أَفَادَتْ لَمَّا تَوْقِيتَ بُدُوِّ سَوْآتِهِمَا بِوَقْتِ ذَوْقِهِمَا الشَّجَرَةَ ، لِأَنَّ لَمَّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ ، فَهِيَ لِمُجَرَّدِ تَوْقِيتِ مَضْمُونِ جَوَابِهَا بِزَمَانِ وُجُودِ شَرْطِهَا ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِمْ لِوُجُودٍ بِمَعْنَى عِنْدَ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ ، يُرِيدُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا ، وَإِذْ قَدِ الْتَزَمُوا فِيهَا تَقْدِيمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ لَا عَلَى الْمُؤَقَّتِ ، شَابَهَتْ أَدَوَاتَ الشَّرْطِ فَقَالُوا : حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ كَمَا قَالُوا فِي لَوْ : حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ ، وَفِي لَوْلَا : حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ ، وَلَكِنَّ اللَّامَ فِي عِبَارَةِ النُّحَاةِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى لَوْ وَلَوْلَا ، هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ ، بِخِلَافِهَا فِي عِبَارَتِهِمْ فِي " لَمَّا " لِأَنَّ " لَمَّا " لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى سَبَبٍ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ إِذْ لَيْسَ الْإِنْجَاءُ بِسَبَبٍ لِلْإِعْرَاضِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ تَقَارُنٌ كَثُرَ فِي شَرْطِ " لَمَّا " وَجَوَابِهَا مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ دُونَ اطِّرَادٍ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ حُصُولِ ظُهُورِ السَّوْآتِ عِنْدَ ذَوْقِ الشَّجَرَةِ ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَمْرَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ فِي الْوَقْتِ ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّقَارُنَ هُوَ لِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ مُسَبَّبَيْنِ عَنْ سَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ خَاطِرُ السُّوءِ الَّذِي نَفَثَهُ الشَّيْطَانُ فِيهِمَا ، فَسَبَّبَ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لِلتَّعَالِيمِ الصَّالِحَةِ ، وَالشُّعُورَ بِالنَّقِيصَةِ ، فَقَدْ كَانَ
آدَمُ وَزَوْجُهُ فِي طَوْرِ سَذَاجَةِ الْعِلْمِ ، وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ ، شَبِيهَيْنِ بِالْمَلَائِكَةِ لَا يُقْدِمَانِ عَلَى مَفْسَدَةٍ
[ ص: 63 ] وَلَا مَضَرَّةٍ ، وَلَا يُعْرِضَانِ عَنْ نُصْحِ نَاصِحٍ عَلِمَا صِدْقَهُ ، إِلَى خَبَرِ مُخْبِرٍ يَشُكَّانِ فِي صِدْقِهِ ، وَيَتَوَقَّعَانِ غُرُورَهُ ، وَلَا يَشْعُرَانِ بِالسُّوءِ فِي الْأَفْعَالِ ، وَلَا فِي ذَرَائِعِهَا وَمُقَارَنَاتِهَا . لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمَا فِي عَالَمٍ مَلَكِيٍّ ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ عَقْلِيَّتُهُمَا إِلَى طَوْرِ التَّصَرُّفِ فِي تَغْيِيرِ الْوِجْدَانِ ، فَتَكَوَّنَ فِيهِمَا فِعْلُ مَا نُهِيَا عَنْهُ ، وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ التَّطَوُّرِ الشُّعُورُ بِالسُّوءِ لِلْغَيْرِ ، وَبِالسُّوءِ لِلنَّفْسِ ، وَالشُّعُورُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى السُّوءِ ، وَتُقَارِنُ السُّوءَ وَتُلَازِمُهُ .
ثُمَّ إِنْ كَانَ " السَّوْآتُ " بِمَعْنَى مَا يَسُوءُ مِنَ النَّقَائِصِ ، أَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْعَوْرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا فَبُدُوُّ ذَلِكَ لَهُمَا مُقَارِنٌ ذَوْقَ الشَّجَرَةِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَنَبْذُ النَّصِيحَةِ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْغُرُورِ وَالِاغْتِرَارِ بِقِسْمِهِ ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا نَشَأَتْ فِيهِمَا فِكْرَةُ السُّوءِ فِي الْعَمَلِ ، وَإِرَادَةُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ، قَارَنَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْفِعْلِ نَشْأَةَ الِانْفِعَالِ بِالْأَشْيَاءِ السَّيِّئَةِ ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا الْأَفْعَالُ السَّيِّئَةُ ، أَوْ تَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَيْهَا ، كَمَا تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ آلَةِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْقَتْلِ ، وَمِنْ فِكْرَةِ السَّرِقَةِ مَعْرِفَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَفِي فِيهِ ، وَكَذَلِكَ تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَازِمُ السُّوءَ وَتُقَارِنُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةً ، فِي ذَاتِهَا ، كَمَا تَنْشَأُ مَعْرِفَةُ اللَّيْلِ مِنْ فِكْرَةِ السَّرِقَةِ أَوِ الْفِرَارِ ، فَتَنْشَأُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ كَرَاهِيَتُهُ وَنِسْبَتُهُ إِلَى إِصْدَارِ الشُّرُورِ ، فَالسَّوْآتُ إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مُطْلَقُ مَا يَسُوءُ مِنْهُمَا وَنَقَائِصُهُمَا فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْعَوْرَةُ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْمِ الثَّانِي ، أَعْنِي الشَّيْءَ الْمُقَارِنَ لِمَا يَسُوءُ ، لِأَنَّ الْعَوْرَةَ تُقَارِنُ فِعْلًا سَيِّئًا مِنَ النَّقَائِصِ الْمَحْسُوسَةِ ، وَاللَّهُ أَوْجَدَهَا سَبَبَ مَصَالِحٍ ، فَلَمْ يَشْعُرْ
آدَمُ وَزَوْجُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ ، وَإِنَّمَا شَعَرَا بِمُقَارَنَةِ شَيْءٍ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ نَشَأَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا التَّطَوُّرُ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ ، قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَطَوُّرًا فِطْرِيًّا فِي ذُرِّيَّةِ
آدَمَ ، فَالطِّفْلُ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ خَوَاطِرِ السُّوءِ فَلَا يَسْتَاءُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا إِذَا لَحِقَ بِهِ مُؤْلِمٌ خَارِجِيٌّ ،
[ ص: 64 ] ثُمَّ إِذَا تَرَعْرَعَ أَخَذَتْ خَوَاطِرُ السُّوءِ تَنْتَابُهُ فِي بَاطِنِ نَفْسِهِ فَيَفْرِضُهَا وَيُوَلِّدُهَا ، وَيَنْفَعِلُ بِهَا أَوْ يَفْعَلُ بِمَا تُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ حِكَايَةٌ لِابْتِدَاءِ عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِسَتْرِ نَقَائِصِهِ ، وَتُحِيلُهُ عَلَى تَجَنُّبِ مَا يَكْرَهُهُ ، وَعَلَى تَحْسِينِ حَالِهِ بِحَسْبِ مَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِ خَيَالُهُ ، وَهَذَا أَوَّلُ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الْحَضَارَةِ أَنْشَأَهُ اللَّهُ فِي عَقْلَيْ أَصْلَيِ الْبَشَرِ ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا شَعَرَا بِسَوْآتِهِمَا بِكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ ، عَرَفَا بَعْضَ جُزْئِيَّاتِهَا ، وَهِيَ الْعَوْرَةُ وَحَدَثَ فِي نُفُوسِهِمَا الشُّعُورُ بِقُبْحِ بُرُوزِهَا ، فَشَرَعَا يُخْفِيَانِهَا عَنْ أَنْظَارِهِمَا اسْتِبْشَاعًا وَكَرَاهِيَةً ، وَإِذْ قَدْ شَعَرَا بِذَلِكَ بِالْإِلْهَامِ الْفِطْرِيِّ ، حَيْثُ لَا مُلَقِّنَ يُلَقِّنُهُمَا ذَلِكَ ، وَلَا تَعْلِيمَ يُعَلِّمُهُمَا ، تَقَرَّرَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ قَبِيحٌ فِي الْفِطْرَةِ ، وَأَنَّ سَتْرَهَا مُتَعَيَّنٌ ، وَهَذَا مِنْ حُكْمِ الْقُوَّةِ الْوَاهِمَةِ الَّذِي قَارَنَ الْبَشَرَ فِي نَشْأَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَهْمٌ فِطْرِيٌّ مُتَأَصِّلٌ ، فَلِذَلِكَ جَاءَ دِينُ الْفِطْرَةِ بِتَقْرِيرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، مُشَايَعَةً لِمَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْقُوَّةِ الْوَاهِمَةِ سُلْطَانًا عَلَى نُفُوسِ الْبَشَرِ فِي عُصُورٍ طَوِيلَةٍ ، لِأَنَّ فِي اتِّبَاعِهَا عَوْنًا عَلَى تَهْذِيبِ طِبَاعِهِ ، وَنَزْعِ الْجَلَافَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ مِنَ النَّوْعِ ، لِأَنَّ الْوَاهِمَةَ لَا تُوجَدُ فِي الْحَيَوَانِ ، ثُمَّ أَخَذَتِ الشَّرَائِعُ ، وَوَصَايَا الْحُكَمَاءِ ، وَآدَابُ الْمُرَبِّينَ ، تُزِيلُ مِنْ عُقُولِ الْبَشَرِ مُتَابَعَةَ الْأَوْهَامِ تَدْرِيجًا مَعَ الزَّمَانِ ، وَلَا يُبْقُونَ مِنْهَا إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِاسْتِبْقَاءِ الْفَضِيلَةِ فِي الْعَادَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ الشَّرِيعَةُ الْخَاتِمَةُ فَكَانَ نَوْطُ الْأَحْكَامِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ بِالْأُمُورِ الْوَهْمِيَّةِ مُلْغًى فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ ، كَمَا فَصَّلْتُهُ فِي كِتَابِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَكِتَابِ " أُصُولِ نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ فِي الْإِسْلَامِ " .
وَالْخَصْفُ حَقِيقَتُهُ تَقْوِيَةُ الطَّبَقَةِ مِنَ النَّعْلِ بِطَبَقَةٍ أُخْرَى لِتَشْتَدَّ ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا مُرْسَلًا فِي مُطْلَقِ التَّقْوِيَةِ لِلْخِرْقَةِ وَالثَّوْبِ ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ خَصِيفٌ أَيْ مَخْصُوفٌ أَيْ غَلِيظُ النَّسْجِ لَا يَشِفُّ عَمَّا تَحْتَهُ ، فَمَعْنَى يَخْصِفَانِ يَضَعَانِ عَلَى عَوْرَاتِهِمَا الْوَرَقَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ كَفِعْلِ الْخَاصِفِ وَضْعًا مُلْزَقًا مُتَمَكَّنًا ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا إِذْ لَمْ يَقُلْ يَخْصِفَانِ وَرَقَ الْجَنَّةِ .
[ ص: 65 ] وَ مِنْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=22مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ يَجُوزُ كَوْنُهَا اسْمًا بِمَعْنَى بَعْضٍ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولِ يَخْصِفَانِ أَيْ يَخْصِفَانِ بَعْضَ وَرَقِ الْجَنَّةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا بَيَانِيَّةً لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ يَقْتَضِيهِ : يَخْصِفَانِ وَالتَّقْدِيرُ : يَخْصِفَانِ خَصْفًا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ .