nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28991_20758_29568وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ، والغرض واحد ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=20759_28425_32232_32234التنويه بالقرآن . فابتدئ بالتنويه به جزئيا
[ ص: 314 ] بالتنويه بقصصه ، ثم عطف عليه التنويه به كليا على طريقة تشبه التذييل لما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113أنزلناه قرآنا عربيا من معنى عموم ما فيه . والإشارة بـ " كذلك " نحو الإشارة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك ، أي كما سمعته لا يبين بأوضح من ذلك . و " قرآنا " حال من الضمير المنصوب في " أنزلناه " ، وقرآن تسمية بالمصدر . والمراد المقروء ، أي المتلو ، وصار القرآن علما بالغلبة على الوحي المنزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ معينة متعبدا بتلاوتها يعجز الإتيان بمثل سورة منها . وسمي قرآنا لأنه نظم على أسلوب تسهل تلاوته . ولوحظ هنا المعنى الاشتقاقي قبل الغلبة وهو ما تفيده مادة ( قرأ ) من يسر تلاوته; وما ذلك إلا لفصاحة تأليفه وتناسب حروفه . والتنكير يفيد الكمال ، أي أكمل ما يقرأ .
و " عربيا " صفة " قرآنا " . وهذا وصف يفيد المدح ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32264_20758اللغة العربية أبلغ اللغات وأحسنها فصاحة وانسجاما . وفيه تعريض بالامتنان على العرب ، وتحميق للمشركين منهم ، حيث أعرضوا عنه وكذبوا به ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون .
والتصريف : التنويع والتفنين . وقد تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون في سورة الأنعام ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا في سورة الإسراء . وذكر الوعيد هنا للتهديد ، ولمناسبة قوله قبله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=111وقد خاب من حمل ظلما . والتقوى : الخوف . وهي تستعمل كناية عن الطاعة لله ، أي فعلنا ذلك رجاء أن يؤمنوا ويطيعوا . والذكر هنا بمعنى التذكر ، أي فعلنا ذلك رجاء أن يؤمنوا ويطيعوا . والذكر هنا بمعنى التذكر ، أي يحدث لهم القرآن تذكرا ونظرا فيما يحق عليهم أن يختاروه لأنفسهم .
[ ص: 315 ] وعبر بـ " يحدث " إيماء إلى أن الذكر ليس من شأنهم قبل نزول القرآن ، فالقرآن أوجد فيهم ذكرا لم يكن من قبل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
ولما جرت في الجزل جريا كأنه سنا الفجر أحدثنا لخالقها شكرا
و " لعل " للرجاء ، أي أن حال القرآن أن يقرب الناس من التقوى والتذكر ، بحيث يمثل شأن من أنزله وأمر بما فيه بحال من يرجو ، فيلفظ بالحرف الموضوع لإنشاء الرجاء . فحرف " لعل " استعارة تبعية تنبئ عن تمثيلية مكنية . وقد مضى معنى " لعل " في القرآن عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون في سورة البقرة . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114nindex.php?page=treesubj&link=28991_29687فتعالى الله الملك الحق معترضة بين جملة " وكذلك أنزلناه " وبين جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن . وهذا إنشاء ثناء على الله منزل القرآن وعلى منة هذا القرآن ، وتلقين لشكره على ما بين لعباده من وسائل الإصلاح وحملهم عليه بالترغيب والترهيب ، وتوجيهه إليهم بأبلغ كلام وأحسن أسلوب ، فهو مفرع على ما تقدم من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا إلى آخرها . والتفريع مؤذن بأن ذلك الإنزال والتصريف ووسائل الإصلاح كل ذلك ناشئ عن جميل آثار يشعر جميعها بعلوه وعظمته وأنه الملك الحق المدبر لأمور مملوكاته على أتم وجوه الكمال وأنفذ طرق السياسة .
وفي وصفه بالحق إيماء إلى أن ملك غيره من المتسمين بالملوك لا يخلو من نقص كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الملك يومئذ الحق للرحمن . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342152فيقول الله أنا الملك ، أين ملوك الأرض . أي أحضروهم هل تجدون منهم من ينازع في ذلك ، كقول الخليفة
معاوية حين خطب في
المدينة : يا
أهل المدينة أين علماؤكم .
[ ص: 316 ] والجمع بين اسم الجلالة واسمه " الملك " إشارة إلى أن إعظامه وإجلاله مستحقان لذاته بالاسم الجامع لصفات الكمال ، وهو الدال على انحصار الإلهية وكمالها . ثم أتبع بـ " الحق " للإشارة إلى أن تصرفاته واضحة الدلالة على أن ملكه ملك حق لا تصرف فيه إلا بما هو مقتضى الحكمة .
والحق : الذي ليس في ملكه شائبة عجز ولا خضوع لغيره . وفيه تعريض بأن ملك غيره زائف .
وفي تفريع ذلك على إنزال القرآن إشارة أيضا إلى أن القرآن قانون ذلك الملك ، وأن ما جاء به هو السياسة الكاملة الضامنة صلاح أحوال متبعيه في الدنيا والآخرة . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ناشئة على ما تقدم من التنويه بالقرآن وما اشتمل عليه من تصاريف إصلاح الناس . فلما كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - حريصا على صلاح الأمة ، شديد الاهتمام بنجاتهم لا جرم - خطرت بقلبه الشريف عقب سماع تلك الآيات رغبة أو طلبة في الإكثار من نزول القرآن وفي التعجيل به إسراعا بعظة الناس وصلاحهم ، فعلمه الله أن يكل الأمر إليه ؛ فإنه أعلم بحيث يناسب حال الأمة العام . ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114من قبل أن يقضى إليك وحيه أي من قبل أن يتم وحي ما قضي وحيه إليك ، أي ما نفذ إنزاله ؛ فإنه هو المناسب ، فالمنهي عنه هو سؤال التعجيل أو الرغبة الشديدة في النفس التي تشبه الاستبطاء لا مطلق مودة الازدياد ، فقد قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - في شأن قصة
موسى مع
الخضر - عليه السلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342153وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما أو من خبرهما . .
[ ص: 317 ] ويجوز أن يكون معنى العجلة بالقرآن العجلة بقراءته حال إلقاء
جبريل آياته . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=treesubj&link=32260كان النبيء يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل ؛ حرصا على الحفظ وخشية من النسيان ، فأنزل الله
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن الآية . وهذا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وعلى هذين التأويلين يكون المراد بقضاء وحيه إتمامه وانتهاءه ، أي انتهاء المقدار الذي هو بصدد النزول .
وعن
مجاهد وقتادة أن معناه : لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك ولا تمله عليهم حتى تتبين لك معانيه . وعلى هذا التأويل يكون قضاء الوحي تمام معانيه . وعلى كلا التفسيرين يجري اعتبار موقع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وقل رب زدني علما .
وقرأ الجمهور " يقضى " بتحتية في أوله مبنيا للنائب ، ورفع " وحيه " على أنه نائب الفاعل ، وقرأ
يعقوب بنون العظمة وكسر الضاد وبفتحة على آخر " نقضي " وبنصب " وحيه " . وعطف جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وقل رب زدني علما يشير إلى أن المنهي عنه استعجال مخصوص ، وأن الباعث على الاستعجال محمود . وفيه تلطف مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - ; إذ أتبع نهيه عن التعجل الذي يرغبه بالإذن له بسؤال الزيادة من العلم ، فإن ذلك مجمع كل زيادة سواء كانت بإنزال القرآن أم بغيره من الوحي والإلهام إلى الاجتهاد تشريعا وفهما ، إيماء إلى أن رغبته في التعجل رغبة صالحة
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342154كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبيء راكعا فلم يلبث أن يصل إلى الصف بل ركع ودب إلى الصف راكعا فقال له : زادك الله حرصا ولا تعد .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28991_20758_29568وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحَدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ، وَالْغَرَضُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20759_28425_32232_32234التَّنْوِيهُ بِالْقُرْآنِ . فَابْتُدِئَ بِالتَّنْوِيهِ بِهِ جُزْئِيًّا
[ ص: 314 ] بِالتَّنْوِيهِ بِقَصَصِهِ ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ التَّنْوِيهُ بِهِ كُلِّيًّا عَلَى طَرِيقَةٍ تُشْبِهُ التَّذْيِيلَ لِمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا مِنْ مَعْنَى عُمُومِ مَا فِيهِ . وَالْإِشَارَةُ بِـ " كَذَلِكَ " نَحْوَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ، أَيْ كَمَا سَمِعْتَهُ لَا يُبَيَّنُ بِأَوْضَحَ مِنْ ذَلِكَ . وَ " قُرْآنًا " حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي " أَنْزَلْنَاهُ " ، وَقُرْآنٌ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ . وَالْمُرَادُ الْمَقْرُوءُ ، أَيِ الْمَتْلُوُّ ، وَصَارَ الْقُرْآنُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَلْفَاظٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَعَبَّدًا بِتِلَاوَتِهَا يَعْجِزُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنْهَا . وَسُمِّيَ قُرْآنًا لِأَنَّهُ نُظِمَ عَلَى أُسْلُوبٍ تَسْهُلُ تِلَاوَتُهُ . وَلُوحِظَ هُنَا الْمَعْنَى الِاشْتِقَاقِيُّ قَبْلَ الْغَلَبَةِ وَهُوَ مَا تُفِيدُهُ مَادَّةُ ( قَرَأَ ) مِنْ يُسْرِ تِلَاوَتِهِ; وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِفَصَاحَةِ تَأْلِيفِهِ وَتَنَاسُبِ حُرُوفِهِ . وَالتَّنْكِيرُ يُفِيدُ الْكَمَالَ ، أَيْ أَكْمَلَ مَا يَقْرَأُ .
وَ " عَرَبِيًّا " صِفَةُ " قُرْآنًا " . وَهَذَا وَصْفٌ يُفِيدُ الْمَدْحَ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32264_20758اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَبْلَغُ اللُّغَاتِ وَأَحْسَنُهَا فَصَاحَةً وَانْسِجَامًا . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالِامْتِنَانِ عَلَى الْعَرَبِ ، وَتَحْمِيقٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ ، حَيْثُ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَكَذَّبُوا بِهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ .
وَالتَّصْرِيفُ : التَّنْوِيعُ وَالتَّفْنِينُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=46انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=41وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ . وَذِكْرُ الْوَعِيدِ هُنَا لِلتَّهْدِيدِ ، وَلِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=111وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا . وَالتَّقْوَى : الْخَوْفُ . وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ كِنَايَةً عَنِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ ، أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيُطِيعُوا . وَالذِّكْرُ هُنَا بِمَعْنَى التَّذَكُّرِ ، أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيُطِيعُوا . وَالذِّكْرُ هُنَا بِمَعْنَى التَّذَكُّرِ ، أَيْ يُحَدِثُ لَهُمُ الْقُرْآنُ تَذَكُّرًا وَنَظًرَا فِيمَا يَحِقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ .
[ ص: 315 ] وَعَبَّرَ بِـ " يُحْدِثُ " إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الذِّكْرَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، فَالْقُرْآنُ أَوْجَدَ فِيهِمْ ذِكْرًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذُو الرُّمَّةِ :
وَلَمَّا جَرَتْ فِي الْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ سَنَا الْفَجْرِ أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرًا
وَ " لَعَلَّ " لِلرَّجَاءِ ، أَيْ أَنَّ حَالَ الْقُرْآنِ أَنْ يُقَرِّبَ النَّاسَ مِنَ التَّقْوَى وَالتَّذَكُّرِ ، بِحَيْثُ يُمَثَّلُ شَأْنَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَأَمَرَ بِمَا فِيهِ بِحَالِ مَنْ يَرْجُو ، فَيَلْفِظُ بِالْحَرْفِ الْمَوْضُوعِ لِإِنْشَاءِ الرَّجَاءِ . فَحَرْفُ " لَعَلَّ " اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تُنْبِئُ عَنْ تَمْثِيلِيَّةٍ مَكْنِيَّةٍ . وَقَدْ مَضَى مَعْنَى " لَعَلَّ " فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114nindex.php?page=treesubj&link=28991_29687فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ " وَبَيْنَ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ . وَهَذَا إِنْشَاءُ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ مُنَزِّلِ الْقُرْآنِ وَعَلَى مِنَّةِ هَذَا الْقُرْآنِ ، وَتَلْقِينٌ لِشُكْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَ لِعِبَادِهِ مِنْ وَسَائِلِ الْإِصْلَاحِ وَحَمْلِهِمْ عَلَيْهِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَتَوْجِيهِهِ إِلَيْهِمْ بِأَبْلَغِ كَلَامٍ وَأَحْسَنِ أُسْلُوبٍ ، فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا إِلَى آخِرِهَا . وَالتَّفْرِيعُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِنْزَالَ وَالتَّصْرِيفَ وَوَسَائِلَ الْإِصْلَاحِ كُلَّ ذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ جَمِيلِ آثَارٍ يَشْعُرُ جَمِيعُهَا بِعُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُدَبِّرُ لِأُمُورِ مَمْلُوكَاتِهِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الْكَمَالِ وَأَنْفَذِ طُرُقِ السِّيَاسَةِ .
وَفِي وَصْفِهِ بِالْحَقِّ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُتَسَمَّيْنَ بِالْمُلُوكِ لَا يَخْلُو مِنْ نَقْصٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ . وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342152فَيَقُولُ اللَّهُ أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ . أَيْ أَحْضِرُوهُمْ هَلْ تَجِدُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ ، كَقَوْلِ الْخَلِيفَةِ
مُعَاوِيَةَ حِينَ خَطَبَ فِي
الْمَدِينَةِ : يَا
أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ .
[ ص: 316 ] وَالْجَمْعُ بَيْنَ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَاسْمِهِ " الْمَلِكُ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِعْظَامَهُ وَإِجْلَالَهُ مُسْتَحِقَّانِ لِذَاتِهِ بِالِاسْمِ الْجَامِعِ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى انْحِصَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَكَمَالِهَا . ثُمَّ أُتْبِعَ بِـ " الْحَقُّ " لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مُلْكَهُ مُلْكُ حَقٍّ لَا تَصَرُّفَ فِيهِ إِلَّا بِمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ .
وَالْحَقُّ : الَّذِي لَيْسَ فِي مُلْكِهِ شَائِبَةُ عَجْزٍ وَلَا خُضُوعٍ لِغَيْرِهِ . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مُلْكَ غَيْرِهِ زَائِفٌ .
وَفِي تَفْرِيعِ ذَلِكَ عَلَى إِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ قَانُونُ ذَلِكَ الْمَلِكِ ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ السِّيَاسَةُ الْكَامِلَةُ الضَّامِنَةُ صَلَاحَ أَحْوَالِ مُتَّبِعِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ نَاشِئَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَصَارِيفِ إِصْلَاحِ النَّاسِ . فَلَمَّا كَانَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِيصًا عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ ، شَدِيدَ الِاهْتِمَامِ بِنَجَاتِهِمْ لَا جَرَمَ - خَطَرَتْ بِقَلْبِهِ الشَّرِيفِ عَقِبَ سَمَاعِ تِلْكَ الْآيَاتِ رَغْبَةٌ أَوْ طِلْبَةٌ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَفِي التَّعْجِيلِ بِهِ إِسْرَاعًا بِعِظَةِ النَّاسِ وَصَلَاحِهِمْ ، فَعَلَّمَهُ اللَّهُ أَنْ يَكِلَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِحَيْثُ يُنَاسِبُ حَالَ الْأُمَّةِ الْعَامَّ . وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتِمَّ وَحْيُ مَا قُضِيَ وَحْيُهُ إِلَيْكَ ، أَيْ مَا نُفِّذَ إِنْزَالُهُ ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَاسِبُ ، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ سُؤَالُ التَّعْجِيلِ أَوِ الرَّغْبَةُ الشَّدِيدَةُ فِي النَّفْسِ الَّتِي تُشْبِهُ الِاسْتِبْطَاءَ لَا مُطْلَقُ مَوَدَّةِ الِازْدِيَادِ ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ قِصَّةِ
مُوسَى مَعَ
الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342153وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا أَوْ مِنْ خَبَرِهِمَا . .
[ ص: 317 ] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْعَجَلَةِ بِالْقُرْآنِ الْعَجَلَةَ بِقِرَاءَتِهِ حَالَ إِلْقَاءِ
جِبْرِيلَ آيَاتِهِ . فَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=32260كَانَ النَّبِيءُ يُبَادِرُ جِبْرِيلَ فَيَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ جِبْرِيلُ ؛ حِرْصًا عَلَى الْحِفْظِ وَخَشْيَةً مِنَ النِّسْيَانِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الْآيَةَ . وَهَذَا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ . وَعَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَضَاءِ وَحْيِهِ إِتْمَامَهَ وَانْتِهَاءَهُ ، أَيِ انْتِهَاءَ الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ النُّزُولِ .
وَعَنْ
مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ أَنَّ مَعْنَاهُ : لَا تَعْجَلْ بِقِرَاءَةِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِأَصْحَابِكَ وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتَبَيَّنَ لَكَ مَعَانِيهِ . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَضَاءُ الْوَحْيِ تَمَامَ مَعَانِيهِ . وَعَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ يَجْرِي اعْتِبَارُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " يُقْضَى " بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ ، وَرَفْعِ " وَحْيُهُ " عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ ، وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَبِفَتْحَةٍ عَلَى آخِرَ " نَقْضِي " وَبِنَصْبِ " وَحْيَهُ " . وَعَطْفُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اسْتِعْجَالٌ مَخْصُوصٌ ، وَأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ مَحْمُودٌ . وَفِيهِ تَلَطُّفٌ مَعَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; إِذْ أَتْبَعَ نَهْيَهُ عَنِ التَّعَجُّلِ الَّذِي يَرْغَبُهُ بِالْإِذْنِ لَهُ بِسُؤَالِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْعِلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَجْمَعُ كُلِّ زِيَادَةٍ سَوَاءً كَانَتْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ أَمْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ إِلَى الِاجْتِهَادِ تَشْرِيعًا وَفَهْمًا ، إِيمَاءً إِلَى أَنَّ رَغْبَتَهُ فِي التَّعَجُّلِ رَغْبَةٌ صَالِحَةٌ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342154كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّبِيءَ رَاكِعًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ بَلْ رَكَعَ وَدَبَّ إِلَى الصَّفِّ رَاكِعًا فَقَالَ لَهُ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ .