[ ص: 37 ] أحمد بن إسحاق ( خ )
الإمام ، الزاهد ، العابد المجاهد ، فارس الإسلام أبو إسحاق : من أهل سرمارى ، من قرى بخارى .
سمع من : يعلى بن عبيد : ، وعثمان بن عمر بن فارس وأبي عاصم ، وطبقتهم .
حدث عنه : ابنه ، وأبو عبد الله البخاري في " صحيحه " ، وإدريس بن عبدك ، وآخرون .
وكان أحد الثقات . وبشجاعته يضرب المثل .
قال إبراهيم بن عفان البزاز : كنت عند أبي عبد الله البخاري ، فجرى ذكر أبي إسحاق السرماري ، فقال : ما نعلم في الإسلام مثله . فخرجت ، فإذا أحيد رئيس المطوعة ، فأخبرته ، فغضب ودخل على ، وسأله ، فقال : ما كذا قلت : بل : ما بلغنا أنه كان في الإسلام ولا الجاهلية مثله . البخاري
سمعها إسحاق بن أحمد بن خلف من بن عفان .
قال أبو صفوان : دخلت علي أبي يوما ، وهو يأكل وحده ، فرأيت في مائدته عصفورا يأكل معه ، فلما رآني طار .
وعن أحمد بن إسحاق ، قال : ينبغي لقائد الغزاة أن يكون فيه عشر خصال : أن يكون في قلب الأسد : لا يجبن ، وفي كبر النمر : لا يتواضع ، [ ص: 38 ] وفي شجاعة الدب : يقتل بجوارحه كلها ، وفي حملة الخنزير : لا يولي دبره ، وفي غارة الذئب : إذا أيس من وجه أغار من وجه ، وفي حمل السلاح كالنملة : تحمل أكثر من وزنها ، وفي الثبات كالصخر ، وفي الصبر كالحمار ، وفي الوقاحة كالكلب : لو دخل صيده النار لدخل خلفه ، وفي التماس الفرصة كالديك .
غنجار : سمعت أبا بكر محمد بن خالد المطوعي ، سمعت محمد بن إدريس المطوعي البخاري ، سمع إبراهيم بن شماس يقول : كنت أكاتب أحمد بن إسحاق السرماري ، فكتب إلي : إذا أردت الخروج إلى بلاد الغزية في شراء الأسرى ، فاكتب إلي .
فكتبت إليه ، فقدم سمرقند ، فخرجنا ، فلما علم جعبويه ، استقبلنا في عدة من جيوشه ، فأقمنا عنده ، فعرض يوما جيشه ، فمر رجل ، فعظمه ، وخلع عليه ، فسألني عنه السرماري ، فقلت : هذا رجل مبارز ، يعد بألف فارس . قال : أنا أبارزه . فسكت ، فقال جعبويه : ما يقول هذا ؟ قلت : يقول كذا وكذا . قال : لعله سكران لا يشعر ، ولكن غدا نركب .
فلما كان الغد ركبوا ، فركب السرماري معه عمود في كمه ، فقام بإزاء المبارز ، فقصده ، فهرب أحمد حتى باعده من الجيش ، ثم كر ، وضربه بالعمود قتله ، وتبع إبراهيم بن شماس ، لأنه كان سبقه ، فلحقه ، وعلم جعبويه ، فجهز في طلبه خمسين فارسا نقاوة ، فأدركوه .
فثبت تحت تل مختفيا ، حتى مروا كلهم ، واحدا بعد واحد ، وجعل يضرب بعموده من ورائهم ، إلى أن قتل تسعة وأربعين ، وأمسك واحدا ، قطع أنفه وأذنيه ، وأطلقه ليخبر ، ثم بعد عامين توفي أحمد ، وذهب ابن شماس في الفداء ، فقال له جعبويه : من ذاك الذي قتل فرساننا ؟ [ ص: 39 ] قال : ذاك أحمد السرماري . قال : فلم لم تحمله معك ؟ قلت : توفي ، فصك في وجهي ، وقال : لو أعلمتني أنه هو لكنت أعطيه خمسمائة برذون وعشرة آلاف شاة .
وعن بكر بن منير ، قال : رأيت السرماري أبيض الرأس واللحية ، ضخما ، مات بقريته ، فبلغ كراء الدابة إليها عشرة دراهم ، وخلف ديونا كثيرة ، فكان غرماؤه ربما يشترون من تركته حزمة القصب بخمسين درهما ، إلى مائة ، حبا له ، فما رجعوا حتى قضي دينه .
عن عمران بن محمد المطوعي : سمعت أبي يقول : كان عمود المطوعي السرماري وزنه ثمانية عشر منا فلما شاخ جعله اثني عشر منا ، وكان به يقاتل .
قال غنجار : سمع محمد بن خالد وأحمد بن محمد ، قالا : سمعنا عبد الرحمن بن محمد بن جرير ، سمعت عبيد الله بن واصل ، سمعت أحمد السرماري يقول ، وأخرج سيفه ، فقال : أعلم يقينا أني قتلت به ألف تركي ، وإن عشت قتلت به ألفا أخرى ، ولولا خوفي أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي .
وعن محمود بن سهل الكاتب ، قال : كانوا في بعض الحروب يحاصرون مكانا ، ورئيس العدو قاعد على صفة فرمى السرماري [ ص: 40 ] سهما ، فغرزه في الصفة ، فأومأ الرئيس لينزعه ، فرماه بسهم آخر خاط يده ، فتطاول الكافر لينزعه من يده ، فرماه بسهم ثالث في نحره ، فانهزم العدو ، وكان الفتح .
قلت : أخبار هذا الغازي تسر قلب المسلم .
قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي : توفي في شهر ربيع الآخر ، سنة اثنتين وأربعين ومائتين رحمه الله تعالى ، فإنه كان مع فرط شجاعته من العلماء العاملين العباد .
قال ولده أبو صفوان : وهب المأمون لأبي ثلاثين ألفا ، وعشرة أفراس ، وجارية ، فلم يقبلها .