القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210nindex.php?page=treesubj&link=28973_30296هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : هل ينظر المكذبون
بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ؟ .
ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : " والملائكة" .
[ ص: 261 ]
فقرأ بعضهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ، بالرفع ، عطفا ب "الملائكة" على اسم الله تبارك وتعالى ، على معنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام .
ذكر من قال ذلك :
4032 - حدثني
أحمد بن يوسف عن
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية قال - في قراءة
أبي بن كعب : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، قال : تأتي الملائكة في ظلل من الغمام ، ويأتي الله عز وجل فيما شاء .
4033 - وقد حدثت هذا الحديث عن
عمار بن الحسن ، عن
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : " هل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " الآية ، وقال
أبو جعفر الرازي : وهي في بعض القراءة : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ]
وقرأ ذلك آخرون : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" بالخفض عطفا ب "الملائكة" على"الظلل" ، بمعنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة .
وكذلك اختلفت القرأة في قراءة" ظلل " ، فقرأها بعضهم : " في ظلل " ، وبعضهم : "في ظلال" .
فمن قرأها" في ظلل " ، فإنه وجهها إلى أنها جمع"ظلة" ، و"الظلة" ، تجمع " ظلل وظلال" ، كما تجمع"الخلة" ، "خلل وخلال" ، و"الجلة" ، جلل وجلال" .
[ ص: 262 ]
وأما الذي قرأها"في ظلال" ، فإنه جعلها جمع "ظلة" ، كما ذكرنا من جمعهم "الخلة" "خلال" .
وقد يحتمل أن يكون قارئه كذلك ، وجهه إلى أن ذلك جمع "ظل" ؛ لأن "الظلة" و"الظل" قد يجمعان جميعا"ظلالا" .
قال
أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، لخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا . فدل بقوله : "طاقات" ، على أنها ظلل لا ظلال ؛ لأن واحد "الظلل" "ظلة" ، وهي الطاق واتباعا لخط المصحف . وكذلك الواجب في كل ما اتفقت معانيه واختلفت في قراءته القرأة ، ولم يكن على إحدى القراءتين دلالة تنفصل بها من الأخرى غير اختلاف خط المصحف ، فالذي ينبغي أن تؤثر قراءته منها ما وافق رسم المصحف .
وأما الذي هو أولى القراءتين في : " والملائكة" ، فالصواب بالرفع ، عطفا بها على اسم الله تبارك وتعالى ، على معنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وإلا أن تأتيهم الملائكة ، على ما روي عن
أبي بن كعب ؛ لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في غير موضع من كتابه أن الملائكة تأتيهم ، فقال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) [ الأنعام : 158 ] فإن أشكل على امرئ قول الله جل ثناؤه : ( والملك صفا صفا ) فظن أنه مخالف معناه معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ،
[ ص: 263 ] إذ كان قوله : " والملائكة " في هذه الآية بلفظ جمع ، وفي الأخرى بلفظ الواحد . فإن ذلك خطأ من الظن ، وذلك أن"الملك" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك ) بمعنى الجميع ، ومعنى " الملائكة " . والعرب تذكر الواحد بمعنى الجميع ، فتقول : "فلان كثير الدرهم والدينار" يراد به : الدراهم والدنانير و"هلك البعير والشاة" ، بمعنى جماعة الإبل والشاء ، فكذلك قوله : " والملك" بمعنى"الملائكة" .
قال
أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210ظلل من الغمام " ، وهل هو من صلة فعل الله جل ثناؤه ، أو من صلة فعل" الملائكة " ، ومن الذي يأتي فيها ؟ فقال بعضهم : هو من صلة فعل الله ، ومعناه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وأن تأتيهم الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
4034 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : هو غير السحاب لم يكن إلا
لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة .
4035 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت .
4036 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
عكرمة في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : طاقات من الغمام ، والملائكة حوله قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقال غيره : والملائكة بالموت
[ ص: 264 ]
وقول
عكرمة هذا ، وإن كان موافقا قول من قال : إن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام " من صلة فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه ، فإنه له مخالف في صفة الملائكة . وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول
عكرمة هذا في" الملائكة " الخفض ؛ لأنه تأول الآية : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة ؛ لأنه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكة حوله .
هذا إن كان وجه قوله : "والملائكة حوله" ، إلى أنهم حول الغمام ، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر" الغمام " . وإن كان وجه قوله : "والملائكة حوله" إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى ، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر الرب عز جل ، فقوله نظير قول الآخرين الذين قد ذكرنا قولهم ، غير مخالفهم في ذلك .
وقال آخرون : بل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام " من صلة فعل"الملائكة" ، وإنما تأتي الملائكة فيها ، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء .
ذكر من قال ذلك :
4037 - حدثت عن
عمار بن الحسن ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " الآية ، قال : ذلك يوم القيامة ، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام . قال : الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام ، والرب تعالى يجيء فيما شاء .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجه قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210في ظلل من الغمام " إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل ، وأن معناه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وتأتيهم الملائكة ، لما : -
4038 - حدثنا به
محمد بن حميد ، قال : حدثنا
إبراهيم بن المختار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا ، وذلك
[ ص: 265 ] قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر " .
وأما معنى قوله : " هل ينظرون " ، فإنه ما ينظرون ، وقد بينا ذلك بعلله فيما مضى من كتابنا هذا قبل .
ثم اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=28706صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله : " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله " .
فقال بعضهم : لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول ، وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله ، أو من رسول مرسل . فأما القول في صفات الله وأسمائه ، فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا .
وقال آخرون : إتيانه عز وجل ، نظير ما يعرف من مجيء الجائي من موضع إلى موضع ، وانتقاله من مكان إلى مكان .
وقال آخرون : معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله " ، يعني به : هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله ، كما يقال : "قد خشينا أن يأتينا
بنو أمية " ، يراد به : حكمهم .
[ ص: 266 ]
وقال آخرون : بل معنى ذلك : هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه ، كما قال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33بل مكر الليل والنهار ) [ سبأ : 33 ] وكما يقال : "قطع الوالي اللص أو ضربه" ، وإنما قطعه أعوانه .
وقد بينا معنى"الغمام" فيما مضى من كتابنا هذا قبل فأغنى ذلك عن تكريره ؛ لأن معناه ههنا هو معناه هنالك .
قال
أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة والمتبعون خطوات الشيطان ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، فيقضي في أمرهم ما هو قاض .
4939 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن
إسماعيل بن رافع المديني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من
الأنصار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811961توقفون موقفا واحدا يوم القيامة مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ولا يقضي بينكم ، قد حصر عليكم ، فتبكون حتى ينقطع الدمع ، ثم تدمعون دما ، وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم الأذقان ، أو يلجمكم فتصيحون ، ثم تقولون : من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فيقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم ؟ جبل الله تربته ، وخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا فيؤتى آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيأبى ، ثم يستقرئون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتوني ، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الفحص ؟ قال : قدام العرش فأخر ساجدا ، فلا أزال ساجدا [ ص: 267 ] حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، ثم يقول الله لي : يا محمد ! فأقول : نعم! وهو أعلم . فيقول : ما شأنك ؟ فأقول : يا رب وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول : قد شفعتك ، أنا آتيكم فأقضي بينكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأنصرف حتى أقف مع الناس ، فبينا نحن وقوف سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا ، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا! وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا! وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا ! وهو آت ، ثم نزل أهل السموات على عدد ذلك من التضعيف ، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون : " سبحان ذي الملك والملكوت! سبحان رب العرش ذي الجبروت! سبحان الحي الذي لا يموت! سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت! سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح! قدوس قدوس! سبحان ربنا الأعلى! سبحان ذي السلطان والعظمة! سبحانه أبدا أبدا"! فينزل تبارك وتعالى ، يحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعا ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم . فوضع الله عز وجل عرشه حيث شاء من الأرض ، ثم ينادي مناد نداء يسمع الخلائق ، فيقول : يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع كلامكم ، وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إلى ، فإنما هو صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه! فيقضي الله عز وجل بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، فإنه [ ص: 268 ] ليقتص يومئذ للجماء من ذات القرن " .
قال
أبو جعفر : وهذا الخبر يدل على خطأ قول
قتادة في تأويله قوله : " والملائكة " أنه يعني به الملائكة تأتيهم عند الموت ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنهم يأتونهم بعد قيام الساعة في موقف الحساب ، حين تشقق السماء ، وبمثل ذلك روي الخبر
[ ص: 269 ] عن جماعة من الصحابة والتابعين ، كرهنا إطالة الكتاب بذكرهم وذكر ما قالوا في ذلك ، ويوضح أيضا صحة ما اخترنا في قراءة قوله : " والملائكة " بالرفع على معنى : وتأتيهم الملائكة ويبين عن خطأ قراءة من قرأ ذلك بالخفض ؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تأتي أهل القيامة في موقفهم حين تفطر السماء ، قبل أن يأتيهم ربهم ، في ظلل من الغمام . إلا أن يكون قارئ ذلك ذهب إلى أنه عز وجل عنى بقوله ذلك : إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وفي الملائكة الذين يأتون أهل الموقف حين يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، فيكون ذلك وجها من التأويل ، وإن كان بعيدا من قول أهل العلم ، ودلالة الكتاب وآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210nindex.php?page=treesubj&link=28973_30296هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَلْ يَنْظُرُ الْمُكَذِّبُونَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ؟ .
ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : " وَالْمَلَائِكَةُ" .
[ ص: 261 ]
فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ " ، بِالرَّفْعِ ، عَطْفًا بِ "الْمَلَائِكَةِ" عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، عَلَى مَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
4032 - حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ - فِي قِرَاءَةِ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ" ، قَالَ : تَأْتِي الْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَيَأْتِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا شَاءَ .
4033 - وَقَدْ حُدِّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ قَوْلُهُ : " هَلْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ " الْآيَةَ ، وَقَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ : وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ : "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ" ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ) [ الْفُرْقَانِ : 25 ]
وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ" بِالْخَفْضِ عَطْفًا بِ "الْمَلَائِكَةِ" عَلَى"الظُّلَلِ" ، بِمَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَفِي الْمَلَائِكَةِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ" ظُلَلٍ " ، فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ : " فِي ظُلَلٍ " ، وَبَعْضُهُمْ : "فِي ظِلَالٍ" .
فَمَنْ قَرَأَهَا" فِي ظُلَلٍ " ، فَإِنَّهُ وَجَّهَهَا إِلَى أَنَّهَا جَمْع"ظُلَّةٍ" ، وَ"الظُلَّةُ" ، تُجْمَعُ " ظُلَلٌ وَظِلَالٌ" ، كَمَا تُجْمَعُ"الْخُلَّةُ" ، "خُلَلٌ وَخِلَالٌ" ، وَ"الْجُلَّةُ" ، جُلَلٌ وَجِلَالٌ" .
[ ص: 262 ]
وَأَمَّا الَّذِي قَرَأَهَا"فِي ظِلَالٍ" ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا جَمْعُ "ظُلَّةٍ" ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَمْعِهِمُ "الْخَلَّةَ" "خِلَالٌ" .
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَارِئُهُ كَذَلِكَ ، وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَمْعُ "ظِلٍّ" ؛ لِأَنَّ "الظُّلَّةَ" وَ"الظِّلَّ" قَدْ يُجْمَعَانِ جَمِيعًا"ظِلَالًا" .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ، لِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
إِنَّ مِنَ الْغَمَامِ طَاقَاتٍ يَأْتِي اللَّهُ فِيهَا مَحْفُوفًا . فَدَلَّ بِقَوْلِهِ : "طَاقَاتٍ" ، عَلَى أَنَّهَا ظُلَلٌ لَا ظِلَالٌ ؛ لِأَنَّ وَاحِدَ "الظُّلَلِ" "ظُلَّةٌ" ، وَهِيَ الطَّاقُ وَاتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ . وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ مَا اتَّفَقَتْ مَعَانِيهِ وَاخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ الْقَرَأَةُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ دَلَالَةٌ تَنْفَصِلُ بِهَا مِنَ الْأُخْرَى غَيْرَ اخْتِلَافِ خَطِّ الْمُصْحَفِ ، فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تُؤْثَرَ قِرَاءَتُهُ مِنْهَا مَا وَافَقَ رَسْمَ الْمُصْحَفِ .
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي : " وَالْمَلَائِكَةُ" ، فَالصَّوَابُ بِالرَّفْعِ ، عَطْفًا بِهَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، عَلَى مَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَإِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِيهِمْ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) [ الْفَجْرِ : 22 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) [ الْأَنْعَامِ : 158 ] فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى امْرِئٍ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فَظَنَّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ " ،
[ ص: 263 ] إِذْ كَانَ قَوْلُهُ : " وَالْمَلَائِكَةُ " فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِلَفْظِ جَمْعٍ ، وَفِي الْأُخْرَى بِلَفْظِ الْوَاحِدِ . فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ مِنَ الظَّنِّ ، وَذَلِكَ أَنَّ"الْمَلَكَ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ ) بِمَعْنَى الْجَمِيعِ ، وَمَعْنَى " الْمَلَائِكَةِ " . وَالْعَرَبُ تَذْكُرُ الْوَاحِدَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ ، فَتَقُولُ : "فُلَانٌ كَثِيرُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ" يُرَادُ بِهِ : الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَ"هَلَكَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ" ، بِمَعْنَى جَمَاعَةُ الْإِبِلِ وَالشَّاءِ ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " وَالْمَلَكُ" بِمَعْنَى"الْمَلَائِكَةِ" .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ، وَهَلْ هُوَ مِنْ صِلَةِ فِعْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، أَوْ مِنْ صِلَةِ فِعْلِ" الْمَلَائِكَةِ " ، وَمَنِ الَّذِي يَأْتِي فِيهَا ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مِنْ صِلَةِ فِعْلِ اللَّهِ ، وَمَعْنَاهُ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَأَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
4034 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ، قَالَ : هُوَ غَيْرُ السَّحَابِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِيهِهِمْ حِينَ تَاهُوا ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي اللَّهُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
4035 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ، قَالَ : يَأْتِيهِمُ اللَّهُ وَتَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ .
4036 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قَالَ
عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " ، قَالَ : طَاقَاتٌ مِنَ الْغَمَامِ ، وَالْمَلَائِكَةُ حَوْلَهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : وَالْمَلَائِكَةُ بِالْمَوْتِ
[ ص: 264 ]
وَقَوْلُ
عِكْرِمَةَ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " مِنْ صِلَةِ فِعْلِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهُ ، فَإِنَّهُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِ
عِكْرِمَةَ هَذَا فِي" الْمَلَائِكَةِ " الْخَفْضُ ؛ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ الْآيَةَ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَّلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَفِي الْمَلَائِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ حَوْلَهُ .
هَذَا إِنْ كَانَ وَجَّهَ قَوْلَهُ : "وَالْمَلَائِكَةُ حَوْلَهُ" ، إِلَى أَنَّهُمْ حَوْلَ الْغَمَامِ ، وَجَعَلَ"الْهَاءَ" فِي"حَوْلِهِ" مِنْ ذِكْرِ" الْغَمَامِ " . وَإِنْ كَانَ وَجَّهَ قَوْلَهُ : "وَالْمَلَائِكَةُ حَوْلَهُ" إِلَى أَنَّهُمْ حَوْلَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَجَعَلَ"الْهَاءَ" فِي"حَوْلِهِ" مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ عَزَّ جَلَّ ، فَقَوْلُهُ نَظِيرُ قَوْلِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ ، غَيْرُ مُخَالِفِهِمْ فِي ذَلِكَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " مِنْ صِلَةِ فِعْلِ"الْمَلَائِكَةِ" ، وَإِنَّمَا تَأْتِي الْمَلَائِكَةُ فِيهَا ، وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيمَا شَاءَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
4037 - حُدِّثْتُ عَنْ
عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ " الْآيَةَ ، قَالَ : ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ . قَالَ : الْمَلَائِكَةُ يَجِيئُونَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يَجِيءُ فِيمَا شَاءَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ " إِلَى أَنَّهُ مِنْ صِلَةِ فِعْلِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَتَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، لِمَا : -
4038 - حَدَّثَنَا بِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ مِنَ الْغَمَامِ طَاقَاتٍ يَأْتِي اللَّهُ فِيهَا مَحْفُوفًا ، وَذَلِكَ
[ ص: 265 ] قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ " .
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ : " هَلْ يَنْظُرُونَ " ، فَإِنَّهُ مَا يَنْظُرُونَ ، وَقَدْ بَيَّنَا ذَلِكَ بِعِلَلِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَبْلُ .
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28706صِفَةِ إِتْيَانِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ " .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا صِفَةَ لِذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ تَكَلُّفُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا بِخَبَرٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ، أَوْ مِنْ رَسُولٍ مُرْسَلٍ . فَأَمَّا الْقَوْلُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجِ إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِتْيَانُهُ عَزَّ وَجَلَّ ، نَظِيرُ مَا يُعْرَفُ مِنْ مَجِيءِ الْجَائِي مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ ، وَانْتِقَالِهِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ " ، يَعْنِي بِهِ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ ، كَمَا يُقَالُ : "قَدْ خَشِينَا أَنْ يَأْتِيَنَا
بَنُو أُمَيَّةَ " ، يُرَادُ بِهِ : حُكْمُهُمْ .
[ ص: 266 ]
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثَوَابُهُ وَحِسَابُهُ وَعَذَابُهُ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) [ سَبَأٍ : 33 ] وَكَمَا يُقَالُ : "قَطَعَ الْوَالِي اللِّصَّ أَوْ ضَرَبَهُ" ، وَإِنَّمَا قَطَعَهُ أَعْوَانُهُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى"الْغَمَامِ" فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَبْلُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيرِهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ هَهُنَا هُوَ مَعْنَاهُ هُنَالِكَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَمَعْنَى الْكَلَامِ إذًا : هَلْ يَنْظُرُ التَّارِكُونَ الدُّخُولَ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَالْمُتَّبِعُونَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَيَقْضِي فِي أَمْرِهِمْ مَا هُوَ قَاضٍ .
4939 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدِينِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17347يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811961تُوقَفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا ، لَا يُنَظَرُ إِلَيْكُمْ وَلَا يُقَضَي بَيْنَكُمْ ، قَدْ حُصِرَ عَلَيْكُمْ ، فَتَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمْعُ ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا ، وَتَبْكُونَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْكُمُ الْأَذْقَانَ ، أَوْ يُلْجِمَكُمْ فَتَصِيحُونَ ، ثُمَّ تَقُولُونَ : مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَقْضِيَ بَيْنَنَا ؟ فَيَقُولُونَ مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ ؟ جَبَلِ اللَّهِ تُرْبَتُهُ ، وَخَلَقَهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا فَيُؤْتَى آدَمُ ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، فَيَأْبَى ، ثُمَّ يَسْتَقْرِئُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا ، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَتَّى يَأْتُونِي ، فَإِذَا جَاءُونِي خَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ الْفَحْصَ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْفَحْصُ ؟ قَالَ : قُدَّامَ الْعَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا ، فَلَا أَزَالُ سَاجِدًا [ ص: 267 ] حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا ، فَيَأْخُذُ بِعَضُدَيَّ فَيَرْفَعُنِي ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ! فَأَقُولُ : نَعَمْ! وَهُوَ أَعْلَمُ . فَيَقُولُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ ، فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ . فَيَقُولُ : قَدْ شَفَّعْتُكَ ، أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَنْصَرِفُ حَتَّى أَقِفَ مَعَ النَّاسِ ، فَبَيْنَا نَحْنُ وُقُوفٌ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا ، فَهَالَنَا ، فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبُّنَا ؟ قَالُوا : لَا! وَهُوَ آتٍ . ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبُّنَا ؟ قَالُوا : لَا! وَهُوَ آتٍ . ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبُّنَا ؟ قَالُوا : لَا ! وَهُوَ آتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ عَلَى عَدَدِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ ، حَتَّى نَزَلَ الْجَبَّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ ، وَلَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ يَقُولُونَ : " سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ! سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ ذِي الْجَبَرُوتِ! سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ! سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ! سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ! قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ! سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى! سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَانِ وَالْعَظْمَةِ! سُبْحَانَهُ أَبَدًا أَبَدًا"! فَيَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ، وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعًا ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى وَالسَّمَوَاتُ إِلَى حُجُزِهِمْ ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ . فَوَضَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَرْشَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ نِدَاءً يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ ، فَيَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا ، أَسْمَعُ كَلَامَكُمْ ، وَأُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ ، فَأَنْصِتُوا إِلَىَّ ، فَإِنَّمَا هُوَ صُحُفُكُمْ وَأَعْمَالُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ! فَيَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ خَلْقِهِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ ، فَإِنَّهُ [ ص: 268 ] لَيُقْتَصُّ يَوْمَئِذٍ لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ " .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ
قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِهِ قَوْلَهُ : " وَالْمَلَائِكَةُ " أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِيهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُمْ بَعْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ ، حِينَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ
[ ص: 269 ] عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ ، كَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِمْ وَذِكْرِ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ ، وَيُوَضِّحُ أَيْضًا صِحَّةَ مَا اخْتَرْنَا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : " وَالْمَلَائِكَةُ " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَتَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَيُبَيِّنُ عَنْ خَطَأِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْخَفْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأْتِي أَهْلَ الْقِيَامَةِ فِي مَوْقِفِهِمْ حِينَ تَفَطَّرُ السَّمَاءُ ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ رَبُّهُمْ ، فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ . إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِئُ ذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ ذَلِكَ : إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، وَفِي الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَ أَهْلَ الْمَوْقِفِ حِينَ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ .